فضلاً عن قضية كون الانتخابات الإسرائيلية العامة القريبة بمثابة منافسة بين أحزاب اليمين على خلفية التمرّد على استمرار زعامة بنيامين نتنياهو لمعسكر اليمين جراء اتهامه بشبهات فساد، وإخضاعه سياسة إسرائيل الداخلية والخارجية إلى مصالحه الخاصة وأجندته الشخصية المتمثلة في الهروب من محاكمته أو إلغاء هذه المحاكمة إن أمكن، فإن حقيقة ذهاب إسرائيل إلى انتخابات رابعة خلال أقل من عامين تطرح قضية أخرى هي جوهر السيناريو الذي قد تكون حظوظ نجاحه مضمونة في مآلات الحلبة السياسية الحزبية، بغية التخلص من عهد نتنياهو أخيراً.
بطبيعة الحال من السابق لأوانه الكلام عن عناصر مثل هذا السيناريو، الذي من المتوقع أن يظل في نطاق التكهنات إلى أن تظهر النتائج النهائية للانتخابات. وفي هذا الشأن تحديداً يُعاد التذكير بأن سيناريواً كهذا كان ماثلاً بقوّة، وانطوى على احتمالات تأليف حكومة تستند إلى أغلبية مناهضة لاستمرار حُكم نتنياهو، لو تمّ اعتماد الاستعانة بأصوات نواب القائمة المشتركة الخمسة عشر.
يشهد بحر السياسة الإسرائيلية عاصفة شديدة قلّ مثيلها. الأمواج تعلو، ومراكب وزوارق أصغر يتهدّدها الغرق، ومراكب جديدة تستعد لاختراق عباب الموج، وتلقي بعض إطارات الإنقاذ للملمة بعض من يتهدّدهم الغرق السياسي. وبوصف آخر، فإن أجواء الانتخابات الرابعة للكنيست، في غضون أقل من عامين، تشهد "طوشة عمومية"، وكل الأحزاب والتحالفات القائمة واللاحقة، باستثناء الحريديم، لا تعرف مصيرها الدقيق، فاتضاح الصورة يحتاج إلى بضعة أسابيع. ولكن ما هو واضح منذ الآن، أن المنافسة الشديدة ستكون في اليمين الاستيطاني، أما ما يسمى "يسار" و"يسار وسط"، فإن "الإنجاز" الوحيد الذي ينتظره، هو بقاؤه على وجه السطح.
برزت في السنتين الأخيرتين ظاهرة إقدام ناشطين عرب على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة في الإمارات والسعودية على الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل من ناحية، وإطلاقهم انتقادات وصلت إلى درجة الهجوم على الفلسطينيين وصولا إلى التشكيك بمكانة فلسطين بما فيها المسجد الأقصى في الدين الإسلامي. الملاحظ كان صمت الأنظمة الحاكمة في السعودية والإمارات على هذه الانتقادات.
شهد العقدان الأخيران عمليات نشر متزايدة لوثائق وأوراق خاصة بـ"استراتيجية الجيش الإسرائيلي"، وعلى الرغم من أن هذا النشر يتم في أغلب الأحيان داخل أروقة ومؤسسات الجيش- كما تُخبرنا التصريحات والتسريبات التي تُنشر حول ذلك- إلا أن بعض هذه الأوراق والوثائق- أو الجزء المسموح بنشره منها- يتم عرضه وتداوله عبر وسائل الإعلام والمؤسسات البحثية ذات الاختصاص. وعلى أهمية الجانب الدعائي والترويجي الذي تتضمّنه عملية النشر، ونظريات "كي الوعي" و"الجدار الحديدي" وما شابه كأُطر مناسبة يُمكن من خلالها تفسير هذا السلوك؛ إلا أن ذلك لا يمنع من بناء تصورات واستنتاجات عن العمليات التي تجري داخل مؤسسات وأجهزة الجيش، لا سيّما تلك المسؤولة عن إعداد هذه الوثائق "الاستراتيجيات"، والآلية التي يتم من خلالها إعدادها، والأهداف المرجوة من ذلك كما يتم طرحها ومناقشتها في الفضاء الأكاديمي- البحثي الإسرائيلي.
الصفحة 260 من 880