المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1325

*محلل عسكري: إسرائيل لا تملك أي رد

على عملية إطلاق الصواريخ على إيلات*

 

 

 

كرر جهاز الأمن الإسرائيلي، وخصوصا الجيش، التعبير عن قلقه من الأوضاع في شبه جزيرة سيناء، في أعقاب سقوط صاروخين من طراز "غراد" في مدينة إيلات، في الخامس من نيسان الجاري، وعشية عيد الفصح اليهودي.

وتراوحت التعليقات والتحليلات الإسرائيلية في أعقاب إطلاق الصاروخين، ما بين وصف سيناء بأنها منطقة مستباحة تنشط فيها بحرية تنظيمات مسلحة، تصفها إسرائيل بـ "الإرهابية"، والتأكيد أن أيدي الجيش الإسرائيلي مقيدة لأنه لا يستطيع تنفيذ عمليات عسكرية في سيناء كي لا تزداد العلاقات الإسرائيلية - المصرية سوءا.

وقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللواء أفيف كوخافي، بعد سقوط الصاروخين في إيلات، إن الجيش الإسرائيلي كشف خلال الشهور الأخيرة عن وجود أكثر من عشر خلايا مسلحة في سيناء. وأضاف أن "إطلاق الصاروخين على إيلات، من سيناء، هو تعبير عن أن التنظيمات الإرهابية مستمرة في إرساء قواعدها وتعزيز تواجدها هناك". وأضاف أن إطلاقهما "يشكل تعبيرا عن التغيير الجوهري الذي يمر على المنطقة".

كذلك قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، خلال مداولات لتقويم الوضع بعد سقوط الصاروخين، بمشاركة رئيس أركان الجيش، بيني غانتس، إن "الوضع في سيناء يلزمنا بانتهاج نوع آخر من المواجهة". بينما قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إن "سيناء تحولت إلى منطقة إطلاق [صواريخ] على إسرائيل. ونحن نبني جدارا لكنه لا يوقف الصواريخ. وسوف نجد حلا لهذا أيضا".

من جانبه قال غانتس إن "من سيحاول اختبار قوتنا، عن قرب أو بعد، سيجد نفسه أمام جيش متطور وجاهز للدفاع عن إسرائيل وهزم العدو". وتطرق في الوقت نفسه إلى العمليات التي استهدفت الشهر الماضي عددا من السفارات الإسرائيلية، وتوعد قائلا "إننا نعرف مصدر هذه العمليات، وعلى المخططين لها ومن أرسلوا منفذيها أن يعرفوا أنه سواء كانوا في قطاع غزة أو لبنان أو في أي مكان آخر، فإن ذراعنا الطويلة ستصل في نهاية المطاف إلى جميع الذين يسعون إلى المس بمواطني إسرائيل والشعب اليهودي".

يد الجيش مقيدة

 

رأى المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أنه "ينبغي الاعتراف بالحقيقة، وهي أن أيدي إسرائيل مقيدة إزاء ما يجري عند الحدود مع مصر. فعشية عيد الفصح تسقط صواريخ غراد في إيلات، وليس لدى إسرائيل أي رد. وكل التصريحات المتشددة التي استمعنا إليها [من القيادة الإسرائيلية] هي كلمات خالية من المضمون. وطالما أن أحد الأهداف العليا لدولة إسرائيل هو الحفاظ بأي ثمن على العلاقة الإستراتيجية مع مصر، فإن القدرة الإسرائيلية على معالجة أمر الإرهاب القادم من سيناء بشكل فعال تقترب من الصفر".

وأشار فيشمان إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تتمكن من الحصول على أية معلومات تحذر من احتمال إطلاق صواريخ من سيناء إلى هدف إسرائيلي. كذلك تطرق إلى تصريحات مسؤول أمني مصري قال إنه لا توجد لدى أجهزة الأمن المصرية مؤشرات تدل على أن الصاروخين اللذين سقطا في إيلات تم إطلاقهما من سيناء. لكن فيشمان اعتبر أن "المصريين محرجون ويجرون تحقيقات. وهذه بشرى سارة، إذ أنه يوجد لدينا اليوم، على الاقل، جهة [مصرية] بإمكاننا أن نتحدث معها عن همومنا. ومن الجائز جدا أن أمرا كهذا لن يكون لدينا بعد الانتخابات [الرئاسية] في مصر، في أيار القريب. وسنخسر التنسيق الأمني وغير الفعال خصوصا بشأن سيناء، الجاري اليوم مع السلطات المصرية".

وأضاف فيشمان أنه "واضح جدا اليوم أنه لا توجد أية نية لدى مصر لمعالجة الإرهاب القادم من أراضيها، بشكل فعال. ورغم أن إسرائيل سمحت لهم بإدخال قوات عسكرية إلى سيناء، بحجم ست كتائب، من أجل أن تفرض النظام عند حدودنا، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء إدخال نصف هذه القوات".

ولفت فيشمان إلى أن "إسرائيل لا يمكنها، في الظروف السياسية الحالية، العمل بشكل فعال في سيناء من أجل الحفاظ على مصالحها. وهكذا، نشأ وضع فيه خط الدفاع يبدأ من خط الحدود". ويعني هذا الوضع بالنسبة لإسرائيل أن "حيز الإنذار من اللحظة التي يخرج فيها الهجوم من سيناء إلى إيلات، الذي لم ترصده الاستخبارات، هو مسألة تتعلق بالحظ".

واستعرض فيشمان أربع طرق بإمكان إسرائيل استخدامها "من الناحية النظرية، من أجل حماية أمن مواطني جنوب إسرائيل. الأولى تتعلق بتعزيز الدفاع عن تجمعاتها السكانية عند الحدود مع مصر، بواسطة إنشاء منظومة تحذيرية، مثل نشر "القبة الحديدية’ [لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى] وإنهاء بناء الجدار. وهذا المنظور أصبح مقبولا في هيئة الأركان العامة، ويجري بحث الموضوع. لكن هذه تبقى حربا ضد الأعراض وليس ضد المرض وهذا لن يوقف الإرهاب من جهة سيناء".

والطريقة الثانية هي أنه "بإمكان إسرائيل العمل مع الأميركيين من أجل أن يمارسوا بدورهم ضغوطا اقتصادية وسياسية على السلطات المصرية. ويمسك الأميركيون اليوم بالمساعدات المدنية لمصر كرهينة، وبإمكان هذا أن يشكل أداة بأيدي إسرائيل من أجل حث المصريين على بذل جهد أكبر بخصوص الإرهاب من جهة سيناء. وهذه الإمكانية موضوعة على جدول العمل، رغم أن مدى نجاعتها على ضوء ما يحدث الآن في مصر ليس واضحا أبدا. فالأميركيون يحاذرون الآن في كل ما يتعلق بالمال لأنهم لا يعرفون لمن سيذهب في المستقبل القريب".

والطريقة الثالثة هي "التحدث مع أصحاب البيت الحقيقيين في سيناء، وهم البدو. فالمحادثات التي يجريها الإسرائيليون مع [رئيس المجلس العسكري الأعلى في مصر حسين] طنطاوي هي إهدار للوقت. وهو لا يحافظ على المصالح المصرية في سيناء، ولذلك فإنه بالطبع لن يحافظ على مصالح إسرائيل. [لكن] يوجد للقبائل البدوية في سيناء فروع في النقب، وبإمكان إسرائيل إقامة علاقة معها. إذ أن مصالحهم اقتصادية، فحظيرة المخدرات الأكبر في الشرق الأوسط انتقلت إلى سيناء وهذه أيضا هي حظيرة الذخيرة الأكبر. وهنا يتحدث المال الكبير. وبالإمكان التحدث مع البدو حول ’الأتاوة’، ورغم أن هذا يبدو سيئا لكن هذا هو الشرق الأوسط".

والطريقة الرابعة هي "الاستخباراتية والإحباطية. وقد وصل الشاباك والاستخبارات العسكرية إلى مستوى جيد من مراقبة ومتابعة الخلايا الإرهابية الفلسطينية التي تنشط في قطاع غزة وتخرج منها. وإسرائيل تحبط عمليات الخلايا التي تتنظم في القطاع بصورة جزئية، لكنها ممنوعة من القيام بعمليات مشابهة داخل سيناء. وربما سوف تضطر [إسرائيل] إلى تغيير هذه المعادلة. غير أن كل شيء هو نظري في هذه الأثناء. والأفكار والنوايا الحسنة لا تكبح الصواريخ، والحلول ستوضع، كما هو الحال دائما، فقط بعد وقوع كارثة".

 

 


رد فعل محدود

 

من جانبه رأى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، أن إطلاق صاروخي "غراد" على إيلات "يعكس الفخ الواقعة فيه إسرائيل" عند حدودها مع مصر. وشدد على أنه "في الوقت الذي يجري فيه بناء الجدار عند الحدود مع مصر بوتيرة مثيرة للإعجاب ويقلص تدريجيا احتمال التسلل من سيناء، فإنه لا يوجد رد حقيقي لدى الجيش الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ على إيلات. كذلك فإنه لا يوجد لدى إسرائيل عنوان واضح لتحميله المسؤولية في الجانب الثاني، فهي لا تريد تقويض العلاقات، المتوترة أصلا، مع مصر. ولذلك فإنه في ظل غياب تحمل مسؤولية عن إطلاق الصاروخين، ستواجه إسرائيل صعوبة في القيام برد شديد في قطاع غزة".

وأشار هارئيل إلى أن نتنياهو أيد بناء الجدار وتفاخر بأنه بادر إلى ذلك من أجل منع تسلل اللاجئين ومهاجري العمل الأفارقة إلى إسرائيل عبر سيناء. لكن تسريع بناء الجدار ورصد ميزانيات لإنهائه جاء في أعقاب هجمات إيلات، في شهر آب الماضي، التي قُتل فيها ثمانية إسرائيليين وسبعة مهاجمين وخمسة جنود مصريين. وحتى الآن تم الانتهاء من بناء نصف الجدار البالغ طوله 230 كيلومترا، ويتوقع الانتهاء من بنائه في مطلع العام المقبل. وتشير التوقعات في إسرائيل إلى أن من شأن إنهاء بناء الجدار أن يمنع بشكل كبير عمليات تسلل الأفارقة ومهربي السلاح، ولكن ليس منعها بشكل كامل. كذلك يتوقع أن يمنع إنهاء بناء الجدار تسلل خلايا مسلحة وتنفيذ هجمات مثلما حدث في آب الماضي.

لكن وفقا لهارئيل فإن "إطلاق صواريخ غراد هي قصة أسهل بكثير للتنفيذ. وكميات الأسلحة، التي على ما يبدو أن قسما منها تم نهبه من مخازن نظام القذافي في ليبيا، موجودة اليوم في سيناء. والدمج بين الخبرة والوسائل التي بحوزة التنظيمات الإرهابية الفلسطينية في القطاع، لغرض كسب الرزق لدى القبائل البدوية في سيناء، إلى جانب تعزز الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة، كل هذا يشكل تربة خصبة لنشاط خلايا إطلاق الصواريخ. وبالطبع فإنه لا يوجد أي جدار بإمكانه منع إطلاق الصواريخ من فوقه".

وأضاف هارئيل أنه في أعقاب هذا الوضع "تدرك كافة الأطراف اليوم أن سيناء هي منطقة مستباحة، ولا توجد أية نية لدى السلطات المصرية لفرض سيادتها فيها، بينما من أجل جباية ثمن في غزة، إسرائيل بحاجة إلى إثبات واضح على وجود علاقة فلسطينية بإطلاق الصاروخين على إيلات، وهي علاقة لم يتم النشر عنها على الأقل حتى الآن. وبالإمكان الاعتقاد أنه لو كان بأيدي إسرائيل معلومات استخباراتية محددة لشنت هجمات في القطاع، مثلما فعلت في جولة التصعيد السابقة في نتصف آذار الماضي".

ولفت هارئيل إلى المعضلة التي واجهتها إسرائيل في أعقاب إطلاق الصاروخين على إيلات عشية الفصح اليهودي. فالحكومة لم تتمكن من منع عشرات آلاف الإسرائيليين من الاستجمام في إيلات، ولن تنشر "القبة الحديدية" في هذه المدينة، تخوفا من أن ذلك سيعرض مدنا أكبر، مثل بئر السبع وعسقلان وأسدود، لخطر القصف الصاروخي من القطاع. ورأى المحلل أيضا أنه "حتى التوجه إلى مصر والمطالبة بأن تطبق مسؤوليتها الأمنية في سيناء لن يؤدي إلى أكثر من دفع ضريبة كلامية من جانب القاهرة".

وفيما يتعلق باحتمال أن تشن إسرائيل هجوما عسكريا في سيناء، أكد هارئيل أن "إسرائيل لن تخاطر الآن بعمليات إحباط داخل سيناء، حتى مع الاعتقاد البعيد عن أن يكون مؤكدا أن لديها معلومات استخباراتية دقيقة حول ما يحدث هناك، لأنها بذلك تشكل خطرا على ما تبقى من اتفاق السلام مع القاهرة".

 

تحذيرات لحماس

 

من جهتها أفادت صحيفة "معاريف" بأن جهاز الأمن الإسرائيلي يلاحظ وجود توجه لدى الفصائل الفلسطينية المسلحة لنقل أنشطتها من قطاع غزة إلى سيناء، وشن هجمات ضد أهداف إسرائيلية من سيناء. والأسباب التي دفعت الفصائل المسلحة إلى ذلك تتعلق بسهولة التنقل بين القطاع وسيناء ولكون إسرائيل تمتنع، في هذه الأثناء، عن شن هجمات في سيناء.

وقالت الصحيفة إن "الفصائل تستغل أيضا القدرة الاستخباراتية الإسرائيلية الضعيفة في منطقة سيناء. وبعد إطلاق الصاروخين، الذي كان مفاجئا لجهاز الأمن، فإن التقديرات في إسرائيل هي أن الحديث لا يدور على آخر مرة يتم فيها إطلاق صواريخ وإنما على أن إسرائيل ستكون ملزمة بالاستعداد بشكل سريع بشكل مختلف في المنطقة" عند الحدود مع مصر.

وكتب المراسل العسكري لـ "معاريف"، حنان غرينبرغ، أن "إطلاق الصواريخ قبل يوم واحد من احتفال إسرائيل بالفصح، هو توقيت مناسب للتساؤل حول ما الذي تغير في هذه الليلة، وخصوصا عندما تكون الإجابة، مثلما كانت دائما، في مصر. وشبه جزيرة سيناء غيرت جلدها في السنة الأخيرة بصورة دراماتيكية. وثمة مسؤولون في جهاز الأمن يقولون أن الحديث يدور على تطور طرأ على مدار سنين ووصل مؤخرا إلى ذروته. فالصعوبة التي تواجهها المنظمات الإرهابية في إخراج هجمات من غزة دفعت حماس وباقي التنظيمات إلى العثور على ساحة لعب منذ عدة سنوات".

وأضاف غرينبرغ أن "سيناء، التي كانت في منتصف العقد الماضي واحة صحراوية لعمليات التهريب من جميع الأنواع، غيرت وجهها. ودخلت إليها أسلحة بكميات هائلة، ووجدت مجموعات الجهاد العالمي فيها تربة خصبة ومريحة لأنشطتها، وهناك التطرف الديني لدى البدو الذين يشعرون بخيبة أمل بالغة جراء أوضاعهم، وحكم مصري يظهر عجزا عن السيطرة على شبه الجزيرة، وكذلك تجاهل إسرائيلي على مدار سنين طويلة على اثر اتفاق السلام. وبهذا الشكل نشأت منطقة خطيرة ومتخمة بالتهديدات".

وتابع أنه "في إسرائيل أدركوا، وإن كان ذلك متأخرا، أن المنطقة التي كانت هادئة لسنوات طويلة، أصبحت منطقة توتر وأنه لا يمكن البقاء غير مبالين حيال ذلك. والجدار الجاري بناؤه هو ليس إلا ما يظهر للعيان، لكن من خلفه هناك تغيير في منظور الجيش الإسرائيلي ويتم استخدام وسائل تنصت وأخرى كالتي يجري استخدامها عند الحدود الشمالية [مع لبنان وسورية]".

وأشار غرينبرغ إلى أن الفرقة العسكرية "أدوم" المسؤولة عن هذه الجبهة حصلت على موارد وتحسينات هامة لم تحصل على مثيل لها منذ نهاية سنوات الثمانين، "وحقيقة أن هذه حدود مع دولة لديها اتفاق سلام مع إسرائيل، وأنه توجد لإسرائيل مصلحة إستراتيجية من الدرجة الأولى في الحفاظ على ما هو موجود، ترغم جهاز الأمن الإسرائيلي على العمل عند خط الحدود، من دون عمق وبحذر بالغ. ويؤدي هذا إلى الامتناع عن إطلاق النار على أهداف خلف الحدود ويؤدي إلى صعوبات في جمع معلومات استخباراتية".

وختم غرينبرغ تحليله بالإشارة إلى تلميح في تصريحات رئيس هيئة أركان الجيش بيني غانتس، في أعقاب سقوط الصاروخين في إيلات، بأن "ثمة من عليه أن يقلق في جباليا أو رفح، بعد أن يطلق صواريخ على إيلات".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات