قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لدى افتتاح اجتماع حكومته الأسبوعي، أول من أمس الأحد، إنه تحادث هاتفيا مع الطبيب الإسرائيلي يهودا دافيد. وادعى أن محكمة فرنسية "برأت" ساحة دافيد في دعوى قذف وتشهير رفعها ضده المواطن الفلسطيني جمال الدرة، والد الطفل الشهيد محمد الدرة، الذي قتله الجيش الإسرائيلي في بداية الانتفاضة في العام 2000.
واعتبر نتنياهو أن دافيد "أصبح رمزًا للكفاح من أجل إثبات الحقيقة، التي تؤمن بها دولة إسرائيل، وكذلك رمزاً للصمود والتشبث بالمواقف العادلة لشعبنا، وأنه قدم خدمة كبرى من أجل شعب إسرائيل". وصادقت الحكومة الإسرائيلية على تمويل مصاريف المحكمة. واعتبر دافيد أن "عدالة شعب إسرائيل هي التي حققت الانتصار" في المحكمة الفرنسية.
لكن نائب رئيس المركز الطبي "شيبا" بالقرب من تل أبيب وعضو إدارة "منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان" الإسرائيلية، المقدم في الاحتياط البروفسور رافي فالدان، أكد في مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، الأحد، زيف ادعاءات نتنياهو ودافيد، وتشويه وسائل إعلام إسرائيلية لحقيقة ما جرى في القضية التي نظرت فيها المحكمة الفرنسية.
وكتب البروفسور فالدان أنه "في أيلول من العام 2000 اهتز العالم عندما بث التلفزيون الفرنسي صور الطفل الغزاوي محمد الدرة، الذي قُتل في اشتباك مسلح، وصور والده، جمال، الذي أصيب فيما كان يحاول حمايته". ولفت فالدان إلى أنه "في الأعوام التي تلت ذلك تم إطلاق حملة إعلامية [إسرائيلية] واسعة، ادعى الذين قادوها بأن الحدث كان مسرحية وأن الطفل لا يزال على قيد الحياة، بينما والده لم يُصب أبدا في ذلك الاشتباك وإنما، كما قال الدكتور دافيد، في شجار كان ضالعا فيه في العام 1992 وأصيب خلاله بضربات فأس وسكين، وهي إصابات تم بعدها إجراء عملية جراحية ليده في المركز الطبي شيبا. والحديث يدور على جروح عميقة في راحة يده اليمنى وإصابة أوردة تمت معالجتها من خلال نقل وريد من الساق الأيسر إلى راحة اليد".
وأضاف فالدان "لا أنوي التعبير عن رأي في مسألة ما إذا كان ذلك الاشتباك المسلح قد وقع أو لا، وإذا ما وقع فإني آمل من كل قلبي ألا يكون جنود الجيش الإسرائيلي سبب وقوعه، وأنا مهتم فقط بالتطرق إلى شهادة الدكتور دافيد، والتي حظي في أعقابها بمدائح رئيس الحكومة كمن عمل باستقامة وبإصرار من أجل الدفاع عن السمعة الحسنة لدولة إسرائيل".
وأكد فالدان أن "الحقائق في هذا الشأن مختلفة بالكامل. فبعد الاشتباك المسلح تمت معالجة جمال الدرة في غزة، وفي الغداة تم نقله إلى مستشفى الحسين في عمان. وقد تم وضع صور من ملفه الطبي الكامل تحت تصرفي، واحتوى على 50 صفحة إضافة إلى صور الجروح وصور أشعة. ويدعي الدكتور دافيد أنه من دون أدنى شك فإن هذه الجروح هي نفسها التي عالجها قبل ثماني سنوات. لكن المشكلة هي أنه في التوثيق الطبي المفصل من عمان تظهر جروح مختلفة تماما على النحو التالي: جرح ناجم عن إطلاق النار في المفصل الأيمن مع كسر محطم لعظمة الذراع، وشظايا كثيرة في راحة اليد، وجروح ناجمة عن إطلاق النار في الورك والساق الأيمن، وكسر في الحوض، وجرح ناجم عن خروج عيار ناري في المؤخرة، وتمزق في العصب الرئيس للورك اليميني وعصب آخر في الساق، وتمزقات في الشريان والوريد الرئيسيين عند منفرج الرجلين الذي تم تصحيحه في غزة، وجرحان ناجمان عن إطلاق نار في الساق الأيسر. وهذه التشخيصات توثق بالتفصيل الجروح من العام 1992 أيضا، وتشمل شلل العصب في اليد اليمنى، وهذه هي التي عالجها فعلا الدكتور دافيد".
وتابع فالدان أن "صور الجروح، وصور الأشعة، وتقارير العملية الجراحية، ومشاورات الأخصائيين، وباقي المعطيات التي تظهر في الملف الطبي تؤكد هذه التشخيصات. وعليّ أن أذكر بأسف أن أقوال زميلي، التي تم استعراضها كأنه لا يوجد خلفها أدنى شك، لا تستند إلى أي شيء. ودافيد لم يفحص الرجل طبعا، وتجاهل المعطيات من المستشفى في عمان. والمثير للاستغراب هو أن الملف الطبي كان موجودا تحت تصرف الأطراف المعنية منذ سنوات طويلة".
وتطرق فالدان إلى قرار المحكمة الفرنسية قائلاً: "أريد أن أوضح جوهر قرار الحكم الصادر عن المحكمة الفرنسية، فهي لم تقر أبدا أنه ثبت أن أقوال دافيد كانت حقيقية، وإنما فقط أن الانطباع لدى المحكمة كان بأنها كُتبت بصورة بريئة وبالاستناد للمعطيات التي كانت بحوزته، وأنها تدخل في إطار حرية التعبير". كما لفت إلى أنه "في المقابل فإن المراسل الذي نشر التقرير المغرض ضد جمال الدرة طولب بدفع تعويض له بمبلغ ستة آلاف يورو".