المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب أسعد تلحمي:

على الرغم من نجاة حكومة اريئيل شارون من اقتراحات لحجب الثقة عنها في الكنيست مساء اليوم (الاثنين)، لكن الغموض ما زال يكتنف مصير هذه الحكومة بعد ان بحثت (الأحد) في خطة "فك الارتباط الاحادي" المعدلة على نحو سمح لقادة "جبهة المعارضة" في حزب "الليكود"، الوزراء بنيامين نتنياهو وسيلفان شالوم وليمور ليفنات، بتأييدها ليس قبل ان يتأكدوا من انها لا تتحدث عن اخلاء فعلي أو حتى من حيث المبدأ لمستوطنات غزة.

ومع أن قبول الحكومة بالخطة اعتبر "قراراً تصريحياً" وعلى رغم أن ثمة فرقاً شاسعاً بين اتخاذ قرار ليس سوى "اعلان نيات" وبين تنفيذه، خصوصاً ان شارون لم ينفذ خلال الاشهر الاربعين لحكمه أياً من التزاماته، فقد مالت الصحف العبرية الى اعتبار اقرار الحكومة خطة للانسحاب من غزة "تاريخياً" لان الحكومة تصوت عملياً على "أم المشاكل" التي تواجهها اسرائيل،"المشكلة الاكثر ايلاماً التي تمزقها... تمزيق البلاد بيننا وبين الفلسطينيين"، كما يكتب المعلق السياسي في "معاريف" بن كسبيت، مذكراً بأن خمسة رؤساء حكومة خسروا مناصبهم "تحت وطأة هذه القضية"، وعليه فإن مصادقة الحكومة الحالية بزعامة الليكود وشارون، على مبدأ انسحاب شامل ودراماتيكي من قطاع غزة "ليست سوى حدث تاريخي".

وتكتب صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها ان اقرار "فك الارتباط" التدريجي يعتبر خطوة اولى ذات اهمية تاريخية نحو اخلاء مناطق معدة لاقامة دولة فلسطينية وان كل لبيب يفهم ان انسحاباً من غزة وشمال الضفة "يشكل مقدمة لتقوقع اسرائيل في حدود الخط الاخضر مع تغييرات طفيفة". وتضيف الصحيفة ان مصادقة "الليكود" على الخطة تعني انفصاله عن معسكر اليمين التقليدي الذي اتحد دائماً على اساس ايديولوجية الاستيطان وراء "الخط الاخضر". وتحذر الصحيفة من قبول الصيغة التوفيقية التي قضت بمواصلة الحكومة اغداق الموارد على المستوطنات المرشحة للاخلاء. وكتبت ان هذه الصيغة تفرغ بشكل او بآخر خطة الانفصال من مضمونها وتزرع الالغام في طريق تنفيذها.

وترى صحيفة "يديعوت احرونوت" في افتتاحيتها ان قبول الصيغة التوفيقية سيعني الفصل بين النية للاخلاء وبين الاخلاء الفعلي، مشككة في النية الحقيقية لشارون "الذي ازدهر الاستيطان في عهده وتم توسيعه في الضفة والقطاع... ولم يفكك حتى بؤرة استيطانية واحدة وكان سخياً في الموازنات التي اغدقها على المستوطنات حتى في زمن التقشف الاقتصادي".

وترى المعلقة في الشؤون الحزبية في الصحيفة، نحاما دويك، ان شارون، وبعدما ينهي معركته الأولى في الحكومة، سيضطر الى تجميع قواه من جديد ليخرج الى المعركة المقبلة، تلك التي قد تقضي عليه سياسياً: المعركة على الائتلاف، مشيرة الى تعقيدات في الساحة الحزبية والى اتساع التمرد داخل "الليكود" الذي يدفع نحو استبداله بنتنياهو. في سياق متصل، صعّد "المتمردون" تهديدهم لشارون الإطاحة به. وقال النائب يحيئيل حزان ان العد التنازلي لحكم شارون بدأ، فيما لمح آخرون الى انهم سيسببون متاعب كثيرة لشارون في الكنيست حتى تسقط حكومته.

وتعددت السيناريوهات الإسرائيلية لما يحمله "اليوم التالي" لإقرار الحكومة الإسرائيلية خطة رئيسها اريئيل شارون لـ"فك الارتباط" التدريجي عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، لكنها التقت جميعها في توقعها بأنه بدأ العد التنازلي لـ"حقبة شارون" وان انتخابات برلمانية مبكرة قد باتت، على ما يبدو، مسألة وقت.

ويتفق المعلقون على أن الدولة العبرية ستشهد في الأسابيع المقبلة الفصل الأول من فوضى سياسية وحزبية ستحتد درجتها مع الصيف، في وقت سيكرس فيه أريئيل شارون جلّ جهوده من أجل البقاء في منصبه "في واحدة من أهم المعارك في حياته"، لكنهم يشككون في قدرته على "الصمود" لأكثر من أشهر ازاء التركيبة المعقدة للكنيست الحالي، التي لن تمنحه الهدوء لفترة طويلة. ويرى هؤلاء أن الحكومة الثالثة التي سيشكلها شارون لن ترتكز إلى قاعدة برلمانية متينة، بل ستكبل يديه وسيكون سهلاً على معسكر اليمين إسـقاطها، وقد تسنح له الفرصة الأولى لذلك أثناء التصويت على موازنة العام المقبل في تشرين الأول (اكتوبر) قبل ان ينسحب شارون من أي مستوطنة في القطاع.

وتتشكل الكنيست الحالية من الأحزاب التالية : الليكود(40 نائباً)،العمل (21)، شينوي (15)، شاس (11)، الاتحاد القومي (8)، مفدال (6)، يهدوت هتوراه (5)، ميرتس - ياحد (6)، التجمع الوطني (3)، الجبهة (3) والموحدة (2).

ومع إقالة الوزيرين افيغدور ليبرمان وبيني الون، وفي حال انسحب وزيرا "المفدال" ايفي ايتام وزبولون اورليف من التوليفة الحكومية الحالية، فإن قاعدتها البرلمانية ستتقلص إلى 55 نائباً فقط (الليكود وشينوي)، ما يعني سقوطها السريع، إلا إذا منحها حزب "العمل" شبكة أمان موقتة، وهو ما حصل حتى الآن (أمس الاثنين سحب حزب "العمل" إقتراحه الداعي إلى حجب الثقة عن الحكومة).

وفي مثل هذه الحالة، التي لن تتضح تفاصيلها الدقيقة قبل يوم الأربعاء القادم الذي سيقرر فيه حزب "المفدال" كيفية سلوكه بازاء قرار الحكومة، أمام شارون عدد من الخيارات لتشكيل حكومة جديدة تبدو جميعها صعبة وبعضها غير واقعي. ونذكر منها الخيارات الآتية:

- ضم "العمل" الى الحكومة، اي تشكيل حكومة علمانية من "الليكود" و"العمل" و"شينوي" يفترض ان يدعمها نواب الأحزاب الثلاثة (76)، لكن المعارضة الواسعة داخل "الليكود" لانضمام العمل ومعارضة أربعة من نواب "العمل" لذلك قد تحولان دون توافر غالبية برلمانية لتوليفة كهذه (اكثر من 60 نائباً). وعلى رغم المصاعب المذكورة يبقى هذا الاحتمال هو الأقوى.

- حكومة ضيقة مع "المفدال"، أي الحكومة الحالية باستثناء "الاتحاد القومي" وتحظى بتأييد 61 نائباً. ويبدو هذا الاحتمال ضعيفاً ازاء موقف زعيم المفدال، الوزير المتطرف ايفي ايتام، وحاخامات الحزب الداعي الى مغادرة الحكومة. وثمة احتمال بأن يحصل انقسام داخل هذا الحزب المتدين فيدعم اثنان من نوابه الستة الحكومة ويبحث شارون عن أربعة نواب من أحزاب أخرى لتوفير غالبية من 61 نائباً (وكلا الاحتمالين ضعيف).

- حكومة مع الأحزاب الدينية المتشددة: أي "شاس" (الشرقية) و"يهدوت هتوراة" (الاشكنازية) لتحلا محل "الاتحاد القومي" و"المفدال". لكن في هذه الحال يتوقع انسحاب حزب "شينوي"، الذي يرفض الجلوس الى جانب المتدينين المتزمتين في حكومة واحدة. يبقى أمام شارون اقناع "العمل" بدخول حكومة مع المتدينين تحظى بدعم 73-77 نائباً، هذا ان نجح أولاً في اقناع أقطاب الحزبين المتزمتين بالانضمام الى حكومته. ويبدو ان مثل هذه المهمة صعبة جداً بعد ان اعلن زعيم "شاس"، ايلي يشاي، عزمه على تجنيد غالبية لدعم مشروع حجب الثقة عن الحكومة (احتمال ضعيف).

- حكومة ضيقة والذهاب الى انتخابات مبكرة: في حال فشل شارون في تشكيل حكومة تتمتع بغالبية برلمانية سيعلن أمام الكنيست دعمه مشروع قانون لحل الكنيست والذهاب الى انتخابات برلمانية مبكرة. في هذه الحال ليس أكيداً ان ينتخب اعضاء "الليكود" شارون على رأس لائحته الانتخابية الجديدة (احتمال وارد).

وقد يواجه شارون احتمالاً آخر يتمثل باضطراره إلى الاستقالة من منصبه في حال عدم نجاحه في تشكيل ائتلاف جديد يجمع حوله أكثر من نصف نواب الكنيست من دون أن يؤدي ذلك إلى تقديم الانتخابات، وذلك إذا أفلح وزير المال بنيامين نتانياهو في جمع تواقيع 61 نائباً يدعمونه لخلافة شارون. وعلى رغم اصرار أوساط قريبة من شارون على بث الانطباع بأن مهمة نتانياهو شبه مستحيلة، لكن مراقبين يفضلون شطب كلمة استحالة من القاموس السياسي في إسرائيل، التي تشهد تقلبات من ساعة إلى أخرى.

57 بالمئة من الاسرائيليين يؤثرون إنضمام "العمل" إلى حكومة شارون

وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الاثنين، ان 20% من الجمهور الاسرائيلي يفضلون ابقاء التوليفة الحكومية على حالها اليوم، اي ان تظل تضم احزاب الليكود وشينوي والمفدال. وقال 44% من المشاركين في الاستطلاع انهم يفضلون رؤية حكومة "وحدة وطنية يشارك فيها حزبا العمل وشينوي، اضافة الى الليكود". وقال 13% انهم يفضلون توليفة حكومية بمشاركة الليكود والعمل والاحزاب الدينية اليهودية. ويتبين من هذا الاستطلاع ان 57% من الاسرائيليين يفضلون ان ينضم حزب العمل الى حكومة شارون.

وتبين من الاستطلاع ايضا ان 41% من المشاركين فيه اعتبروا اقدام رئيس حكومة اسرائيل، اريئيل شارون، على اقالة الوزيرين اليمينيين المتطرفين، افيغدور ليبرمان و بنيامين الون، هو خطوة صحيحة، فيما قال 42% من المستطلعين انها خطوة غير صحيحة.

وأيد 52% من المشاركين في الاستطلاع الانسحاب من قطاع غزة واخلاء المستوطنات فيه مرة واحدة وليس على مراحل كما اقرت الحكومة الاسرائيلية ذلك بالامس. فيما قال 33% منهم انهم يؤيدون الانسحاب والاخلاء على مراحل.

وبحسب الاستطلاع ايضا، فانه لو جرت الانتخابات العامة في هذه الفترة لحصل الليكود برئاسة شارون على 42 مقعدا في الكنيست، اي اكثر باربعة مقاعد عما حصل عليه في الانتخابات الماضية. اما اذا خاض الليكود الانتخابات برئاسة بنيامين نتنياهو فانه سيحصل على 37 مقعدا وسيزداد تمثيل حزب العمل. ويظهر الاستطلاع بشكل واضح ان شارون سينجح في الحصول على اصوات ناخبين من العمل ومن حزب شينوي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات