المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب بلال ظاهر:

اعترف كبار المحللين العسكريين الإسرائيليين بان اجتياح رفح، الذي تم قبل أسبوعين واستمر لحوالي أسبوع، لم يكن مثل باقي الحملات العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين خلال السنوات الماضية منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. فقد هزّ هذا الاجتياح إسرائيل، دولة وجيشا ومجتمعا، بشكل نادر. وتتوجب الإشارة بداية إلى أن مشاهد بيوت الفلسطينيين المدمرة ومقتل أكثر من خمسين فلسطينيا في أسبوع واحد ليس هو ما أثار مشاعر الإسرائيليين. ولكن ما أثار مشاعرهم كان مقتل جنود إسرائيليين (في تفجير المجنزرتين في حي الزيتون وبمحاذاة شريط فيلادلفيا الحدودي) في معركة يعتبرون ان لا غاية منها. فهي تأتي في وقت كثُر الحديث فيه عن الانسحاب من قطاع غزة. وهي تأتي أيضا في وقت يتعنت فيه اليمين الإسرائيلي المتطرف في رفضه أية حلول سياسية مبنية على الانسحاب من الأراضي المحتلة وإخلاء مستوطنات. وذلك في مقابل أغلبية الإسرائيليين الذين يرون ضرورة الانسحاب وإخلاء مستوطنات، كما ظهر ذلك بوضوح بالغ من خلال استطلاعات الرأي التي جرت في الأسابيع الأخيرة في إسرائيل.

كذلك انشغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل ملحوظ، خلال نهاية الاسبوع الماضي، في تحسين صورة الجيش. فقد تعرضت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في الأسبوعين الأخيرين إلى هجوم غير مسبوق من جانب رئيس الوزراء، أريئيل شارون، ومن وزير العدل، يوسف لبيد. واشتملت التقارير الصحفية على تبادل للاتهامات بين المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين. غير ان هذه الخلافات لم تبرز على خلفية الدمار الذي خلفه جيش الاحتلال في رفح، وانما بعد صدور تقرير منظمة العفو الدولية "أمنستي"، الذي اكد على ان الممارسات الاسرائيلية في رفح وما خلفته من دمار تعتبر جريمة حرب.

في هذا السياق يأتي الانتقاد الذي وجهه المحلل العسكري الاسرائيلي، زئيف شيف، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس"، وأكد فيه على ان ما دفع الجيش الاسرائيلي الى القيام بالحملة العسكرية على رفح كان الشعور بالانتقام لمقتل 11 جنديا من جراء تفجير المجنزرتين.

واشار شيف في مقاله الى انه مع انتهاء حملة "قوس قزح" العسكرية في رفح اتضح ان "الجيش حقق خلالها انجازات جزئية. لقد كانت هذه حملة كبيرة استخدمت خلالها فرق عسكرية باكملها واستخدمت اسرائيل خلالها القوة بصورة مفرطة ضد المسلحين الفلسطينيين، الذين لا احد يعرف عددهم، وضد المواطنين الفلسطينيين. ان القرار بالشروع في هذه الحملة صادر من المشاعر وليس من العقل. قوس قزح هي حملة خاضها جيش غاضب. فتفجير المجنزرتين جعل قيادة هيئة الاركان تقفز من مكانها". واضاف ان "الحملة العسكرية في رفح كان مبالغًا فيها، من ناحية حجم القوات وطول مدة الحملة. وقد ادى ذلك الى زيادة المخاطر واحتمالات التورط، مثلما جرى عندما تم اطلاق صواريخ بشكل غير مقصود (!) على متظاهرين".

وينطلق شيف من نظرية ان الحروب والحملات العسكرية، كبيرة كانت ام مقلصة، هي في نهاية المطاف خطوات سياسية أو على الاقل تكون غاياتها سياسية. وقال انه على الرغم من ان "الغاية العسكرية المركزية للحملة هي هدم انفاق التهريب من سيناء، غير انه لم تكن للحملة الكبيرة غاية سياسية واضحة". وانتقد الكاتب عدم قيام ديوان رئيس الوزراء الاسرائيلي بحملة اعلامية لشرح اهداف الحملة على رفح وأكد "لم يكن الامر مفاجئا ان اسرائيل خسرت المعركة الاعلامية الدولية، حتى في الدول الصديقة، مثل تركيا".

كذلك شكك شيف في صحة المعلومات "الاستخبارية" بخصوص تهريب اسلحة من سيناء الى قطاع غزة بواسطة "الانفاق". وقال ان هذه المعلومات وصلت الى اجهزة الامن الاسرائيلية التي ابلغت بدورها السلطات المصرية بفحواها. وكتب: "الا ان المصريين لم يضبطوا (هذه الاسلحة) كما انه لم يتم العثور عليها في رفح"، اثناء الحملة العسكرية. وكانت التقارير الاسرائيلية تزعم تهريب صواريخ "كاتيوشا" وغيرها. وقال شيف حيال ذلك انه "من غير المعروف اذا كانت هذه الصواريخ وهي من النوع الذي يحمل على الكتف تستخدم ضد الطائرات ام ضد الدبابات"، ليشير الى عدم وجود معلومات دقيقة حول ذلك في حوزة اجهزة الامن الاسرائيلية.

ورأى شيف ان الجيش لم يضع نصب عينيه العثور على الانفاق المزعومة أو القاء القبض على "مهربي الاسلحة"، كما اعلن ان هذا هو الهدف من الحملة العسكرية على رفح. وكتب ان "عامل المفاجأة افتقد في هذه الحملة في اثناء تجميع القوات الكبيرة التي شاركت فيها وتمكن خلال ذلك مقاولو انفاق التهريب والخبراء في بنائها من الهرب والاختفاء. فاحتمالات القاء القبض عليهم تكون عالية من خلال حملات عسكرية صغيرة الحجم، تكون معتمدة على معلومات استخبارية، اذا لم يتم العثور على مخازن كبيرة للاسلحة". واضاف ان تقديرات اجهزة الامن الاسرائيلية تفيد بان هناك عددا من الانفاق التي لم يتم اكتشافها بعد وانه "لن يمضي وقت طويل حتى تتجدد عمليات تهريب الاسلحة، حتى لو ان الامر سيكون صعبا على المهربين في البداية". ولان "الضربة التي انزلت على رفح كانت كبيرة للغاية فانه من المشكوك فيه ما اذا كان المواطنون الذين تضرروا كثيرا سوف يمارسون الضغوط على حماس والسلطة الفلسطينية والمهربين" لوقف العمليات ضد اهداف اسرائيلية.

واعتبر شيف ان "حملة "قوس قزح" هي فصل آخر في معركة الاستنزاف بين اسرائيل والفلسطينيين. والربح الضئيل الذي حققته الحملة هو ربح مؤقت، كما هي الحال في كثير من الاحيان في حرب استنزاف. فالحملة لم تضع حدا لاعمال التهريب ولم تحل هذه المشكلة".

غير ان اكثر ما برز في المشهد الاسرائيلي على صعيد العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري كان الانتقادات التي وجهها سياسيون الى الجيش وخصوصا الى قائد هيئة الاركان، موشيه يعلون. وقال وزير القضاء يوسف لبيد انه "بالرغم عن نفي الجيش (بشأن قيامه بهدم عدد كبير من بيوت الفلسطينيين في رفح)، الا ان الجيش وضع طلبا امام المستشار القضائي للحكومة يقضي بهدم 3000 بيت في رفح. وانا اعتقد ان هذا وحشي. لقد قال قائد هيئة الاركان اننا هدمنا بضعة بيوت محدودة، وهو لا يقول الحقيقة. انني اجلس في حكومة اسرائيل، اتحمل مسؤولية اخلاقية ووزارية ولا احد يسألني بخصوص حملة عسكرية كبيرة للغاية كالتي جرت في رفح. لا يمكن تنفيذ حملة عسكرية كهذه من دون ان يعلم بها المجلس الوزاري المقلص مسبقا. بعد قليل سيبدأون بمحاكمة اسرائيليين في محكمة (العدل الدولية) في لاهاي ويطردوننا من الامم المتحدة. ما الذي يحصل هنا، هل فقدنا عقلنا؟ الجيش، لأسفي، موجود داخل فقاعة. انني في حالة هيجان من الناحية الاخلاقية. واذا شعر قائد هيئة الاركان ان هذا يقيد حرية العمل لديه، فليكن". يذكر ان اقوال لبيد هذه جاءت بعد ان شبه احدى المسنات الفلسطينيات في رفح، التي كانت تبحث عن دوائها تحت انقاض بيتها، بجدته، التي عانت من ممارسات الحكم النازي ضد اليهود ابان الحرب العالمية الثانية في اواسط القرن الماضي.

ونفى جيش الاحتلال الاسرائيلي ان يكون قد طلب هدم 3000 بيت في رفح، كما قال لبيد. لكن جيش الاحتلال اعترف بأن القائد العسكري للمنطقة الجنوبية وضع عدة خيارات امام المستشار القضائي للحكومة لتوسيع المنطقة المحيطة بالشريط الحدودي فيلادلفيا وطلب فيها القيام بهدم 2700 بيت تابعة للفلسطينيين!

انعدام الثقة داخل الجيش

بالنسبة للاسرائيليين خلفت معركة رفح وراءها اكثر من مشكلة على صعيد العلاقات الاسرائيلية الداخلية. ولكن، بسبب كون المجتمع الاسرائيلي يولي اهمية بالغة جدا للعسكرة، فان تأثير المعركة على الجيش هو الاهم. وقد تناول المعلق العسكري اليكس فيشمان هذا الموضوع في تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نهاية الاسبوع الماضي. وتطرق فيشمان في تقريره، خصوصا، الى تزعزع الثقة داخل قيادة الجيش الاسرائيلي. وكتب انه في يوم الاحد الماضي طلب قائد هيئة اركان الجيش الاسرائيلي، موشيه يعلون، القيام بجولة بمروحية فوق رفح. ما دفعه الى ذلك، بحسب التقرير الصحفي، كان وصول تقارير الى قيادة الجيش حول حجم هدم البيوت في رفح مختلفة عن التقارير التي ترسلها القيادة العسكرية الميدانية في رفح. قالت تقارير الجيش انه تم هدم خمسة بيوت فيما التقارير التي ترد في وسائل الاعلام تتحدث عن هدم عشرات ومئات البيوت. وكتب فيشمان ان "مجرد تحليق يعلون بالمروحية لرؤية الواقع في رفح عبّر عن انعدام الثقة" بالقيادة الميدانية.

لكن فيشمان اكد على ان هذا التصرف من جانب يعلون "ينطوي على شيء من السذاجة". وتابع انه من المعروف ان مخيمات اللاجئين الفلسطينيين مكتظة للغاية. وهذا يعني ان مجرد دخول نحو مئة دبابة ومجنزرة ثقيلة والجرافات العملاقة الى هذه المخيمات المكتظة، او الالتفاف حولها ومن دون ان تطلق قذيفة واحدة، سيؤدي الى تصدع الابنية في المخيم. "ان ادخال مئة الية ثقيلة الى منطقة مبنية يعني مئة بالمئة أمنًا لقواتنا ومئة بالمئة دمارًا في المكان".

ويشير فيشمان الى فشل اسرائيل في الناحية الاعلامية خلال معركة رفح. ولم يكن هذا مجرد فشل بل انه اثار ارتباكا ما في صفوف الجيش خصوصًا بين القيادة. وأفاد فيشمان بأنه في السادسة من مساء الاحد الماضي أصدر يعلون أمرا للقائد العسكري في قطاع غزة يقضي بوقف الحملة العسكرية في رفح. واشار الكاتب الى ان هذا الامر صدر قبل ثلاث ساعات من بدء القسم الثاني من الحملة، بحسب تخطيط جيش الاحتلال. وقد فُسر الامر بوقف الحملة بانه "تم تحقيق الغايات منها". وتساءل فيشمان: "هل كان هذا قرارا عسكريا صرفا، خاليا من تأثير ضغوط خارجية؟ هل فعلا لا علاقة بتاتا بين هذا القرار والضرر الاعلامي على الساحة الدولية الذي تسببت فيه هذه الحملة؟ هل حقا لم يلمح المستوى السياسي للجيش بانه من الاجدى ان يبدأ بالانسحاب؟ فقد اعلن وزير الدفاع (شاؤول موفاز) طوال نهاية الاسبوع ان الحملة العسكرية ستستمر حتى يتم تحقيق الاهداف كلها. فما الذي جرى فجأة؟".

ورأى فيشمان ان الضعف الاساسي في الحملة العسكرية على رفح كان عدم وجود أية غاية لها. واضاف ان "الشاباك (جهاز الأمن العام) سيكون شاكرا للجيش لو انه وضع خطة لوقف اعمال تهريب السلاح من الانفاق بين رفح وسيناء"، علما ان الجيش زعم طوال فترة الحملة على رفح بأن هدفه هو وضع حد "لاعمال التهريب وهدم الانفاق والقبض او القضاء على مقاولي حفر الانفاق او على الاقل تشويش عملية التهريب". ونقل عن احد المسؤولين في "الشاباك" قوله ان "تنفيذ الهدف بمنع تهريب الاسلحة عبر الانفاق يعني مكوث الجيش في رفح مدة طويلة واحكام السيطرة عليها، كما هي الحال في رام الله"..

وخلال المعارك في رفح اشاع جيش الاحتلال ان السلطة الفلسطينية فتحت مخازن الاسلحة امام المقاتلين الفلسطينيين لكي يتزودوا بالسلاح والدفاع عن أنفسهم. وكتب فيشمان ان الجيش اهتم باشاعة هذا الخبر بالرغم عن معرفته بان "التنظيمات المسلحة الفلسطينية داخل المخيمات كانت على شفا الانهيار. وقد اثار نبأ تسليحهم من جديد التحسب في صفوف الجيش من وقوع خسائر بين الجنود من جراء مد المقاتلين الفلسطينيين بالسلاح". وتساءل فيشمان: "هل هناك أحد (في الجيش الاسرائيلي) اختار ان يلمح للرأي العام بانتهاء القتال؟". وتتوجب الاشارة هنا الى ان خلافا في الاراء نشب، خلال الاسبوع الماضي ونشرت عنه الصحف الاسرائيلية، بين ضباط كبار اعضاء في هيئة قيادة اركان الجيش الاسرائيلي. وبحسب التقارير الصحفية تلك، فان عددا من اعضاء هيئة اركان الجيش الاسرائيلي طالبوا بوقف الحملة العسكرية على رفح وسحب الجيش من هناك لأن "الاهداف" قد أحرزت وانه يكفي ما جرى كانتقام على مقتل الجنود الـ11. ويذكر ان هذه الخلافات بين قيادة الجيش الاسرائيلي وقعت على اثر اطلاق دبابات اسرائيلية قذائفها على المتظاهرين الفلسطينيين في ضاحية تل السلطان.

وخلص فيشمان الى انه "اسدل الستار على قوس قزح، في هذه الاثناء. والشعور السائد في صفوف الجيش الاسرائيلي هو انه تم ارجاء عملية التهريب الكبرى لصواريخ الكاتيوشا والصواريخ المضادة للدبابات. ويستعدون في قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية لمواصلة تنفيذ حملات عسكرية صغيرة الحجم عند محور فيلادلفيا. وسيستمر الضغط على الانفاق وفق المعلومات التي توفرت خلال الحملة. ولكن ما تبقى من حملة قوس قزح، باستثناء الدمار، هو الترسبات والشكوك المتبادلة بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، واجواء من التوتر والغضب داخل المؤسسة العسكرية".

ازمة يعلون

في اعقاب معركة رفح، اشار كافة المحللين العسكريين والسياسيين الى ان قائد هيئة اركان الجيش الاسرائيلي، موشيه يعلون، يواجه وضعا صعبا. فمن ناحية واحدة، هناك العلاقات المتوترة مع ضباط الجيش الذين تحت امرته واختلال الثقة بينه وبينهم، والحديث هنا عن الضباط الذين ايدوا الحملة على رفح والذين عارضوها. من الناحية الثانية، هناك خلافات حادة بين يعلون وشارون، فيما يتعلق بخطة الاخير لـ"فك الارتباط" احادية الجانب. فقد عبرت القيادة العسكرية الاسرائيلية في اكثر من مناسبة عن عدم موافقتها على الخطة كونها احادية الجانب، متحسبة من اليوم الذي سيلي الانسحاب من قطاع غزة وممن سيسيطر على الوضع هناك.

ليس هذا وحسب. ففي مقال في صحيفة "معاريف"، كتب المعلق السياسي بِن كسبيت ان "حياة يعلون صعبة للغاية ولا يمكن تحملها". وكان كسبيت يشير بذلك الى الانتقادات التي وجهها لبيد الى يعلون ونعته بالكاذب فيما يتعلق بهدم البيوت في رفح. ووجه كسبيت انتقادا مبطنا الى الحكومة الاسرائيلية. "فبعد ان خوّل المجلس الوزاري الاسرائيلي المقلص ("الكابينيت") رئيس الحكومة ووزير الدفاع، شارون وموفاز، باصدار اوامر للجيش بتنفيذ الحملة العسكرية على رفح، يقوم وزراء موتورون بمهاجمة الجيش امام الملأ".

كذلك اشار كسبيت الى اجتماع عقده شارون مع قيادة الجيش الاسرائيلي، الاسبوع الماضي. وكان الجيش قد اعلن موقفه الرافض لخطة فك الارتباط المعدلة والمرحلية. وخلال الاجتماع قال شارون لقيادة الجيش: "انني لم استدعكم لأخذ رأيكم. هذه هي الخطة والمطلوب منكم وضع توصية حول كيفية تنفيذها". وانتقد كسبيت اسلوب شارون في الحديث مع القيادة العسكرية وانه "في النهاية يقولون ان كل شيء يجري بصورة حسنة".

ومضى الكاتب ان "ليس كل شيء على ما يرام. بل كل شيء ليس على ما يرام. فالتعامل مع الجيش يتم وكأنه طرف هامشي، معرقل، مزعج، ولكن عندما يتوجب دفع الثمن فان الجيش هو الذي يدفعه عندما يجري استدعاؤه لخدمة العلم. مرة اخرى يتم وضع المسؤولية على كاهل الجنود في ميدان القتال وذلك من دون ان تتوفر لديهم الفرصة للاحتجاج او عمل شيء من اجل انفسهم". ويشير كسبيت هنا الى التعامل مع الجيش، خصوصا من جانب شارون. لكنه يشير بشكل اكبر الى ان القرار بالخروج في حملة عسكرية هو بالاساس قرار صادر عن القيادة السياسية.

ويلفت كسبيت الى ان الشعور السائد في الجيش هو انه "ترك ليواجه مصيره لوحده. اذ يجد قادة الجيش في ميدان القتال انفسهم يتعرضون لسهام الانتقادات وكأنهم هم الذين قرروا خوض الحملة على رفح او كأنهم هم الذين صوتوا ضد فك الارتباط في استفتاء الليكود او كأنهم هم الذين قرروا عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا".

الجيش خط أحمر ؟

تعتبر "معاريف" الصحيفة الاسرائيلية الأشد ولاء لشارون. وخلال الفترة الاخيرة، ومن اجل الضغط على الوزراء المعارضين لخطة فك الارتباط، لوحظ بشكل جلي استخدام شارون للصحيفة من اجل تهديد وزرائه. ودائما كان كسبيت الصحفي الذي ينقل شارون بواسطته تلميحاته وتهديداته ومخططاته. هكذا كان عندما برزت معارضة شديدة داخل حزب "الليكود" للخطة وهكذا الآن. كذلك ليس سرا ان مالكي "معاريف"، تاجر السلاح الثري يعقوب نمرودي ونجله عوفر، هما من أهم مؤيدي شارون مهما فعل.

الا ان هناك خطا احمر، على ما يبدو، وهو الهجوم على الجيش أو على المؤسسة العسكرية في اسرائيل. ففي حالة نادرة للغاية، هاجم كسبيت شارون بشكل غير مسبوق في اعقاب تعامله وتهجم وزراء في حكومته على الجيش الاسرائيلي على خلفية معركة رفح. وبعد ان اشار كسبيت الى ان الجيش يتلقى الاوامر من القيادة السياسية الاسرائيلية وحسب، كتب ان "المسؤولية ملقاة على عاتق رئيس الحكومة اريئيل شارون. فهو الرجل الذي يتخذ القرار في نهاية اليوم. وهو الرجل الذي يتوجب ان يحاسب. وهو الذي قرر اخلاء غزة والبقاء في فيلادلفيا ومنح ما يقل عن مئة الف منتسب (لليكود) ان يقروا كل هذا. هو الذي اعد طبخة العصيدة هذه، التي وضع فيها البهار على صورته وشكله. الان، الوضع غير محتمل اكثر من أي مرة ماضية. طريق مسدود بالتربيع".. واضاف: "لقد قضى شارون على كل فرصة لوجود شريك فلسطيني. دفن ابو مازن ودحلان. والان هو نفسه الذي لا يوافق على خلق احد ما في الطرف الاخر للمضي معه. واتضح الان انه لا يوافق ايضا على اقامة هيئة مراقبة ونظام دولي واسع ليساعد الفلسطينيين على تحمل المسؤولية بانفسهم. ما الذي يريده؟ ليس الكثير: التخلص من عرفات، التخلص من غزة ، وضع حصون قدر المستطاع حول الضفة الغربية. وكل هذا بشكل احادي الجانب. واذا، سيدي رئيس الحكومة، هذا صعب، صعب"..

واخيرا.. نشير إلى أنه بعد تفجير المجنزرتين الاسرائيليتين ومقتل 11 جنديا اسرائيليا وقبل بدء الحملة العسكرية على رفح، حذر المحلل العسكري في "يديعوت احرونوت"، عوفر شيلح، من القيام بحملة عسكرية ضد الفلسطينيين انتقاما لمقتل الجنود. وقال ان حملة كهذه لا تليق بدولة تعتبر نفسها دولة متقدمة ومتطورة. كذلك كتب انه لا يجوز لجيش نظامي مثل الجيش الاسرائيلي ان يقوم بحملة من هذا القبيل. كما رفض شيلح وصف عملية تفجير المجنزرتين بانها "عملية ارهابية"، مؤكدا انها عملية كلاسيكية تأتي ضمن حرب تحرير، لان منفذيها هم أفراد تنظيم مسلح قاموا بعملية ضد جيش نظامي مسلح..

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات