المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب وديع عواودة:

اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ايهود باراك في مؤتمر صحفي عقده يوم 4/11 عن عودته لحلبة السياسة الاسرائيلية وعن قراره المنافسة على رئاسة حزب العمل ومرشحه لرئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة. وخلال المؤتمر الصحفي الذي اعقب لقاء مع زعيم "العمل" شمعون بيريس لفت باراك الى انه اقدم على خطوته هذه "وهو مسكون بهاجس المسؤولية نحو دولة اسرائيل وحزب العمل"، معترفا بارتكاب أخطاء في فترة ولايته الاولى. وبرر عودته للساحة السياسية بالاشارة الى ان اسرائيل مقبلة على مفترق طرق حاسم من نواح عديدة مرجحا ان انتخابات عامة مبكرة ستجري في ايار او حزيران القادمين او في تشرين ثاني في اكثر حد وقبل ان تخرج خطة الانسحاب من غزة الى حيز التنفيذ.

وقوبل الاعلان عن عودة باراك للسياسة ولاستئناف نشاطه في اطار "العمل" بتحفظات من جهات غير قليلة ممن كانوا زملاءه حتى مستهل العام 2001 منهم بنيامين بن اليعيزر ومتان فلنائي وعمير بيرتس، الذين سبق أن اعلنوا عن نيتهم خوض الانتخابات على زعامة الحزب. ومن المتوقع ان يجتمع مركز حزب العمل في نهاية الشهر الجاري من اجل البت بموعد اجراء الانتخابات التمهيدية لانتخاب مرشحه لرئاسة الحكومة. ونقل عن شمعون بيريس توقع ان تتم هذه في اقرب فرصة ممكنة ما اعتبره مراقبون محاولة من طرف بيريس لقطع الطريق على باراك وفرض منافسة داخلية عليه وهو لم يستعد لها بالشكل الكافي. وهاجم النائب حاييم رامون، خصم باراك، والنائب موشيه سنيه هذا الاخير فور اعلانه عن عودته للسياسة واصفين ذلك في حديث للاذاعة العامة بـ"خطوة متعجرفة ووقحة وغير اخلاقية، فبعد اربع سنوات من فشله كرئيس للحكومة وللحزب يعود باراك كأن شيئا لم يحدث". ويرجح المراقيون السياسيون الاسرائيليون ان يؤدي اعلان باراك الى اثارة الغرائز لدى قادة حزب العمل مجددا وإلى تأجيج الصراع على زعامة هذا الحزب.
باراك، الذي اكد امام نشطاء سياسيين عودته للحلبة السياسية بعد انقطاع دام اربع سنوات عنها، قال انه يأمل بان يتغلب على المرشحين الاخرين في العمل واستعادة غالبية مؤيديه داخل هذا الحزب، وذلك رغم شعور الكثيرين بالغضب تجاهه.

وكان باراك قد بدأ منذ بضعة شهور بتكثيف تحركاته وأقواله تارة بالتلميح وتارة بالتصريح وزاد من وتيرة لقاءاته مع النشطاء السياسيين في "العمل" معترفا بذنوب ارتكبها اثناء توليه رئاسة الوزراء ووعد الناشطين انه سيصغي اكثر لنصائحهم في المستقبل، وان كل ما قام به في الماضي كان من اجل مصلحة اسرائيل.
وفي الوقت ذاته، وضع باراك امام النشطاء الذين التقاهم خلال الاسابيع الماضية رؤيته السياسية، خصوصا حيال الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وفي صلبها اكد على اهمية" فك ارتباط كامل" مع الضفة الغربية بعد الانتهاء من تنفيذ خطة فك الارتباط مع قطاع غزة.
ويتفق باراك مع قيادة العمل الحالية بوجوب دعم رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئيل شارون، فيما يتعلق بخطة فك الارتباط عبر منحه ما اسماه بـ"جسر حديدي" حتى يتم تنفيذ فك الارتباط خلال العام2005 بيد انه رفض فكرة انضمام حزب العمل الى حكومة شارون، مشيرا الى ان دعم العمل لها في قضيتي فك الارتباط والميزانية، يجب ان يكون مشروطا بتحديد موعد للانتخابات في نهاية العام 2005 على اكثر تعديل.
واعتبر باراك في حديث مطول الى صحيفة " يديعوت احرونوت" قبل اسبوعين ان قضية واحدة ستطغى على المعركة الانتخابية القادمة هي فك الارتباط مع الضفة الغربية معتبرا ان شارون اخطأ بعدم تنفيذ فك الارتباط مع غزة والضفة الغربية بشكل سريع.
غير ان باراك لا يتحدث عن انسحاب من كامل الضفة الغربية، اذ قال انه يتوجب تركيز 80% الى 85% من المستوطنين في كتل استيطانية كبيرة واخلاء المستوطنات المعزولة.
وقال انه في اعقاب الانتخابات القادمة، سيضطر الفائز برئاسة الوزراء الى تشكيل "حكومة وحدة وطنية" واسعة لتنفيذ فك الارتباط مع الضفة، وهي الخطة التي لا بديل عنها.. واقترح باراك على قادة حزبه، العمل، التوقف عن مفاوضة الليكود والزحف على البطون نحو مقاعد الوزارات بدلا من النضال من اجل كسب ثقة "جمهور الوسط".

ويتوقع المراقبون ان ينجح باراك في اعادة "احتلال" حزب العمل مجددا في ظل استمرار ازمة القيادة داخل الحزب والمعارضة الواسعة لترشيح بيريس نفسه لكونه عجوزا تجاوز الثمانين من عمره ما يعني مواجهة انتخابية جديدة مع بنيامين نتنياهو الذي سيكون على ما يبدو مرشح الليكود، في ضوء تراجع مكانة اريئيل شارون داخل حزبه جراء خطته للانفصال عن غزة. ويأتي الاعلان عن عودة ايهود باراك للحلبة السياسية مع تصاعد الاحاديث والتقديرات عن انتخابات عامة مبكرة في اسرائيل نتيجة تعقد اوضاع الائتلاف الحكومي الراهن.

يشار الى ان ايهود باراك (62 عاما) انهى دراسته الاكاديمية في الجامعة العبرية في القدس عام 1968 بعد ان تخرج من كلية الرياضيات والفيزياء، ثم تخرج من جامعة ستانفورد الاميركية في الادارة والتحليل عام 1987 لكن نجمه سطع في الميدان العسكري قبل ان ينتقل للحلبة السياسية وانتخابه نائبا في الكنيست عام 1996 واشغاله منصب رئاسة الوزراء الاسرائيلية بعد تغلبه على مرشح الليكود في 17.05.99.

ففي العام 1959 تجند باراك للجيش وشارك في حربي 1967 و 1973 كقائد وحدة مشاة في الاولى وكقائد لفرقة مدرعات في الثانية. في ايار 1972 ترأس الكوماندو الاسرائيلي الذي تخفى بلباس طاقم ميكانيكي وقام بتخليص رهائن طائرة السافينا المختطفة من قبل منظمة ايلول الاسود والتي حطت في مطار اللد الدولي في تل ابيب. وفي يونيو/ حزيران كان باراك من ضمن المخططين والمشاركين في عملية "عينتيبي" في اوغندا التي تم خلالها تخليص رهائن اسرائيليين بعد اقتحام طائرة الايرفرنس المختطفة من قبل ايلول الاسود ايضا. في العام 1982 حاز باراك على رتبة جنرال وعين رئيسا لقسم القيادة العامة واثناء اجتياح لبنان اشغل منصب نائب قائد القوات وفي العام التالي عين رئيسًا لجناح الاستخبارات وظل يترقى في سلم الرتب العسكرية وشارك في عمليات خاصة كثيرة منها عملية فردان التي اغتيل خلالها كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وعملية اغتيال خليل الوزير (ابو جهاد) في 1987 الى ان عين قائدا لهيئة الاركان العامة في العام 1991. وفي معرض دفاعه عن نفسه امام اتهامات وجهت له من قبل قيادات في الليكود اثناء رئاسته للحكومة كان باراك قد صرح مرة انه سبق ورأى عدة مرات "بياض العيون" للاعداء، ملمحا الى مشاركته الوقحة في عمليات اغتيال داخل البلدان العربية.

وبصفته القائد العام للجيش الاسرائيلي منذ العام 1991 اطلعه رئيس الحكومة الاسبق اسحق رابين على المحادثات السرية التي اثمرت عن اتفاقات اوسلو لكنه لم يشارك فيها وابدى الكثير من الانتقادات على نتائجها.. وبعد توقيع الاتفاق عام 1993 انشغل باراك في تطبيق الترتيبات والاتفاقيات الامنية واعادة انتشار الجيش في منطقتي غزة واريحا. كما التقى باراك قائد الجيش السوري مرتين في واشنطن في اطار المحادثات الثنائية .

في الفاتح من يناير/ كانون ثاني 1995 خلع باراك بزته العسكرية وسافر الى الولايات المتحدة لفترة نقاهة، وهناك نشر مقالا في صحيفة "الواشنطن تايمز" اكد فيه على ضرورة الاستمرار في السير في المسار الضيق للمنطق السليم نحو السلام مشيرا الى ان المسار المقصود يتوسط اليسار المتطرف الذي يتجاهل "الواقع المعادي الذي تعيشه اسرائيل" وبين اليمين المتطرف الذي يستغل المخاوف من اجل تجميد عملية السلام. وعشية تعيينه وزيرا للداخلية من قبل رابين في يوليو/ تموز 1995 اتهم بانه كان قد هرب من معسكر تدريبات (معسكر تسئيليم) فور وقوع حادثة ادت الى مقتل واصابة عدد من الجنود بدلا من تقديم المساعدة لهم. كذلك شارك باراك في حكومة شمعون بيريس عقب اغتيال رابين كوزير للخارجية. وفي الرابع من يونيو/ حزيران 1967 فاز على منافسيه في "العمل" يوسي بيلين وشلومو بن عامي وافرايم سنيه واصبح مرشح الحزب لانتخابات رئاسة الوزراء. في سبتمبر/ ايلول 1997 طلب باراك باسم حزب العمل الصفح والغفران من اليهود الشرقيين على ما تعرضوا له خلال مسيرة استيعابهم اثر هجرتهم لاسرائيل. وفي مارس/ اذار 1998 اثار عاصفة سياسية بعد تصريحه للتلفزيون انه لو كان فلسطينيا لانضم الى احدى "الفصائل الفلسطينية الارهابية".

وكان يوم 17.05.99 يوما مشهودا لباراك حيث تغلب في الانتخابات الخامسة عشرة للكنيست وفاز ب 56% من اصوات الناخبين مقابل 44 بالمئة لبنيامين نتنياهو وخلال رئاسته لمجلس الوزراء اخرج قوات الاحتلال من جنوب لبنان في مايو/ ايار 2000.

لكن حكومته سرعان ما سقطت بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد ونشوب الانتفاضة وفي الجولة الانتخابية الجديدة هزم امام ارئيل شارون في مارس/ اذار 2001 وها هو اليوم يعد العدة لاحتلال العمل من جديد نحو السيطرة على مركز صناعة القرار في الدولة العبرية مرة اخرى. وإذا كانت مهمته داخل حزب العمل تبدو اسهل بكثير من خوض المعركة على رئاسة الوزراء فلأن هذه ستكون مواجهة قاسية مع شارون او خليفته نتنياهو في ظل الاوضاع السياسية الراهنة في اسرائيل والمتسمة بالتطرف اليميني.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات