المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اعتبر القائم بأعمال رئيس الوزراء الاسرائيلي، ايهود اولمرت، "الانجاز" الذي حققه رئيس وزرائه اريئيل شارون، في واشنطن، الاربعاء، "غير مسبوق في تاريخ جميع رؤساء الحكومات في اسرائيل". وأضاف في مقابلة مع الاذاعة الاسرائيلية، صباح اليوم الخميس، ان "وعد بوش" بما تضمنه من رفض للعودة الى حدود حزيران 1967 ومن رفض لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى وطنهم الاصلي هو "وعد تاريخي بكل المقاييس"، على حد تعبيره.

بهذا القدر أو ذاك اتفقت جميع التعليقات والتحليلات التي ظهرت في الصحف الاسرائيلية اليوم الخميس، مع هذا التقييم.

وتجلى الأمر، بداية، في العناوين العريضة للصحف الثلاث التي جاءت على الوجه التالي:

· "يديعوت أحرونوت":وعد بوش-لا لحق العودة، ولا للانسحاب الكامل. شارون- انجاز كبير.

· "معاريف": "لا لحق العودة"، "نعم للكتل الاستيطانية"، "نعم للجدار"- وعد بوش.

· "هآرتس": رسالة بوش : اسرائيل لن تعود الى الخط الاخضر، اللاجئون (الفلسطينيون) لن يعودوا الى اسرائيل.

وتحت عنوان "بوش صوّت منذ الآن" قال ناحوم برنياع، المعلق في "يديعوت أحرونوت"، الذي كان ضمن حاشية شارون في واشنطن، ان الرئيس الامريكي منح امس (الاربعاء) لشارون اوراقا رابحة في التنافس على اصوات المنتسبين الى "الليكود". وما لم يعطه بوش- أضاف- "سيأتي من رد الفعل السلبي، الى درجة الهستيريا، في العالم العربي والسلطة الفلسطينية"، على حد قوله.

وتابع : "لقد أعطى بوش لشارون كلمات، فقط كلمات، لكن ليس اية كلمات. وشارون على حق عندما يقول ان كلمات كهذه لم تحصل عليها اسرائيل منذ قيام الدولة، وبالتأكيد لم تحصل عليها منذ 1967. في موضوع حق العودة (الفلسطيني) فإن بوش يحرر اسرائيل من اي التزام باستيعاب اللاجئين في منطقتها، اي يرسلهم الى الدولة الفلسطينية التي ستقوم، اذا قامت اصلا. وفي الفقرة اللاحقة فان بوش يشرعن، للمرة الاولى، الأحياء اليهودية في القدس وكذلك الكتل الاستيطانية "(في الضفة الغربية) ..

وخطا بوش، في قراءة برنياع، خطوة هامة أخرى، بوضعه شروطا للاعتراف بدولة فلسطينية عتيدة ، ومن هذه الشروط " ان يكون في مقدرة رئيس الوزراء الاسرائيلي والادارة الامريكية ان يكنا لها ( للدولة الفلسطينية) الثقة وان يريا فيها شريكا للسلام"، كحرفية قوله . واذا ما افترضنا، قال، بان بوش يعرف ما الذي قاله فإنه بهذا يمنح اسرائيل، نظريا على الاقل، حق النقض (فيتو) ضد تركيبة وسياسة اية حكومة فلسطينية.

وفي رأي بارنياع فان ادارة بوش واريئيل شارون يبتعدان عن "رؤيا الدولة الفلسطينية". ومضى يقول : في 24 حزيران / يونيو 2003 صاغ بوش من خلال خطاب له في واشنطن خطة "خريطة الطريق". وامس، في 14 نيسان / ابريل 2004 ، دفنها، ولم يبق منها الا مسألة واحدة هامة جدا: مكافحة الارهاب ‍...!

أما المعلق السياسي لصحيفة "هآرتس"، ألوف بن، فيكتب من واشنطن ان رسالة بوش والاستقبال الحار لخطة "فك الارتباط" من قبل الادارة الاميركية "يضعان شارون في نقطة انطلاق ممتازة استعدادا للاستفتاء في الليكود والتصويت (على الخطة اياها) في الحكومة و الكنيست". وأضاف: يبدو الوعد الامريكي أفضل بكثير مما تم تسريبه عنه. وقد منح بوش الى شارون كل ما طلبه تقريبا ودعا الفلسطينيين والاسرة الدولية الى تأييده. ومنذ الآن ستصبح "رسالة بوش" الأساس لاية محادثة سياسية ضمن مثلث اسرائيل – الولايات المتحدة- الفلسطينيين.

ورأى بن ان ان الرئيس الاميركي اتخذ موقف اسرائيل في اثنتين من المسائل المركزية في اتفاق دائم مستقبلي: الاولى عدم مطالبة اسرائيل بالانسحاب الى الخط الاخضر في الضفة الغربية، والثانية ان حل مشكلة اللاجئين يكون بتوطينهم في الدولة الفلسطينية، لا في اسرائيل. "لقد تلقى حلم "حق العودة" الفلسطيني ضربة قاضية من بوش بعد سنوات عديدة تم فيها التهرب من هذا الموضوع بتسويغ ان هذه مسألة تجد حلها في مفاوضات مستقبلية بين الطرفين" كما يكتب.

واشار بن الى ان الامريكان حاولوا، خلال الايام التي سبقت زيارة شارون، ان يتوصلوا مع المفاوضين الاسرائيليين من طاقم شارون الى صياغات "أكثر ليونة" من تلك لكن الطرف الاسرائيلي رفض ذلك، وهدد شارون بتأجيل الزيارة..وشعر بالرضى نهائيا فقط عندما حصل على المسودة الاخيرة قبيل لقائه الرئيس بوش بعدة دقائق. وهذا الامر سبق ان اشار اليه ناحوم برنياع ايضا في "يديعوت".

لكن بن اعتبر، ايضا، ان رسالة بوش تنطوي على مزيد من "قطع الحلوى" لاسرائيل، وفي مقدمة ذلك انه للمرة الاولى يتم الاعلان عن ان التزام الولايات المتحدة بأمن اسرائيل كدولة يهودية يشمل أيضا " حدودها الامنة التي تتيح الدفاع عنها". كما يؤكد ان تأييد واشنطن لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها بنفسها " يرمز الى التزام ( أمريكي) بالحفاظ على القدرة النووية الاسرائيلية"، فضلا عن انه يشكل عودة على وعود في هذا الشأن منحت لرؤساء وزراء سابقين. وثمة، أيضا، رمز الى ضمانات ستمنح لاسرائيل من اجل تطوير منطقة النقب. مقابل ذلك أصر الامريكان على ان يلتزم شارون بجميع وعوده السابقة بخصوص تقييد البناء في المستوطنات، مؤكدين على تقييد لا على تجميد البناء، وأيضًا بخصوص إخلاء مستوطنات عشوائية وإزالة حواجز عسكرية.

من ناحيته رأى المعلق العسكري في "هآرتس"، زئيف شيف، ان "الانجاز الوحيد الملموس في رسالة بوش يكمن في التشديد على ان حل المشكلة اللاجئين يتم خارج حدود اسرائيل، حسبما كانت تطالب (اسرائيل) منذ فترة طويلة". أما الإنجاز في الموضوع الإقليمي فإن شيف يعتبره انجازًا جزئيًا، وذلك لسببين: الاول- ان بوش عاد ووعد الفلسطينيين بدولة ذات تواصل اقليمي، ما يعني برأيه ان فلسطين ستكون دولة تقرر حدودها في اطار مفاوضات تأخذ في الاعتبار القرار 242 لمجلس الأمن وليس بموجب الجدار الذي يبنى ضد الارهاب، ولذا فهو ينبغي ان يكون مؤقتا. والثاني – ان بوش لا يتطرق الى كتل المستوطنات، على رغم ان شارون سيظل راغبا بان يتمسك بدعوته الى أخذ "الواقع الميداني" في الاعتبار.. ويؤكد شيف : صحيح ان كتل المستوطنات هي جزء من الواقع الجديد، لكن ينبغي عدم نسيان ان هذا الواقع له ايضا طرف آخر، هو تضخم القدس الفلسطينية ومئات الاف الفلسطينيين الذين سكنوا على مر السنوات في منطقة القدس وأحيائها. وان التغيير الدمغرافي حصل بداية لدى الطرف الفلسطيني وتمثل في الزيادة الطبيعية وفي الفقر المدقع الآخذ في الازدياد والذي يشكل "دفيئة للارهاب"، على حد تعبيره. ولا يمكن ان يكون التفسير للواقع الجديد في الميدان في منطقة القدس، هو ان تصبح المدينة كلها اسرائيلية.

في صحيفة "معاريف" بدأ المعلق السياسي بن كسبيت تحليله، الذي كتبه من واشنطن، بالكلمات التالية:

"رئيس الولايات المتحدة، بشحمه ولحمه، تفرغ من جميع متاعبه اليومية وتجند لحملة اريئيل شارون من أجل فك الارتباط".

وأضاف كسبيت ان ما كان ناقصا فقط، من طرف بوش، في هذه التظاهرة الداعمة لشارون، هو أن يدعو منتسبي "الليكود" الى الذهاب للتصويت له (في الاستفتاء المرتقب) ، ملمحا الى ان التصويت بلا لشارون هو تصويت ايضا بلا لامريكا وهي في وضع غير مستعدة البتة للا أخرى، وبالتأكيد غير مستعدة لها من طرف اسرائيل بالذات.

غير ان كسبيت اعتبر ان "رسالة بوش" وتصريحاته تنطوي على "خطوة صغيرة" فقط هي تلك المتعلقة بحق العودة الفلسطيني..

اما بالنسبة لكتل المستوطنات فانه على رغم ذكر بوش للحاجة الى الاعتراف بتجمعات سكانية إسرائيلية فقد شدّد على ان يضيف لذلك ان "كل شيء خاضع للمفاوضات ومحاذ لقرارات مجلس الامن".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات