انشغلت وسائل الاعلام التركية والاسرائيلية, كذلك الكثير من الاوساط السياسية والاكاديمية لدى الطرفين في الآونة الاخيرة, في اعادة بحث العلاقات بين تركيا واسرائيل على المستويات والصعد كافة, في ضوء ما اعترى هذه العلاقات من توتر واختلافات في وجهات النظر, وخصوصاً خلال السنتين الاخيرتين, سواء لجهة وجهة النظر التركية حيال السياسات "الشارونية" الاسرائيلية المتبعة ضد الشعب الفلسطيني, منذ اندلاع انتفاضة الاقصى وحتى الآن, أم لجهة وجهتي نظر الطرفين المتناقضتين حول الحرب الاميركية على العراق, وما تناقلته وسائل الاعلام العالمية حول الدور الامني الاسرائيلي في العراق عموماً وفي المناطق الكردية في شماله على وجه الخصوص, وحول ما يتردد عن موقف اسرائيلي مؤيد لاقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق.
المتابع للمشهد الاسرائيلي في دقائق أموره يتشكل لديه إنطباع، فيه قدر كبير من الصحة، بأن ثمة مجهودًا وافرًا يبذل في السنوات الأخيرة على وجه التحديد لتعقب ورصد ما يمكن اعتباره "مناهل العنف" في هذا المجتمع، حيال الفلسطينيين أساسًا وحيال أبنائه كذلك، ارتباطًا بما هو حاصل في ظل التطورات الجديدة على صعيد النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. غير أن تأثير هذا المجهود إلى ناحية التخفيف من غلواء العنف يكاد لا يذكر، من حيث ملموسيته الناجزة عمومًا.
لاحظت تصاعد الجدل والصراع بين فريقين من اليمين الإسرائيلي حول مسألة الانسحاب من غزة وحول نوايا نسف المسجد الأقصى لبناء الهيكل اليهودي، وهما الفريق الحاكم بقيادة شارون وفريق المستوطنين المتحالفين مع المنظمات الدينية. لقد عبر رسم كاريكاتيري في إحدى الصحف العربية عن حال العالم العربي بأن رمز إلى العالم العربي برجل يرتدي اللباس العربي وقد فتح فمه على "أقصاه" مطلقاً زعيقاً وزئيراً هوائياً، في حين وقف أمامه شخص يرمز إلى إسرائيل في لباس يهودي تقليدي ليقيس بمسطرة فتحة فمه قائلاً للعربي: هل هذا "أقصى" ما عندك؟.
الاحتجاج هو وسيلة الضعفاء للتأثير مقابل السلطة الحاكمة. وهو يكمل وسائل أخرى للتأثير مثل الاحزاب (سن القوانين) والمرافعة القضائية امام المحاكم. والاحتجاج الجماهيري هو تعريفا وسيلة غير مؤسساتية لمحاولة التأثير على السلطة. منذ سنوات الستين للقرن هناك تغير جذري في قراءة المظاهرات الاحتجاجية، اذ اصبح الاحتجاج الجماهيري احدى الوسائل الشرعية للتأثير واعتبر انه جزء من حرية التعبير.
الصفحة 44 من 81