المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 890

انشغلت وسائل الاعلام التركية والاسرائيلية, كذلك الكثير من الاوساط السياسية والاكاديمية لدى الطرفين في الآونة الاخيرة, في اعادة بحث العلاقات بين تركيا واسرائيل على المستويات والصعد كافة, في ضوء ما اعترى هذه العلاقات من توتر واختلافات في وجهات النظر, وخصوصاً خلال السنتين الاخيرتين, سواء لجهة وجهة النظر التركية حيال السياسات "الشارونية" الاسرائيلية المتبعة ضد الشعب الفلسطيني, منذ اندلاع انتفاضة الاقصى وحتى الآن, أم لجهة وجهتي نظر الطرفين المتناقضتين حول الحرب الاميركية على العراق, وما تناقلته وسائل الاعلام العالمية حول الدور الامني الاسرائيلي في العراق عموماً وفي المناطق الكردية في شماله على وجه الخصوص, وحول ما يتردد عن موقف اسرائيلي مؤيد لاقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق.

 

في نظر الاسرائيليين برز التوتر في العلاقات بين الطرفين على نحو جلي, بعد مجيء "حزب العدالة والتنمية" الاسلامي, بزعامة رجب طيب اردوغان الى السلطة في تركيا, ومن خلال الانتقادات الحادة والعلنية التي وجهها زعماء رسميون أتراك وغيرهم ضد السياسات الاسرائيلية في ما يتعلق بالصراع الدائر الآن على الارض الفلسطينية, ومحاولة الزعماء الاسرائيليين في مقابل ذلك إتباع اسلوب التهدئة وعدم التوتير, أملاً في احتواء التوتر والاختلافات على قاعدة ما يعرف بالعلاقات التركية - الاسرائيلية الاستراتيجية بحسب تعبير منشي أمير, المختص بالشؤون التركية في مركز "يافي" للدراسات الاستراتيجية.

ويكاد يجمع معظم المحللين الاتراك والاسرائيليين على ان التحولات الكبرى التي داهمت العالم والمنطقة خلال العقدين الاخيرين من القرن الماضي, وبالتحديد انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج عام 1991, فتحت آفاقاً كبيرة امام تطور العلاقات التركية - الاسرائيلية الى درجة وصفها هؤلاء المحللون بـ"الفترة الذهبية" من حيث وصول هذه العلاقات الى آفاق استراتيجية على المستويات السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية, في ضوء طرح المشروع الاميركي للشرق الاوسط, ومشروع شمعون بيريس للشرق الاوسط الجديد تشكل فيهما كل من تركيا واسرائيل مرتكزين اساسيين, حيث بلغ التطور في العلاقات بين الطرفين ذروته في التوقيع على اتفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين في المجالين العسكري والامني عام 1995, الى جانب اتفاق الشراكة التركية - الاسرائيلية في مشروع شرق جنوب الاناضول (الغاب), اذ لا تزال تعمل في هذا المشروع اكثر من 118 شركة اسرائيلية, ووصول حجم السياحة الاسرائيلية الى تركيا الى مستويات غير مسبوقة. كذلك وصل حجم التجارة الاسرائيلية الى تركيا الى ما يقارب ملياري دولار سنوياً.

علاوة على الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين, تكللت بزيارة الرئيس التركي سليمان ديميرل لاسرائيل, وكل من شمعون بيريس وبنيامين نتنياهو الى تركيا. وما يجدر ذكره, في السياق ذاته, أن المسؤولين الاتراك كانوا يسعون خلال تلك الزيارات الى جانب تكريس العلاقات الجديدة, الى لعب دور اكثر اهمية في مشاريع التسوية المطروحة لحل الصراع في حينه, في وقت حرص الزعماء الاسرائيليون على تجنب ذلك, باعتبار أنهم ضمنوا الغطاء الاميركي لجميع ما طرح من تسويات.

ما من شك في ان التطورات الاخيرة التي سبقت الحرب الاميركية على العراق واعقبتها, وبالتحديد تصاعد وتائر القمع الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني, والدور الامني الاسرائيلي في شمال العراق, كما ذكرنا آنفاً, ورغبة "حزب العدالة والتنمية" والسياسة التركية بشكل عام, في إنهاء مظاهر التوتر في العلاقة التركية مع بعض دول الجوار, وبالاخص مع سوريا, وبالتالي إحداث نوع من التوازن في العلاقة مع اسرائيل والدول العربية, شكلت جميعها, في نظر السياسيين الاسرائيليين, مقدمات لبروز بعض مظاهر التوتر في العلاقة بين الطرفين.

غير أن العوامل التي جعلت هذا التوتر يطفو الى السطح, هي ما بدأت تتناقله وسائل الاعلام التركية من نشاطات أمنية اسرائيلية متزايدة في المناطق الكردية, في شمال العراق, والغاء السلطات التركية مناقصة وعقوداً كانت تركيا قد أعلنت عنها حول تحديث طائرات ودبابات تركية, اضافة الى عقود الشراء والمشاركة في تصنيع طائرات اسرائيلية, وعقد خاص لشراء 12 طائرة تجسس اسرائيلية, وجميعها عروض واتفاقات أعلنت تركيا عن وقفها. علاوة ما اصطلحت الصحافة التركية على تسميته "ازمة المواعيد" التي ألغى خلالها كثير من المسؤولين الاتراك, أكثر من زيارة ولقاء مع مسؤولين اسرائيليين يخططون لزيارة تركيا بحجة "تغيير جدول مواعيد المسؤولين الاتراك" بحسب صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية. اذ لم تكن زيارة نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية, ايهود أولمرت, في معزل عن "أزمة المواعيد" في نظر سامي كوهين في صحيفة "مللييت" التركية, لكن الصحافي نفسه تساءل: "كيف يمكن اعتبار هذه الزيارة في معزل عن فحوى العلاقات التركية - الاسرائيلية ايضاً?".

من جهته يرى أحد ابرز المحللين الاستراتيجيين الاتراك, جنكيز تشاندار: "في الحقيقة يجب عدم رؤية تصريحات اردوغان وغيره من المسؤولين الاتراك الحادة إزاء سياسات شارون ضد الشعب الفلسطيني, السبب الوحيد في التوتر والبرودة في العلاقات التركية - الاسرائيلية, كما ان اردوغان ليس رئيس الحكومة الاول الذي خطا خطوة كبيرة على صعيد توتر العلاقات بين الطرفين, هذا اذا ما تركنا جانباً تصريحات معظم الزعماء الاوروبيين الاكثر حدة ضد سياسات شارون, ففي تركيا مثلاً, وصف بولنت اجاويد, سياسة شارون إزاء الفلسطينيين بالتطهير العرقي".

في مقابل ذلك, قالت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية في معرض تعليقها على توتر العلاقة التركية - الاسرائيلية: "يمتلك رئيس الحكومة التركية حق انتقاد السياسة التي يمكن ان تخلق عدم استقرار في المنطقة اعتماداً على الصداقة مع اسرائيل" والحساسية التي أبدتها اسرائيل حيال هذا الموضوع, بحسب الصحيفة ذاتها وعلى لسان مصادر سياسية اسرائيلية, تنبع من اسلوب النقد التركي الجارح ضد اسرائيل, ولكن حتى هذا الاسلوب الجارح, وحتى الكثير من الكلمات القاسية ضد اسرائيل التي يطلقها سياسيون أتراك لا يمكن ان تكون مؤثرة على خط سير العلاقات بين تركيا واسرائيل, فالعائق الاساسي المحدد للعلاقات هو الرعاية والاهتمام الباديين للمصالح بين الطرفين, او بتعبير أدق "مصلحة الطرفين" على حد قول شاي فيلدمان, مدير مركز "يافي" للدراسات الاستراتيجية.

وفي حين يمكن رؤية التوتر والبرودة في الجو السياسي بين الطرفين, في نظر المحلل السياسي التركي سامي كوهين, "نتيجة لتصريحات المسؤولين في أنقرة وفي اسرائيل اولاً, الا ان سير العلاقات التركية - الاسرائيلية لا تحدده بضعة تصريحات, بل تحدده التصرفات المبنية على المصالح غالباً, وبصراحة اكبر إن العوامل المحددة لتوتر العلاقات اخيراً, هي السياسات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة, والسياسات الاسرائيلية المتعلقة بشمال العراق, بالرغم عن تكذيب اسرائيل ما تناقلته التقارير حول قيامها بتدريب البيشمركة الكردية, وتأييدها اقامة كيان كردي مستقل في شمال العراق. لكن العامل الأهم من هذا وذاك, هو المكانة البارزة التي توليها الولايات المتحدة لتركيا كنموذج وكدور في مشروعها للشرق الاوسط الكبير, باعتبارها النموذج الاسلامي الذي من الممكن تعميمه في منطقة الشرق الاوسط. وهو ما اعتبره كثير من السياسيين الاسرائيليين دوراً منافساً قوياً للدور الاسرائيلي في مشروع الشرق الاوسط الكبير إن تحقق".

في اي حال, بعيداً عن مبالغة بعض وسائل الاعلام العربية في التوتر الحاصل في العلاقات التركية - الاسرائيلية, والتي لا تخلو من إسقاط الرغبات, فإن المحللين الاتراك والاسرائيليين يتفقون مبدئياً على أن حالة التوتر القائمة في العلاقات بين الطرفين: "لا تشير الى تغيير راديكالي في العلاقات التركية - الاسرائيلية, كما انه لا توجد اي اشارة الى تخريب الاتفاقات الاستراتيجية والارتباطات العسكرية والاقتصادية بين الجانبين", بحسب عاكف أمره, الكاتب في صحيفة مقربة جداً من الاوساط الحكومية التركية, في حين تأمل صحيفة "معاريف" الاسرائيلية ان يكون هذا التوتر في العلاقات مؤشراً لنكوص موقت وتكتيكي في العلاقات التركية - الاسرائيلية وليس الى تراجع استراتيجي. وتبقى العلاقة التركية - الاسرائيلية في تقدير محللين اسرائيليين واتراك بين دولتين محكومتين لمصالح وليس بين حكومتين سرعان ما تذهبان.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات