رام الله: صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" العدد السادس والعشرون من فصلية "قضايا إسرائيلية"، خصص في معظمه لإلقاء الضوء على مرور أربعين عاماً على احتلال القسم الثاني من فلسطين التاريخية، الضفة الغربية وقطاع غزة ومعهما الجولان السوري، هذا الاحتلال الذي كان عاملاً مركزياً في رسم سياسة المنطقة بأسرها وحتى التحركات الدولية، وهذا الاحتلال الذي تسبب بنشوب حروب أخرى في المنطقة وانتفاضتين، ولا يزال يشكل بؤرة الصراع بين إسرائيل وبين الشعب الفلسطيني والعربي، وفي إسرائيل نفسها بين قوى سياسية تدعم هذا الاحتلال أو تعارضه أو تتحفظ منه.
يتناول العدد مرحلة الأربعين من زوايا مختلفة، لكنها تتمحور حول الوضع الداخلي في إسرائيل وبشكل خاص الوضع الاقتصادي الذي تبلور في أربعين عاماً متأثراً بهذا الاحتلال، والذي يشكل عاملاً مركزياً، إن لم يكن المركزي، في عملية الاحتلال نفسها أو في استمراره إلى هذا الوقت.
ويحاول كتّاب العدد الإجابة على أكثر من تساؤل تجدده الذكرى: هل يجنح الإسرائيليون إلى السلام؟ وبعد أربعين عاماً من العيش بلا حدود، هل يريد الإسرائيليون حقاً الوصول إلى حدود معترف بها أم أنها ليست في مصلحتهم؟ وما هي نصوصهم الدينية التي يعتمدون عليها لتبرير احتلالهم لأرض فلسطين؟
د. أودي أديب يتعمق في مقاله بانعكاسات حرب 67، على إسرائيل من ناحية تاريخية ومفهومية، معتبراً إياها معلماً أساسياً في تاريخ إسرائيل، حيث منذ تأسيسها عام 1948، حتى حرب 67، عاشت إسرائيل بنفسها ولنفسها، وعلى ضوء "الأخلاقيات الدفاعية لليهود". بدلت الحرب، وخصوصاً احتلال الأراضي الفلسطينية الذي تبع ذلك، هذه "الأخلاقيات الدفاعية"، أو بمعنى آخر، صورة إسرائيل كدولة يهودية مستقلة ذاتياً أمام جبهة هائلة من "العالم العربي" الذي يحيط بها. وفوق ذلك، أصبحت "أرض إسرائيل" بين عشية وضحاها بلداً منقسماً.
الباحث مهند مصطفى يكتب تحت عنوان" إسرائيل من الحدود الأيديولوجية إلى الحدود الإثنية" عن تطورات عملية ترسيم الحدود في الفكر الصهيوني خلال القرن الأخير من الاعتبارات الأيديولوجية، مروراً بالاعتبارات البرغماتية أو السياسية، وأخيراً هنالك بداية متقدمة للتأصيل والتنظير لخطاب إثني حول ترسيم الحدود.
عن السيطرة الاقتصادية يكتب د. ليف غرينبرغ، حيث يقدم تحليلاً اقتصادياً- سياسياً لتبلور نمط السيطرة والتغييرات التي طرأت عليه، يشذ عن تحليل الخبراء الإقتصاديين الذي يتجاهل اعتبارات وعوامل القوة والسيطرة الإسرائيليين.
وتعالج دراسة لجورج كرزم السمات الكولونيالية للإقتصاد الإسرائيلي قبل حرب حزيران 1967، والتحولات النوعية والبنيوية التي طرأت عليها في أعقاب الحرب. وتجادل بأن حرب حزيران 1967 شكلت مخرجاً لإسرائيل من أزمتها الإقتصادية البنيوية الحادة التي بدأت منذ عام 1966، والمتمثلة أساساً في أزمة فائض الإنتاج وبالتالي أزمة الطاقة الإنتاجية الأكبر من القدرة الاستيعابية للسوق المحلي أو الأسواق الخارجية المتاحة.
ويتناول الكاتب إمطانس شحادة في دراسته التطابق بين السياسات الحكومية والأعراف والمواقف الشائعة لدى المجتمع اليهودي في الدولة، في قضايا السلام والحلول المطروحة، ومدى تأثير الثقافة السياسية السائدة على ماهية السياسة الإسرائيلية في المنطقة، وهل لمواقف الجمهور تأثير على صنع القرار في إسرائيل فيما يتعلق بخطط ومجريات سياسة إسرائيل في المناطق المحتلة؟
فراس خطيب يحاور الوزير السابق يوسي سريد الذي اعتزل العمل السياسي والحزبي، ويتواصل مع الجمهور في السنة الأخيرة عبر مقالاته الأسبوعية في صحيفة "هآرتس". الحوار يلقي الضوء على مواقف ما يسمى اليسار الصهيوني الذي "يسوق" أنه مناهض للاحتلال ولكن في نهاية المطاف يبقى جزءاً من الإجماع الصهيوني، وهو ليس على استعداد أن يتنازل عن صهيونيته، بل يدافع عنها ويتمسك بها.
د. مسعود اغبارية يعالج في دراسة تحت عنوان "حرب الخامس من حزيران 1967، وتأثيرها على العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر" مدى تأثير حرب الخامس من حزيران 1967 على المواطنين العرب في إسرائيل. وتدخل ضمن دراسات تأثير الحروب الخارجية التي تقوم بها الدول أو يعتقد أنها تقوم بها دون الإعلان بشكل رسمي، على الصراعات الداخلية بين المجموعات الإجتماعية التي تعاني من اضطهاد وتمييز عنصري ومجموعات مسيطرة على مقدرات ومصادر القوة في تلك الدول.
ويعطي عمر أمين مصالحة في دراسته "أرض الميعاد" في التوراة ... متى؟ وأين؟! القارئ العربي لمحة قصيرة عن جذور ومصادر المواقف اليهودية- الإسرائيلية بخصوص النصوص الدينية اليهودية المتعلقة بالأرض، مستنداً إلى التوراة اليهودية، والأدبيات الدينية اليهودية الأخرى.
وفي العدد نص المحاضرة التي ألقتها البروفسور دفنا إيردناست- فولكان/ اللغة والهوية والمنفى، في الندوة التي عقدتها جامعة حيفا في 13 آذار 2007 حول التربية على المنفوية بمناسبة صدور كتاب د. إيلان غور زئيف "جدلية الوطن والمنفى" بالعربية عن مركز "مدار"، وقد شارك في الندوة أيضاً الكاتب سلمان ناطور معد ومقدم الكتاب والدكتور موتي غولاني والدكتور غور زئيف والبروفسور فولكان التي تحدثت في محاضرتها عن منفوية اللغة والهوية في الثقافة العبرية وعلاقتها بلغة الإيديش التي هي لغة الأم بالنسبة لليهودي الذي عاش في أوروبا وليس اللغة العبرية.
وتحت عنوان "الشحاذ اليهودي والشحاذ الفلسطيني" يعالج د. عادل الأسطة، أستاذ اللغة العربية في جامعة النجاح، ورقة ألقيت في مؤتمر الأدب الفلسطيني الثاني في جامعة بيت لحم، موضوع التسول، في جولة سياسية اجتماعية بين روايتين يفصل بينهما قرن من الزمان. الرواية القديمة لهرتسل "أرض قديمة- جديدة" والثانية عربية للروائي نبيل أبو أحمد اسمها "العطيلي". توضح القراءة المفارقة التاريخية بين رواية حررت اليهود من إطار الإتكالية والتسول، في سياق تاريخي ألقى الفلسطينيين في دائرة التسول!
وفي العدد قراءات لعدة كتب أعدها كل من د. زهير صبّاغ وأحمد الأشقر وبرهوم جرايسي.