اعتبر مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن احتمال قيام سورية برد عسكري على قصف الطيران الحربي الإسرائيلي للمنشأة السورية في منطقة دير الزور ما زال قائما بعد الكشف عن تفاصيل الهجوم أمام لجان تابعة للكونغرس، يوم الخميس الماضي. ونقلت صحيفة هآرتس، يوم الجمعة الماضي، عن المسؤولين ذاتهم قولهم إنه "من المبكر التقدير كيف سيؤثر الكشف على موقف دمشق، وإنّ خطر أن تدرس سورية الآن مجددا القيام برد عسكري ضد إسرائيل ما زال قائما".
وتابعت القيادة الإسرائيلية السياسية والأمنية بترقب التفاصيل التي رشحت عن اجتماع الكونغرس، الذي تم خلاله الكشف عن تفاصيل الهجوم على منشأة دير الزور السورية، في أيلول الماضي (2007). وعبر مسؤولون أمنيون إسرائيليون، خلال مداولات أجراها جهاز الأمن الإسرائيلي مؤخرا، عن تخوفهم من أن يؤدي الحرج، الذي سيتسبب به نشر تفاصيل الهجوم للرئيس السوري بشار الأسد، إلى دفعه "لإبداء عدوانية تجاه إسرائيل"، ومن أن تضع هذه التقارير الأسد في ضائقة أمام قيادة نظامه. وعلى هذه الخلفية قررت القيادة السياسية الإسرائيلية الاستمرار في صمتها، والامتناع عن إصدار أي تعقيب على النشر عن تفاصيل الهجوم.
من ناحيته تفاخر رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، بقصف الطيران الحربي الإسرائيلي للمنشأة السورية في منطقة دير الزور، وذلك خلال مشاركته في احتفال أقامه حزب كديما في مدينة أوفاكيم بجنوب إسرائيل، بمناسبة عيد الميمونة الذي يحتفل به اليهود الشرقيون، السبت الماضي. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن أولمرت قوله إنه "يبدو لي أنه في هذا اليوم يمكن القول بثقة، لا باستعلاء لا سمح الله، إنه توجد لشعب إسرائيل حكومة تعرف كيف تدافع عنه، وإن له قيادة تعرف كيف تهتم بأمنه ومستقبله، وربما نحن نعرف اليوم ذلك بصورة أكبر قليلا مما يعرفه الجمهور الواسع".
وأجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن أولمرت كان يشير بأقواله هذه إلى قصف المنشأة السورية، التي ادعت إسرائيل أنها مفاعل نووي دمرته الغارة الإسرائيلية. وتابع أولمرت أنه "توجد تهديدات من الخارج علينا (في إشارة إلى إيران)، وعلينا مواجهتها بالثقة ذاتها، ببرودة أعصاب وتحكيم الرأي مثلما فعلنا على مدار الأشهر الطويلة الماضية. سوف نعرف كيف نواجه جميع التهديدات ونتغلب عليها ونضمن أن يبقى شعب إسرائيل في أرضه من دون أي خوف وبأمن في كل ركن وفي كل منطقة في البلاد".
ولفتت صحيفة معاريف في هذا السياق إلى أنه "يبدو أن وعد أولمرت بالاهتمام بأمن مواطني إسرائيل"، أي قصف المنشأة السورية، "يتم أيضا من دون طلب مصادقة الإدارة الأميركية". وأشارت الصحيفة إلى أنه تبين في نهاية الأسبوع الماضي أن الإدارة الأميركية حاولت ممارسة ضغوط على إسرائيل كي لا تهاجم المنشأة السورية وإنما استخدام المعلومات التي جمعتها حول المنشأة، وادعت أنها منشأة نووية، لممارسة ضغوط دبلوماسية على النظام السوري ودفعه إلى التراجع عن تدخله في لبنان ومنع عبور مقاتلين من سورية إلى العراق. وقالت معاريف "لكن إسرائيل لم تستجب للتوجهات الأميركية وقررت أن المفاعل (أي المنشأة السورية) يشكل تهديدا داهما يتطلب الخروج فورا لعملية عسكرية، حتى من دون مصادقة البيت الأبيض".
في غضون ذلك نشب خلاف في إسرائيل بين مكتب أولمرت ومكتب وزير الدفاع، ايهود باراك، حول نشر تفاصيل مهاجمة المنشأة السورية، بما في ذلك حول نشر صور التقطها، على ما يبدو، جواسيس لإسرائيل داخل المنشأة وفي محيطها، أمام لجان الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي. ويبدو أن باراك عارض نشر هذه التفاصيل فيما دفع أولمرت باتجاه نشرها، وسط تقديرات بأن النشر سيحسن من شعبية الأخير المتدهورة منذ انتهاء حرب لبنان الثانية في صيف العام 2006.
وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، أول من أمس الأحد- 27/4/2008، أن وفدا من جهاز الأمن الإسرائيلي حاول إقناع مسؤولين أميركيين بعدم نشر التفاصيل أمام الكونغرس. ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله للوفد الأمني الإسرائيلي "لكن أنتم طلبتكم بأنفسكم نشر المواد التي تجرّم سورية". ويذكر أن وسائل إعلام إسرائيلية كانت قد نشرت أن رئيس طاقم مستشاري أولمرت، يورام طوربوفيتش، ومستشاره السياسي، شالوم ترجمان، توجها قبل أكثر من ثلاثة أسابيع إلى واشنطن ونسقا مع مسؤولين أميركيين، على رأسهم مستشار الأمن القومي ستيف هادلي، المواد التي سيتم نشرها خلال اجتماع الكونغرس.
وكتب محلل الشؤون العسكرية والأمنية في يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان، أن "نشر مواد استخبارية حديثة نسبيا هو أمر ينطوي على إشكالية دائما. لكن ما جرى هذه المرة هو استعراض عُري استخباري يفتقر إلى المسؤولية".
وأشار فيشمان إلى أنه "يمكن الافتراض أنه توجد لدى جهة ما في إسرائيل مصلحة بأن تُظهر للأميركيين القدرات الإسرائيلية ومدى صدق المعلومات الإسرائيلية، حتى عندما يكون الحديث عن دول أخرى في المنطقة. فإسرائيل تحاول إقناع الأميركيين بالموافقة على روايتها بخصوص مدى تقدم إيران في مجال إنتاج السلاح النووي".
من جهة أخرى قالت صحيفة هآرتس إن باراك قرر إرجاء زيارة إلى الولايات المتحدة على خلفية نشر تفاصيل مهاجمة المنشأة السورية. وكان باراك يعتزم إجراء محادثات مع مسؤولين أميركيين، بينهم نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع، روبرت غيتس. كذلك قرر باراك إرجاء زيارته هذه بسبب الوضع المتوتر بين إسرائيل وقطاع غزة.
إسرائيل تعتبر أن كشف تفاصيل الغارة سيزيد قدرة ردعها
وقد اعتبرت إسرائيل أن الكشف عن تفاصيل قصف طيرانها الحربي للمنشأة السورية في منطقة دير الزور، أمام الكونغرس الأميركي، سيزيد قدرة ردعها، كما سيزيد مخاوف دول أخرى في المنطقة من تطوير برامج نووية سرية في المستقبل. وقالت دانا بيرينو، المتحدثة باسم البيت الابيض، في بيان "نحن على قناعة، بناء على معلومات متنوعة، بأن كوريا الشمالية ساعدت سورية في أنشطة نووية سرية". وأضافت "لدينا أسباب كافية للاعتقاد بأن المفاعل الذي لحقت به في السادس من أيلول من العام الماضي أضرار لا يمكن إصلاحها لم يكن للأغراض سلمية".
وقالت صحيفة هآرتس، يوم 25.4.2008، إن إسرائيل والولايات المتحدة توصلتا لنتيجة مفادها أن كشف تفاصيل الهجوم سيؤدي إلى أن "تبدأ دول تتطلع لاتجاهات كهذه بالقلق". كذلك تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنه على الرغم من كشف التفاصيل إلا أن سورية لن ترد على مهاجمة المنشأة و"لا يوجد خطر لحدوث تصعيد أمني" بين إسرائيل وسورية.
وسبقت اتخاذ إسرائيل قرارا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، حول كشف تفاصيل الهجوم، مداولات مكثفة في إسرائيل ترأسها رئيس طاقم مستشاري رئيس الحكومة الإسرائيلية، يورام طوربوفيتش، وشارك فيها مندوبون عن الموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية وشعبة العمليات في الجيش ووزارتي الخارجية والدفاع. وتوصلت هذه المداولات إلى استنتاج بأنه نشأت "نافذة فرص" تسمح بـ"كشف متزن ومدروس" لقسم من التفاصيل المتعلقة بالعلاقات السورية الكورية الشمالية في المجال النووي. كذلك فإنه لم يكن خيار أمام إسرائيل سوى الموافقة على طلب أميركي بخصوص الكشف عن تفاصيل الهجوم، لأن الإدارة الأميركية ملزمة قانونيا بإعطاء تقرير حول الموضوع للكونغرس.
وقالت هآرتس إنه خلال المداولات الإسرائيلية شدد مندوبو شعبة الاستخبارات العسكرية والموساد على وجود مصلحة لإسرائيل في نشر تفاصيل مهاجمة المنشأة السورية، وأن كشفا متزنا عن هذه التفاصيل سيحسن قدرة الردع الإسرائيلية. وبناء على هذه الاعتبارات توجه طوربوفيتش قبل ثلاثة أسابيع إلى واشنطن لتنسيق المعلومات التي سيتم الكشف عنها أمام الكونغرس.
وسبقت سفر طوربوفيتش إلى واشنطن مشاورات بين رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، ووزير الدفاع، ايهود باراك، وأعرب خلالها الأخير عن عدم معارضته لكشف تفاصيل. لكن بعد أيام معدودة تراجع باراك عن رأيه، غير أن ذلك حدث بعد سفر طوربوفيتش إلى واشنطن ولم يعد بإمكان إسرائيل رفض كشف التفاصيل أمام الكونغرس.
ونقلت صحيفة معاريف عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن باراك عارض بشدة كشف المعلومات الاستخبارية التي تجمعت لدى إسرائيل قبل مهاجمة المنشأة السورية. وأضاف أن جهاز الأمن حذر من أن ضررا استراتيجيا سيلحق بإسرائيل على المستوى الاستخباري جراء نشر المعلومات. ويذكر أنه من بين المعلومات التي تم الكشف عنها أمام الكونغرس، شريط فيديو وصور للمنشأة السورية من الداخل والخارج. وقالت معاريف إن جاسوسا إسرائيليا التقط هذه الصور.
الهجوم تحذير لإيران أيضا
من جهة أخرى، أشار محلل الشؤون الاستراتيجية والاستخباراتية في صحيفة هآرتس، يوسي ميلمان، إلى أن مهاجمة المنشأة السورية تندرج ضمن ما يسمى بـ"مبدأ بيغن" (المنسوب لرئيس حكومة إسرائيل الأسبق مناحيم بيغن) وتضمنت تحذيرا لإيران التي تطور برنامجا نوويا، تقول إسرائيل إنه لغايات عسكرية.
و"مبدأ بيغن" هو سياسة لا يصرح قادة إسرائيل بها، وهي غير موثقة. وكتب ميلمان أن هذه السياسة تقضي بأن لا تسمح إسرائيل لأي دولة في الشرق الأوسط أن تطور برنامجا نوويا عسكريا، إذ تعتبر إسرائيل أن برنامجا كهذا يشكل خطرا على وجودها. وكان بيغن أول رئيس حكومة إسرائيلية استخدم هذه السياسة عندما قرر إصدار أوامر لسلاح الجو الإسرائيلي بقصف المفاعل النووي العراقي في حزيران العام 1981. وأضاف ميلمان أن قصف المنشأة السورية في أيلول الماضي يعني أنه تم تفعيل "مبدأ بيغن" للمرة الثانية في تاريخ الشرق الأوسط، وأن من شأن ذلك أن يشكل إشارة وتهديدا لإيران بأنه إذا لم تتوقف عن سعيها للحصول على سلاح نووي فإن إسرائيل ستعمل بموجب "مبدأ بيغن" للمرة الثالثة.
خبيران أميركيان: المنشأة السورية كانت بعيدة عن كونها عسكرية
في غضون ذلك، أكد خبيران نوويان أميركيان أن المنشأة السورية كانت بعيدة عن كونها نووية عسكرية، ودحضا بذلك إعلان الولايات المتحدة بأن سورية كانت قريبة من امتلاك قدرة نووية. ونقل ميلمان عن الخبيرين ديفيد أولبرايت وبول بيرنان، من معهد الأمن والدراسات الدولية في واشنطن، تأكيدهما على أنه بعد أن حللا المعلومات التي نشرتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي ايه) في وسائل الإعلام الأميركية، يظهر أنه لا توجد أية تقديرات لدى الولايات المتحدة حول كيف كانت سورية تعتزم تفعيل برنامج نووي، وأنه ليس لدى الولايات المتحدة أيضا أية معلومات تدل على أن كوريا الشمالية نقلت أو كانت تنوي أن تنقل وقودا نوويا لسورية لتشغيل مفاعل نووي.
ونشرت "سي آي ايه" هذه المعلومات قبيل انعقاد اجتماع ضم ست لجان مختلفة في الكونغرس لبحث علاقات كوريا الشمالية وسورية وتم خلاله استعراض تفاصيل الهجوم الإسرائيلي على منشأة دير الزور التي تدعي إسرائيل بأنها مفاعل نووي. لكن الخبيرين الأميركيين قالا في تحليل إن نوع المفاعل النووي الذي تم بناؤه، بحسب تقرير الـ"سي آي ايه"، يتطلب كميات كبيرة من اليورانيوم من أجل تفعيله. وأضافا أنه على ضوء ذلك، وعلى الرغم من الأدلة المقنعة، بحسب ما نشرته "سي آي ايه"، والظاهرة في شريط الفيديو الذي صُوّر قرب وداخل المنشأة السورية والذي تم عرضه أمام لجان الكونغرس، فإن أسئلة كثيرة تتردد بينها متى كان هذا المفاعل سيبدأ بالعمل؟.
وتابع أولبرايت وبيرنان أن أجهزة الاستخبارات لم تنجح في التعرف على وجود معمل لفصل البلوتونيوم أو معمل لتركيب أسلحة، وغياب هذين الموقعين يُضعف الادعاء بأن المفاعل الجاري إقامته كان جزءا من برنامج نووي عسكري فعال لدى سورية. وقال الخبيران أيضا إن غياب أدلة فيما يتعلق بالوقود المخصص للمفاعل يقلل التقديرات بأن لدى سورية برنامجا نوويا فعالا وذلك إضافة إلى حقيقة أن المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وصلت إلى مراحل حاسمة بعد أن أوقفت وشلّت كوريا الشمالية منشآت أهم في بيونغ يانغ.
ودعا أولبرايت وبيرنان أعضاء الكونغرس الذين يعارضون المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية والذين يحاولون إجهاض هذه المفاوضات إلى أن يتوقفوا عن محاولاتهم هذه. ولفت ميلمان إلى أقوال السفير السوري لدى الولايات المتحدة، عماد مصطفى، لوسائل إعلام أميركية والتي جاء فيها أن معلومات كالتي تتحدث عنها "سي آي ايه" وإسرائيل تم ترويجها في الماضي وتبين أنها ليست موثوقة، في إشارة إلى المعلومات حول أن العراق يطور برنامجا عسكريا نوويا وتبين لاحقا أن لا أساس للتقارير الأميركية بهذا الخصوص.