* لجنة فينوغراد قد تبعث برسائل تحذيرية للمتضررين من استنتاجاتها وهذا قد يؤجل صدور التقرير النهائي لأشهر طويلة محللون يوجهون انتقادات حادة للجنة * الرابحون هم قادة الجيش الذين لديهم فرصة الدفاع عن أنفسهم لكن الرابح الأكبر كما يبدو هو أولمرت الذي سيحظى بأشهر إضافية من استقرار حكومته
طغت البلبلة في الأيام الأخيرة على التقارير الواردة من محيط لجنة فينوغراد الإسرائيلية، المكلفة بالتحقيق في مجريات الحرب على لبنان، وانعكس الأمر في طرح تساؤلات حول مدى أهمية الاستنتاجات والتوصيات التي ستصدر عنها، وما إذا ستؤدي هذه التوصيات إلى "قطع رؤوس" سياسية وعسكرية.
وظهر هذا في أعقاب حالة التوتر التي سادت قيادة الجيش الإسرائيلي، كما جاء في عدة تقارير، والناجمة عن عدم التأكد في أعقاب إعلان لجنة فينوغراد أنها ستبعث برسائل تحذيرية إلى كل من قد يتضرر من استنتاجات اللجنة وتوصياتها، لإفساح المجال أمامه لتعيين محام والمثول أمام اللجنة، وإحضار شهود للدفاع عن نفسه، في محاولة لتغيير توصيات اللجنة.
وقد بعثت اللجنة برسالة جوابية إلى النيابة العسكرية تبلغها فيها أنها قد تقرر إرسال رسائل كهذه، ولكن ليس قبل النظر "في الكم الهائل من المواد المتراكمة"، وأن الأمر سيستغرق وقتا كبيرا، حتى أن اللجنة ليس باستطاعتها أن تقدر موعد صدور تقريرها النهائي، وبعد أن كان من المتوقع أن يصدر في شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم، فقد بات الآن من يقدر أن التقرير النهائي قد يصدر حتى في النصف الأول من العام القادم 2008.
هذا الوضع أدى إلى شعور من الارتياح لدى "فريقين"، الأول قادة في الجيش لا يزالون يتخوفون من صدور استنتاجات ضدهم، وتؤثر على مستقبلهم العسكري، وذلك لأنه ستكون فرصة أمامهم للدفاع عن أنفسهم، والفريق الثاني، يتمثل بشخص رئيس الحكومة إيهود أولمرت الذي قد يكون تنفس الصعداء من الوضع الناشئ، لأن كل تأخير في صدور التقرير يمنحه المزيد من الاستقرار على كرسيه في رئاسة الحكومة.
انتقادات للجنة
لا يوجد في القانون الإسرائيلي ما يحدد فترة عمل لجان التحقيق أو الفحص الرسمية، فمثلا "لجنة أور"، التي تم تكلفيها بالتحقيق في ملابسات مواجهات أكتوبر، "هبة أكتوبر" في العام 2000، التي قتلت فيها الشرطة الإسرائيلية 13 شابا من الفلسطينيين في إسرائيل خلال مظاهرات احتجاج على العدوان الإسرائيلي الذي اندلع في خريف ذلك العام على الضفة الغربية وقطاع غزة، دام عملها ثلاث سنوات، كما أن لجنة التحقيق في ظروف اختفاء مئات الأطفال اليمنيين أبناء المهاجرين إلى إسرائيل في سنوات الخمسين، دام عملها في العقد الأخير من القرن الماضي سبع سنوات.
وحين بدأت لجنة فينوغراد عملها، جرى الحديث بداية عن أنها ستقدم تقريرها المرحلي في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الماضي ثم الشهر الذي يليه، ولكن في نهاية المطاف صدر التقرير في نهاية شهر نيسان/ أبريل، بعد أكثر من ستة أشهر من بدء عمل اللجنة.
وقد وجه المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلي عوزي بنزيمان انتقادات حادة للجنة فينوغراد، وقال في مقال له: "لقد مرّ 14 شهرا بين إقامة لجنة أغرنات، التي فحصت عمل الجيش الإسرائيلي والحكومة في حرب أكتوبر 73، إلى حين قدمت تقريرها النهائي، وقد قبل الجمهور في إسرائيل بطول فترة عملها، لأن اللجنة أصدرت تقريرا مرحليا بعد ثلاثة أشهر من بدء عملها، وشمل استنتاجاتها الأساسية القاسية ضد شخصيات سياسية وعسكرية، وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان العامة".
ويقول بنزيمان "وفي المقابل فإن لجنة فينوغراد أعلنت أن عملها قد يطول، وحسب التقديرات فقد تصدر تقريرها في النصف الأول من العام 2008، وهذا خلق فجوة كبيرة جدا وغير محتملة بينها وبين الجمهور، وهذا أيضا ناجم عن التناقض الحاصل بين الاستنتاجات الخطيرة في التقرير المرحلي، الذي نشر في نيسان/ أبريل الماضي، وبين امتناعها عن التوصية بشكل واضح باستقالة ذوي الشأن من مناصبهم".
ويتابع بنزيمان كاتبا: إن اللجنة خلقت انطباعا حازما لدى الجمهور بشأن عمل رئيس الحكومة إيهود أولمرت، وقدرته على القيام بمهامه كرئيس للحكومة، بعد أن حملته اللجنة مسؤولية شخصية عن آلية اتخاذ القرارات خلال الحرب، ولكنها اليوم تعطي فرصة للمتضررين من التقرير أن يدافعوا عن أنفسهم، وتتأخر في إصدار التقرير، بينما أمنية الجمهور أن يعرف الاستنتاجات النهائية في وقت معقول، وهذا على ما يبدو لن يتحقق.
أما المراسل السياسي في صحيفة "هآرتس" ألوف بن، فقد كان أكثر وضوحا، إذ يقول في مقاله: "لقد كانت للجنة فرصة لإقالة أولمرت من خلال التقرير المرحلي، وقد أضاعت هذه الفرصة، وقد توقعت الأجواء الشعبية في إسرائيل إقالة من هذا النوع، حين كانت لا تزال الحرب تقف على رأس أولويات جدول الأعمال، فالاستنتاجات في التقرير المرحلي كانت رهيبة جدا، فشل وفشل وفشل، ولكن اللجنة فشلت، كما جرى في الاختبار المعروف في فيلم: "الجيد والسيء والقبيح: حين يجب أن تطلق النار، أطلق ولا تتكلم".
ويتابع بن كاتبا أن رئيس الحكومة أولمرت ليس مطالبا بأن يفهم الألغاز، حين تم اقتباس عضو في لجنة فينوغراد في القناة العاشرة للتلفزيون، بقوله، إن اللجنة توقعت أن يستخلص أولمرت العبر ويستقيل، ومن أعد التقرير كان يجب أن تكون لديه الشجاعة الكافية لقول هذا علانية وبصراحة.
"ارتياح أولمرت"
قد يكون رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، تنفس الصعداء، كما توقع البعض وبينهم ألوف بن، بعد أن استمع إلى احتمال أن تضطر لجنة فينوغراد لتأجيل تقريرها النهائي لعدة أشهر أخرى، فمن وجهة نظر أولمرت فإن هذا سيناريو يمنحه فرصة استقرار أخرى على رأس حكومته، قبل الهزة التي قد يُحدثها التقرير النهائي للجنة، فأولمرت ليس على يقين من طبيعة توصيات هذا التقرير، ولكن الفرضية السائدة هي أنه سيكون من الصعب عليه الاستمرار في منصبه، رئيسا للحكومة، رغم أن هناك من يشكك في هذا.
ولهذا فإن أولمرت يراهن على إمكانية مواجهة هذا التقرير من خلال إثبات وجهة نظره، بأن إسرائيل "انتصرت في هذه الحرب"، وفي يوم الذكرى السنوية الأولى كان خطاب أولمرت يتركز في نقطة واحدة فقط، وهي "الانتصار" في الحرب، وهذا ما يثبته، كما يرى، الهدوء الذي يسود الحدود مع لبنان، وابتعاد عناصر حزب الله عن الحدود، وانتشار الجيش اللبناني والقوات الدولية على الحدود، وكلما مرت الأشهر فإنّ هذا يعزز هذه الفكرة، من وجهة نظره.
كذلك فإن "بورصة" التكهنات حول طبيعة التقرير النهائي تتضارب، فهناك تقارير تصر على أن توصيات التقرير لن تسمح لأولمرت بالبقاء في منصبه، إلا أن لهجة الحذر تطغى على تقارير محللين آخرين، بدعوى أن التقرير المرحلي يتطرق إلى قرار شن الحرب والأيام الخمسة الأولى للحرب، في حين أن التقرير النهائي سيتطرق إلى سير الحرب وشكل انتهائها، وفي النقطة الأخيرة، أي شكل انتهاء الحرب، هناك من يعتقد أن صيغة قرار مجلس الأمن الدولي 1701، ستكون نقطة ايجابية لصالح أولمرت، تخفف من وطأة النقاط الإشكالية الأخرى في التقرير.
لقد مرت الذكرى السنوية الأولى للحرب على لبنان في إسرائيل بهدوء نسبي، وهذا يعود لسببين، أولهما أن ملف الحرب لم يسقط عن جدول الأعمال الإسرائيلي، على الصعيدين السياسي- العسكري والإعلامي، طيلة السنة الماضية، ولهذا لم يكن أي جديد لإثارته في هذه "المناسبة".
أما السبب الثاني، فهو أن هذه الذكرى حلت وسط حالة الترقب الشديدة للتقرير النهائي للجنة فينوغراد، وإذا ما اعتمدنا تقارير صحافية، في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي وغيرها، بأن أولمرت، وحتى وزير الدفاع الجديد، إيهود باراك، معنيان بهذا التأجيل، ولكل أسبابه الخاصة، ولهذا فعلى الأغلب ستكون هناك قوة محركة لإجبار اللجنة، في حال تراجعها، على استصدار هذه الإنذارات، وحتى بقرار من المحكمة العليا.
إلا أن كل هذا ما هو إلا مجرّد تأجيل للأزمة التي من المفترض أن تشهدها الحلبة السياسية في الأشهر القادمة. ويبقى السؤال الأقوى: ما هو حجم الأزمة وهل ستقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة؟ أم أن "الحل السحري" سيظهر كالعادة في الحلبة السياسية، كاستبدال رئيس الحكومة بشخصية أخرى من حزب "كديما" الحاكم، لإبعاد "شبح" الانتخابات المبكرة، التي ما تزال أكثرية كبيرة جدا في الكنيست الإسرائيلي ترفضها من منطلقات حزبية؟.
يقول المحلل السياسي ألوف بن، في مقاله سابق الذكر، إن "تأجيل نشر التقرير النهائي إلى العام القادم، سيبقي، على ما يبدو، أولمرت على كرسيه (رئاسة الحكومة)، فمن الصعب الاعتقاد بأن اللجنة ستدعو إلى استقالته بعد عام ونصف العام، أو عامين على انتهاء الحرب، فمن سيتذكر حينها الحرب والفشل الذي كان فيها، وحتى وزير الدفاع إيهود باراك، الذي هدد بانسحاب حزب "العمل" (الذي يرأسه) من الائتلاف الحاكم، مع ظهور التقرير النهائي، فإنه يستطيع الاستراحة الآن على مقعده (وزيرا) في حكومة أولمرت".
ويضيف بن "بعد أن اجتاز أولمرت بنجاح الانتقادات القاسية التي وجهت له في التقرير المرحلي للجنة فينوغراد، يطرح الآن مساعدوه سيناريوهات تفاؤلية، وهم يتوقعون أن ترضخ اللجنة للضغوط وتضطر لإرسال رسائل إنذار وتحذير أو ما شابه، وحتى وإن امتنعت اللجنة عن هذا الإجراء، فلن يكون أي داع لقلق أولمرت"، بمعنى أنه لن تكون توصية بمستوى طلب استقالته.
ومن جهة أخرى، فإن إسرائيل تسعى في هذه الأيام إلى استعادة قوة الردع التي تضررت في الحرب، وهذا أمر يتم في عدة اتجاهات، أولها إعادة تنظيم الجيش في ظل وزير الدفاع، رئيس هيئة الأركان الأسبق، إيهود باراك، ونائبه، الجنرال احتياط متان فلنائي.
أما الاتجاه الآخر، فهو إعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي بجيشه، التي تراجعت بنسب كبيرة بعد الحرب على لبنان، فمثلا هناك من يعتقد أن كل الحديث عن استعداد إسرائيل للحرب القادمة، التي قد تقع في مواجهة سورية أو لبنان، أو كليهما معا، مقصود منه طمأنة الجمهور بأن الجيش لم يتراجع، ولا يزال على أهبة الاستعداد لمواجهة أي حرب أخرى.
لكن هذا لا يعني الجزم بأن المناورات والتدريبات التي يجريها الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان السورية المحتلة، هدفها فقط استعادة ثقة الجمهور، لأن خيار الحرب لم يسقط أبدا عن الأجندة الإسرائيلية منذ قيامها، كأحد المخارج لأزماتها الداخلية.
وعودة إلى الوضع الداخلي في الحلبة السياسية، فعلى الرغم من حالة الترقب للتقرير النهائي تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد في إسرائيل اليوم أزمة حكم، بمعنى أن الحكومة الحالية برئاسة أولمرت لا تواجه خطر السقوط، على العكس، فهي تحظى بائتلاف متماسك يسيطر على ثلثي مقاعد الكنيست تقريبا، 78 نائبا من أصل 120 نائبا.
وهذا يعود لطبيعة وتركيبة البرلمان الإسرائيلي، اللتين أنتجتهما الانتخابات البرلمانية، قبل 16 شهرا، وجرت في ظروف غير طبيعية، وأوصلت إلى الكنيست كتلا لا ضمان لها أن تعود إلى الكنيست ثانية، أو أنها لن تضمن الحفاظ على حجمها الحالي في أية انتخابات مبكرة أو عادية، وهذا هو السبب الذي يقف من وراء استنتاج أنه لا توجد في الكنيست أكثرية معنية حقا بالتوجه إلى انتخابات مبكرة.
لقد ظهر أولمرت في الأيام الأخيرة واثقا بنفسه أكثر من قبل، فقد كرر أكثر من مرة في لقاءات متنوعة أنه لا يرى نفسه مستقيلا من الحكومة تحت أي ضغط، لا بل أعلن أنه سيقود حزب "كديما" في الانتخابات البرلمانية القادمة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى بإمكان هذه الثقة أن تنعكس على الجمهور في إسرائيل بصفته "صاحب القرار" في يوم الانتخابات؟.