المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • وثائق وتقارير
  • 1470

يعرف القاصي قبل الداني المخططات الإسرائيلية الخارجة من رحم الفكر الصهيوني وممارسته لتهويد الجليل، منذ "الـN الاستيطاني"  مرورًا بقرارات لجنة بيل (1937) وقرار التقسيم (1947) اللذين أكّدا على عروبة وفلسطنة الجليل! وبذلك بقيت علامات سؤال على شرعية أسرلة الجليل وتاليًا تهويده!             

        

ومنذ اليوم الأوّل لقيام دولة إسرائيل تقرّر إقامة تجمّعات يهوديّة بكثافة في الجليل، وبخاصّة على أنقاض القرى الفلسطينيّة، بغية سد الطريق أمام عودة اللاجئين. ولأسبابٍ "أمنيّة" تقرّر إقامة تجمّعات يهوديّة حدوديّة، إضافة إلى طمس هويّة البلاد وتهويدها على الصعيد الرسمي.

ويكفي أن أذْكر أن دولة إسرائيل صادرت في العقد الأوّل لقيامها ما يقارب مليون دونم أرض من أصحابها.
وتدحرجت المخططات بين نجاح كامل وجزئي أو فشلت وتحطّمت على صخرة تصدّي الجماهير العربيّة وبمؤازرة قوى ديمقراطيّة يهوديّة، وصولا للمخطط الحالي الذي يعتبر، وبحق، الأخطر منذ 20 سنة. 

المخطط

جاء في جريدة "هآرتس": "تهدف الخطة إلى إيصال عدد سكّان الجليل إلى 1.1 مليون مواطن، حتى العام 2010، وتصل كلفة الخطّة إلى نحو 16.8 مليار شاقل. وسيقع القسم الأكبر من الميزانيّة على عاتق الوزارات الحكوميّة، وسترصد وزارة الماليّة حصّة ضئيلة (ملياري شاقل)، بالإضافة إلى المساعدات الأميركيّة في أعقاب خطّة الانفصال (بحسب رسالة الضمانات الأميركيّة بتاريخ 14.4.2004) ، وما تبقّى ستوفّره الوكالة اليهوديّة وبعض المانحين اليهود، كما سيُنفَّذ، حسب الخطّة، 18 مشروعًا خلال السنوات القريبة القادمة، في المناطق الحدوديّة في مجالات التربية والتعليم والإسكان والبنى التحتيّة والتشغيل وغيرها"...("هآرتس"، 17.11.2004، بقلم نير حاسون)

كما سيوفَّر للمعنيين الكثير من الهبات لتشجيعهم على السكن في الجليل. فعلى سبيل المثال أعلنت وزارة الإسكان، في نهاية شهر أيار 2005، عن تقديم منحة بمبلغ 25,000 شاقل لكلّ من سيشتري شقّة في هذه المناطق، وعن منحة مقدارها 90,000 شاقل للمستوطنين الذين سينتقلون للسكن في الجليل والنقب بعد إخراجهم من قطاع غزة وذلك بحسب قانون "إخلاء- تعويض". وكذلك القرار الحكوميّ من تاريخ 19.6.2005 الذي يمنح تخفيضًا قدره 40 % لمن يشترون حقوقًا على أراضٍ في الجليل ("هآرتس"، 20 حزيران 2005، بقلم موطي بسوك).

كما أصدر مكتب نائب رئيس الحكومة والمسؤول عن خطّة "تطوير الجليل والنقب"، شمعون بيريس، قبل أكثر من أسبوع، بيانًا أوضح فيه الهبات الإضافيّة التي سيحصل عليها كل من سينتقل بسكناه من المركز إلى الجليل، ومن هذه الهبات التخفيض في ضريبة الدخل والأرنونا بالإضافة إلى دفع مبلغ زهيد مقابل الأرض بسبب المعونة الحكوميّة والمؤسسات الصهيونيّة (لمادّة مفصّلة حول الهبات أنظر/ي www.romgalil.org.il).

ومن الجدير تأكيده أنّ قرارات الحكومة مدّ سكّة حديديّة إلى هذه المناطق، وإقامة جامعة في كرميئيل، تشكّل توطئات للمشروع، وتُوَفّر فكرة أو مفهومًا حول حجم الاستثمارات المتوقّعة.

 

مخطّط تطويري لليهود وتهويدي للعرب

المخطط تهويدي بامتياز لا تطويري لكل السكّان، كما يزعم القيّمون على المشروع وعلى رأسهم الوزير العمّالي شمعون بيريس وذلك للأسباب التالية:

أولاً- المخطّط يؤكّد على منح هبات لـ104 مجمّعات سكّانية يهودية في الجليل دون أي مجمّع سكّاني عربي واحد!! ( رَ www.romgalil.org.il)

ثانيًا- يشارك الحكومة في تنفيذ المخطط الإطاران الصهيونيان: الوكالة اليهوديّة ومديريّة أراضي إسرائيل. وقد جاء في بيان الوكالة اليهوديّة أن "مخطط تهويد الجليل يشمل تقوية الاستيطان اليهودي في الجليل" (رَ www.or1.org.il/hasochnut_tashkia_milyonim.doc) وبالإضافة إلى هاتين المؤسستين، فقد تبرّع العديد من يهود أميركا للمخطط، وهؤلاء لهم شروطهم وفي صُلبها تهويد الجليل.

ثالثًا- لم يرَ القيّمون على المشروع أية أهميّة في إشراك عرب ضمن التخطيط أو في مشاركين عرب حتى في مراحل متقدّمة أو شكليّة كـ"مؤتمر الجليل 2005"، المنعقد في كرميئيل بتاريخ 16 حزيران 2005 والذي عالج خطّة "تطوير الجليل" واعتبرها هدفًا قوميًا.

رابعًا- نشر القيّمون على المخطّط الإعلانات في اللغة العبريّة فقط وفي وسائل إعلام عبريّة فقط.

خامسًا- التخطيط يدعو السكّان للانتقال من المركز إلى الجليل، ومن الواضح أن كثافة السكّان اليهود في المركز هي الأعلى وفي الجليل هي الأقل (وبالتالي بعكس العرب في الحالتين) فمن الواضح أن "المشكلة الديمغرافية" هي مشكلة نسبة العرب العالية، كما أن الحديث عن الجليل كضاحية هو تعامل من يسكن في المركز، بينما نحن العرب نعتبر الجليل مركزنا وليس "ضاحية أو كنف".

سادسًا- بموجب قانون "إخلاء إسكان" الذي أقرّته الكنيست في 16.2.2005 فإن الحكومة تخصّص مبلغ 90 ألف شاقل للمستوطنين الذين يقرّرون السكن في الجليل، إضافةً إلى الهبات الأخرى.

سابعًا- من المؤكّد أن شروط القبول لا يمكن أن تشمل شروطًا عنصريّة (لا سيّما بعد قرار الحكم الخاص بقضية قعدان) ولا التفافية مألوفة كاشتراط الخدمة العسكريّة مثلا،  ولذا فقد وضعت آليات لتصفية العربي المتقدّم بطلب. فمثلا قمت مؤخرًا بزيارة منطرة "مخمانيم" بهدف الاطلاع عن قرب على المخطّط، وعندما أدركتْ مسؤولة الاستيعاب في المنطرة لهجتي العربيّة سألتني عن اسمي حتى تأكدت من كوني عربيًا، وقالت لي بلهجة استباقيّة: عليك أن تعلم أن هناك لجنة وامتحانًا، وعليك أن تعبر حاجز "الملاءمة الاجتماعيّة" وبعد ذلك عليك الالتقاء مع أربع عائلات من المنطرة نختارها نحن، وهم يقدّمون توصية بشأنك، وإذا اعتبروك غير ملائم اجتماعيًا فستُعتبر التوصية ملزمة. والسؤال هنا: ما هي هذه "الملاءمة الاجتماعيّة" بين اليهود والعرب ضمن المخطط المتواصل لـ"تهويد الجليل"؟!.

 

المخطط خطير جدًا

المخطّط خطير جدًا بكل المقاييس. فهو تهويدي لأهم منطقة بالنسبة للعرب، فالعرب الجليليون يشكلون 51 % من العرب في كل البلاد و52 % من سكّان الجليل، والمعنى الأساسي لهذا المخطّط تأكيد يهوديّة الدولة بالمفهوم الفظ وممارسة شعار "أكثر ما يمكن من الأرض وأقل ما يمكن من العرب" وكذلك التعامل مع المواطنين العرب كمشكلة ديمغرافية يجب معالجتها، ليمتد خط التعامل هذا من التهويد إلى الطرد من المواطنة عبر مخططات "التبادل السكاني" أو قانون المواطنة أو التضييق الاقتصادي والاجتماعي البطيء والمنهجي، وإن إحراز النجاح لهذا المخطط معناه تغيير التوازن الديمغرافي في منطقة الجليل لعشرات السنين القادمة.. وكذلك تأكيد أولويّة اليهودي في مختلف المجالات واستغلال أماكن العمل في الجليل.

كما يهدف المخطط إلى مواصلة العمل للحيلولة دون خلق "منطقة قلب" (heartland) عربيّة في الجليل، وذلك من خلال العمل على تقويض جميع السُبُل التي تسعى لخلق تواصل جغرافي بين القرى والمدن العربيّة في الجليل.      

 

قادرون على التصدّي وطرح البديل

حتى الآن ثمّة لا مبالاة شعبيّة تجاه المخطّط قياسًا بالتحرّك الشعبي الهادر ضد مخططات التهويد في عشرات السنين الماضية، وربّما لم يسمع  البعض بالمخطّط الكبير الذي يمرّر تحت أنوفنا رغم خطورته القصوى.

ويعود ذلك بالإضافة إلى الإحباط الشعبي العام بعد أكتوبر 2000 إلى أنه لم يرافَق بمصادرة أراضٍ مباشرة كما في الحالات السابقة، وذلك بالرغم عن أن التهويد الحالي أشمل وأبعد مدى ويجري على أراضٍ مصادرة من قبل، ولكنّ الجرح لم يبق موجعًا كما كان بعد المصادرة مباشرة، ومع ذلك فهناك أهميّة قصوى بأن تقوم الأحزاب الفاعلة بين الجماهير العربيّة بحملة توعية شاملة بمختلف الطرق التقليديّة.. مع التأكيد أنّ هذا النشاط لوحده لن يشكّل بديلا حقيقيًا أو رادعًا للمخطط.

المطلوب هو التحرّك في اتجاهين إضافيين متوازيين:

* الأوّل: أن يتصل مئات المواطنين العرب بمراكز التسجيل واقتراح أنفسهم للسكن، وبذلك سيشكلون تحديًا فعليًا للمخطط (خصوصًا بعد قرار الحكم قعدان، كتسير). إن مجرّد توجّه المواطنين العرب المكثّف وإطلاق حملة إعلاميّة تؤكّد توجّه العرب بالمئات واهتمامهم الجِدي بالموضوع كفيل بأن يوجّه ضربة قويّة للمخطّط، فالغالبيّة العظمى من اليهود ترفض، للأسف الشديد، السكن مع العرب، ويكفي أن أشير إلى كيفيّة تحوّل سفح الجبل في مدينة حيفا (مدينة التعايش!) عربيًا نتيجة لخروج أغلبيّة اليهود من الأماكن التي يصل إليها العرب، وكذلك الأمر في عكا، وهكذا تأخذ الأمور بالتطوّر في "نتسيرت عيليت" وغيرها.. وجدير بالذكر أن أحد الادعاءات المركزيّة جدًا لفشل مشاريع تهويد النقب هي وجود عرب بدو متفرّقين في كل النقب.

 

الثاني: أقترح أن نعد اقتراحًا بديلا يشمل تطويرًا للشعبين كإضافة عشرات التجمّعات السكنيّة العربيّة للمخطّط، وأغلبها تملك مؤهلات أكثر من المجمّعات اليهوديّة. فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، فإن مدينة طمرة تختزن إمكانيّات تطوّر هائلة، وبحسب التخطيط المستقبلي سيمرّ شارع رقم 6 بمحاذاتها وكذلك سكّة الحديد وتملك المدينة مساحات أراضٍ شاسعة وثُلث سكّانها هم مهجّرون (من الدامون والرويس وميعار..) وكثير منهم ومن السكّان المحليين لا يملكون أراضي، ومع تأكيدنا على الموقف الأصيل بحقهم في العودة، إلا أنّ ذلك لا ينفي حقيقة أن كثيرًا من سكّان طمرة لا يملكون أراضي للبناء، وفي حالة سعي الحكومة إلى توفير أماكن سكن فستجد قوّة شرائيّة هائلة من طمرة والقرى التي تحيطها..

يشترط بهذا الاقتراح أن يرفض مخطّط الحكومة المعروض والعمل على إنتاجه من جديد بضم مجمّعات عربيّة ليست أقل عددًا وقدرة استيعاب من المجمّعات اليهوديّة، وفقًا لأسس المساواة التي نطرحها، مع التأكيد أن القرى والمدن العربيّة في الجليل أحوج من اليهوديّة نتيجة للتمييز المنهجي.
 أعتقد أن طرح تخطيط بديل كهذا من شأنه أن يبرز قوّة موقفنا الأخلاقي والواقعي، وبأنّنا لم نكتفِ بالمعارضة (المريحة) وأدلجة التقاعس، بل قدّمنا بديلا قويًا ومقنعًا.

لن يكتب لأي من هذه الاقتراحات النجاح ما لم يدعمه نضال جماهيري تعبوي. هذه مهمّتنا اليوم، ونحن قادرون عليها.

_____________________________________

 

(*) الكاتب محام وناشط في جمعية "سيكوي لتكافؤ الفرص"

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات