المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كما في كل أزمة ائتلافية ساخنة، وحين يبدأ رئيس الحكومة، أي رئيس حكومة، في البحث عن غالبية فإنه يفطن بوجود نواب وكتل برلمانية تمثل الاقلية الفلسطينية في اسرائيل، ويبدأ الاستجداء والبحث عن احتمالات وامكانيات للحصول على اصواتهم لدعم هذا المشروع الحكومي او ذاك، والحديث اليوم يجري عن الميزانية. وهذا على الرغم من الهجوم السلطوي المنهجي الموجه ضد النواب العرب، وتشويه صورتهم امام ناخبيهم من خلال الادعاء انهم لا يعالجون قضايا الجماهير التي انتخبتهم، لا بل جندت السلطة وسائل اعلام معروفة ناطقة باللغة العربية لهذا الغرض.

اليوم هناك ثمانية نواب يتوزعون على ثلاث كتل برلمانية: ثلاثة نواب في كتلة "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير" وثلاثة نواب في كتلة "التجمع الوطني الديمقراطي" ونائبان في كتلة "القائمة العربية الموحدة". ومن الطبيعي أن يكون بين هذه الكتل اختلاف في وجهات النظر واساليب العمل، وهو انعكاس للتنوع الطبيعي في صفوف الاقلية الفلسطينية في اسرائيل. ولكن في الاشهر الأخيرة، وبالذات منذ بدأ تشريع ما يسمى بـ "خطة الفصل" الاسرائيلية الداعية لاخلاء مستوطنات قطاع غزة واربع مستوطنات صغيرة في شمال الضفة الغربية، فقد أصبح هناك، على ما يبدو، فرز بين موقفين، الموقف الأول هو موقف كتلتي الجبهة والتجمع، والموقف الثاني لكتلة "الموحدة".

فقد اتبعت كتلت "الجبهة و"التجمع" موقف المعارض لخطة الفصل، لما في مجملها من اخطار محدقة بمستقبل حل القضية الفلسطينية، وبشكل خاص فإن نص (مضمون) الخطة الذي طرح للتصويت في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، قد تضمن ضمانات الرئيس الأميركي جورج بوش لرئيس الحكومة الاسرائيلية اريئيل شارون، وتأكيد شارون عزمه توطيد وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية بشكل مواز لخطة الفصل. إلا ان الكتلتين وعلى الرغم من معارضتهما لهذه الخطة اضطرتا للتصويت بالامتناع، بعد ان تبين ان وزير المالية بنيامين نتنياهو قرر استثمار اصواتهم الستة المعارضة للضغط من اجل فرض استفتاء عام، ومن منطلق المعارضة للمشروعين صوت النواب الستة بالامتناع.

اما نائبا القائمة العربية الموحدة، عبد المالك دهامشة (الحركة الاسلامية- الجناح الجنوبي) وطلب الصانع (الحزب العربي الديمقراطي) فقد دعما خطة الفصل، بعد أن رأيا أن فيها فرصة لاخلاء مستوطنات، وهو امر غير مسبوق، علما ان اخلاء المستوطنات لن يكون سابقة، لأن السابقة كانت في صحراء سيناء في اوائل الثمانينيات.

بعد هذا التصويت، الذي عالجناه في "المشهد الاسرائيلي" بتوسع في حينه، اصبح الفرز واضحا بين موقفين، وقد اثمر هذا تنسيقا على مستوى عال في اروقة الكنيست بين الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة برئاسة النائب محمد بركة والتجمع الوطني الديمقراطي برائاسة النائب عزمي بشارة. وبعد ذلك التصويت كان تنسيق ايضا في تصويت الكتلتين في اللجان البرلمانية على قانون اخلاء المستوطنين وتعويضهم، وفي حالتين منفصلتين، لم يكن بالإمكان تمرير هذا القانون لولا صوت النائب بركة في لجنة المالية وصوت النائب بشارة في لجنة القانون، وكلاهما دعم القانون نظرا لكونه يتطرق فقط لاخلاء المستوطنين وتعويضهم، دون اي ارتباط آخر بمشاريع استيطانية.

واليوم يتواصل التنسيق في ما يتعلق بالميزانية. ففي حين قررت الجبهة والتجمع معارضة الميزانية لأسباب سنأتي على ذكرها، فإن "الموحدة" اعربت عن استعدادها لتأييد الميزانية او الامتناع عن التصويت مقابل مطالب عينية وضعتها. وهنا وقع خلاف جوهري بين الموقفين، ففي حين ترى "الجبهة" و"التجمع" في بيانين منفصلين ان المضمون العام للميزانية خطير من ناحية توجهها الحربجي والاستيطاني ويعمق التمييز ضد العرب ويضرب الشرائح الفقيرة والمتوسطة، فإن "الموحدة" قالت "إنها فرصة لتحصيل شيء للعرب على الرغم من مضامينها"، ولم يتأخر الرد من الطرف المقابل بأن الكتلتين لن تفاوضا على فتات وغض الطرف عن أخطار هذه الميزانية.

بيانات متناقضة

في توضيح اكثر لسير الامور فقد صدر بيان عن سكرتارية الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة جاء فيه: إن الميزانية المطروحة هي ميزانية عدائية من جميع النواحي، فهي توجه ضربات اضافية للشرائح الفقيرة والضعيفة، وتعمق التمييز ضد الجماهير العربية، كما انها ميزانية تدفق المليارات على العسكرة والاحتلال والاستيطان، وان الجبهة تعارضها، كما كانت الحال في جميع ميزانيات اسرائيل السابقة، باستثناء مرّة واحدة في ميزانية 1994 حين امتنعت كتلة الجبهة، عن التصويت بعد ان تم مساواة مخصصات الاولاد العرب بمخصصات الاولاد اليهود.

وقررت السكرتارية أن الجبهة لا تصد ابواب المفاوضات مع الحكومة حول ميزانية الدولة، ولكن الجبهة لا تذهب للتفاوض على فتات، وانما بالاساس على السياسة العامة التي توجه السياسة الاقتصادية والميزانية، وللجبهة طروحات تعرضها في مفاوضات كهذه تتعلق في قضايا الشرائح الفقيرة والضعيفة، والتي تشكل الجماهير العربية جزءًا كبيرًا منها، وهذا أمر اساسي ومقرر في مواقف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة. وعبرت السكرتارية عن رأيها بأنه في نهاية المطاف فإن على الائتلاف الحكومي ان يجد الأغلبية التي يريدها من داخل الائتلاف ومن يجول في محيطه وليس في اوساط المعارضة السياسية والطبقية لسياستها، وقررت عقد اجتماع آخر للسكرتارية قبل التصويت على الميزانية لتقييم الوضع.

وأكدت السكرتارية على انه في ما يتعلق في الموقف من ميزانية الدولة فإنه يجري تنسيق بين كتلة "الجبهة الديمقراطية والعربية والتغيير" وكتلة "التجمع الوطني الديمقراطي"، انطلاقا من موقف الكتلتين المعارض لمبنى الميزانية وبنودها.

كما اصدر المكتب السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي بيانا قال فيه: "التصويت على الميزانية هو تصويت على مجمل سياسة الحكومة، المعبر عن كافة مجالاتها ببنود تمويلية. فالموازنة العامة تحتوي على الميزانيات العسكرية الضخمة، من تسلح وتمويل لجيش الاحتلال والاذرع الامنية القمعية، وتحتوي كذلك على تمويل الاستيطان في الضفة الغربية وبناء الجدار العنصري. التصويت على الميزانية هو تصويت على الحكومة نفسها لا بل وبالتفصيل العيني لسياساتها في كافة المجالات. وإذ نصوت ضد الميزانية فإننا نصوت لنزع الثقة عن الحكومة.

الميزانية المطروحة هي ميزانية إفقار للطبقات المسحوقة والفقيرة. ميزانية تمييز واجحاف بحق المواطنين العرب. ميزانية عسكرة وتسلح واستيطان. وهذا نهج نعارضه ولا يمكن الا ان نصوت ضده.

اننا نرفض ربط الحصول على حقوقنا في الميزانية بالتصرف السياسي. فهذه المقايضة في غاية الخطورة، لانها ستؤدي الى ابتزاز مستمر من قبل الحكومة للمواقف السياسية في مقابل منحنا حقوقًا نستحقها لكوننا مواطنين. قد يكون بالامكان الحصول على بعض الفتات في مقابل دعم الميزانية، لكن الثمن سيكون باهظاً ليس على المستوى السياسي فحسب، بل ايضاً على مستوى الميزانيات المخصصة للوسط العربي، إذ سيتحول حتى ما نحصل عليه اليوم إلى رهينة بيد السلطة، لتصبح هذه الميزانيات مشروطة بالمواقف السياسية والتصويت مع الحكومة للحصول عليها. وفي نهاية المطاف فإن من يقبل بالفتات يخسر مقابله اضعافا مضاعفة.

إن مصدر ازمة الميزانية الحالية هي الانقسام الحاصل في حزب الليكود، ونحن لا نرى من واجبنا انقاذ الليكود من ازمته او انشقاقه".

كذلك اصدر نائبا القائمة العربية الموحدة بيانا شرحا فيه موقفهما من موضوع التصويت على الميزانية وتفاوضهما مع ممثلي الحكومة وقالا في البيان: "نعرف حق المعرفة ان شارون وحزبه لم يبعثا بإيلان كوهن مدير مكتبه، وكوبي هابر رئيس قسم الميزانيات في وزراة المالية، للتفاوض معنا في القائمة العربية الموحدة، إلا عندما اضطروا لذلك بعدما فشلوا في إقناع حزب شاس ومتمردي الليكود وحزب شينوي، ونعرف كذلك بأن حقنا في المساواة هو حق أساسي غير مشروط بكيفية ممارستنا لحقنا الآخر في التصويت كما نشاء. وفي كل الأحوال، تبقى حاجة الليكود لأصوات النواب العرب في سبيل تمرير الميزانية، فرصة ذهبية يجب استغلالـها وعـدم إضاعتها".

وجاء أيضًا في بيان "الموحدة": "لماذا قامت جماهيرنا العربية بانتخاب أعضاء الكنيست العرب؟ للتبارز في الظهور أكثر على شاشات الفضائيات العربية؟ أم للتسابق في من يرفع صوته بشكل أعلى وأعنف في الكنيست؟ وإذا كانت كل هذه الأمور واضحة للجميع، إذن لماذا نعارض إمكانية التفاوض حول كيفية التصويت على الميزانية مقابل تحقيق أكبر قدر ممكن من هذه المطالب؟".

وكان النائب دهامشة قد ظهر في وسائل الاعلام مطالبا رئيس لجنة المتابعة لقضايا الجماهير العربية في اسرائيل، بأن يفاوض الحكومة باسم النواب الثمانية، الأمر الذي لم يقبله نواب كتلتي "الجبهة" و"التجمع".

عن أية ميزانية يجري الحديث

ميزانية اسرائيل السنوية تعتبر من اكثر ميزانيات العالم ذات التوجه الحربي. وإذا ما نظرنا الى توزيعة الميزانية بموجب النسب المئوية، من الممكن ان تكون هذه الميزانية هي الأكثر حربية في العالم على الاطلاق، هذا إذا علمنا ان حوالي 33% من ميزانية اسرائيل تذهب لمصاريف الجيش والأجهزة الامنية على مختلف انواعها والشرطة، ومصاريف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية المحتلة.

مثلا فإن الميزانية المباشرة التي تذهب الى الجيش تبلغ اكثر من 44 مليار شيكل (اكثر من 10 مليارات دولار)، من اصل 259 مليار شيكل (حوالي 60 مليار دولار)، بمعنى ما نسبته 17% مباشرة للجيش، ولكن هناك أذرع أخرى للأمن، بالاضافة الى انه في ميزانيات مختلف الوزارات هناك مصاريف على "الأمن"، كما ان الصرف على الاستيطان والاحتلال نجده بشكل كبير في ميزانيات وزارات الداخلية والبناء والاسكان والمواصلات والتعليم وغيرها. والى جانب كل هذا فإن اسرائيل تخصص سنويا 33% من ميزانيتها لتسديد الديون الخارجية والداخلية، والتي حصة كبيرة جدا منها قد صرفت على العسكرة.

كما ان هذه الميزانية لا تتجاوب مع المطلب الدائم في سد الفجوات وانهاء سياسة التمييز ضد العرب، وما تنثره الحكومة ليس سوى الفتات، لا بل كما يقول النواب العرب، فإن هذه الحكومة تبيع البضاعة مرتين، وأكثر، بمعنى ان جميع البنود المخصصة للعرب، والتي لا تستطيع الحكومة التهرب منها، تعرضها الحكومة وكأنها امتيازات للعرب، بمعنى لو انها لم تكن موجودة لما حصل العرب على شيكل واحد. ونعطي هنا مثلا، فقد اعلنت وزارة المعارف منذ الخريف الماضي انها ستبني للعرب في هذا العام 460 غرفة دراسية، من اصل 1700 غرفة ناقصة، وقد اعلنت هذا وزيرة المعارف ليمور ليفنات امام اللجنة المالية البرلمانية في تاريخ 28 شباط/ فبراير الماضي. وعلى الرغم من ان هذا الأمر منته، إلا أن الحكومة تدعي الآن انها تجاوبت مع طلب القائمة الموحدة وقررت بناء 400 غرفة دراسية للعرب، بمعنى اقل بستين غرفة من تعهد الوزيرة الاصلي من دون اي مفاوضات!. وهذا مثال واحد على ألاعيب الحكومة ومناوراتها.

بمعنى آخر فإن اي تأييد لميزانية اسرائيل لن يكون فقط على مطلب هنا أو هناك، وانما على مجمل الميزانية، بما فيها ميزانية التسلح والحرب والاحتلال والاستيطان.

هل الحكومة بحاجة الى النواب العرب

يتزعم اريئيل شارون تيارا سياسيا كان في الماضي يهاجم حكومة حزب "العمل" السابقة، برئاسة يتسحاق رابين، كونها اعتمدت على خمسة نواب من كتلتي "الجبهة الديمقراطية" و"القائمة الموحدة" (حكومة اتفاق اوسلو)، ولكن شارون وصل الى وضعية جعلته يعتمد على بعض النواب العرب في ثلاث حالات.

ولكن من المستبعد ان يطلب اغلبية يكون اعتمادها على جميع النواب العرب، ويجمع المراقبون على ان توجه شارون الى الكتل الثلاث هو جزء من مناوراته امام باقي الاحزاب والكتل البرلمانية، وهو يعرف انه ليس بامكانه الاعتماد سوى على نائبين من هؤلاء النواب.

شوقي خطيب لـ"المشهد الاسرائيلي": لا نتدخل في شؤون الكتل البرلمانية

في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي" قال المهندس شوقي خطيب، رئيس لجنة المتابعة: هناك اعضاء برلمان عرب يتبعون لكتل برلمانية على اساس سياسي، ومن حق كل كتلة ان تجتهد وأن تعمل بموجب برنامجها وفكرها السياسي، لذلك كل الكتل السياسية تطرح قضايا الجماهير العربية، ولكن هناك ارتباط وثيق جدا بين المطالب اليومية للعرب في اسرائيل وبين المطالب السياسية الوطنية، ولا يمكن الفصل بين الأمرين اطلاقا، وهذا ما يدعو الى النظر الى مجمل السياسة.

ويمضي خطيب قائلا: أما في ما يتعلق برؤساء السلطات المحلية العربية فإن مطالبهم ليست جديدة وهي مطروحة في كل عام، ومن واجبهم الضغط من اجل الحصول على ميزانيات اكبر لمجالسهم البلدية.

وفي رد على سؤال حول مصير أية مفاوضات مع الحكومة، خاصة وان هناك كتلاً تطرح الجانب السياسي، وليس فقط المالي، قال خطيب: في تقديري لا يمكن لأية كتلة برلمانية سياسية ان تدوس على خطوطها السياسية الحمراء، فالخط السياسي هو الموجه والمقرر في النهاية، وإذا أردت معرفة موقفي الشخصي، فأنا استبعد كليا ان يلجأ رئيس الحكومة اريئيل شارون في نهاية المطاف الى النواب العرب فقط من أجل الحصول على أغلبية لميزانيته.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات