المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ليس لدينا أدنى شك في أن العملية الإرهابية اليهودية التي نفذها عيدان نتان زادة بحق مواطنين عرب فلسطينيين من شفاعمرو، تأتي في سياق الاقتراب من تنفيذ خطة الفصل الشارونية. ويقف المتابع للشأن الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة حائرا أمام تسارع التصريحات والكم الهائل من المعطيات التي يجري تقاذفها في الإعلام الإسرائيلي بين مؤيد لشارون وبين معارض له ولخطته، تجعلك تبحث من يقف حقا وراء هذه العملية التي استهدفت مدنيين عرباً، هل هم المستوطنون أم المؤسسة الإسرائيلية نفسها؟

من هو هذا الجندي الهارب من الجيش (أكثر الجيوش أخلاقية) وفق الإعلام الإسرائيلي؟ من هو هذا المستوطن الذي يسكن في ريشون لتسيون أول مستوطنة يهودية وذهب فقط قبل فترة وجيزة ليسكن في مستوطنة "تبواح"؟ ومتى ترك الرسالة في قاعدة خدمته العسكرية التي تقول إنه لن ينصاع لأوامر نظام يطرد اليهود من مستوطناتهم؟ ما علاقة المراسلة العسكرية كرميلا منشيه وتقريرها الصحفي وشكاوى والدة المجرم عن الخطر الذي يحمله ابنها؟.

ولماذا لا نتهم شارون مباشرة والمخابرات الإسرائيلية مثلا خاصة وأن هناك عدة دلائل وقرائن تدعو المتتبع لأن يتساءل: هل تهدف هذه العملية لردع المستوطنين وتوجيه الاتهام لهم بتهديد الأمن الداخلي وفتح جبهة داخلية جديدة؟ أم أن المستوطنين يريدون الضغط على شارون واستعمال المواطنين العرب رهائن لمنعه من تنفيذ خطته؟

هاتان إمكانيتان لا ثالثة لهما، وفي كلتا الحالتين تتحمل المؤسسة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة، خاصة وأن نتان زادة معروف للأجهزة الأمنية أنه "ولد مشاكس يتجول بسلاحه"، ويحدثونك عن "طهارة السلاح"، ويختلط الحابل بالنابل عندما نكتفي باتهام المستوطنين وكأن الدولة خارج الجريمة، والحديث مع رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الأمن الداخلي ورئيس الدولة نفسها والتملق لهم برغم الجريمة، ووعدهم بالحفاظ على الهدوء والنظام هو تحايل على العقل وإبعاد الشبهات عن مرتكب الجريمة الحقيقي وإنقاذ مؤسسة أمنية من محنة تنفست الصعداء مع مقتل المجرم، وأي محاولة لاستقبال شارون للعزاء "وأخذ الخاطر" كما يقول أهلنا في الجليل هي محاولة باهتة لتنفيس الغضب الشعبي، وهروب من المسؤولية القانونية والأخلاقية.

قلنا أكثر من مرّة إن شارون نجح في أن يقسم الشارع الإسرائيلي إلى شقين، الشق المؤيد له ولخطته الانفصالية "السلامية" من طرف واحد، وشق المستوطنين المعارضين للتنازل عن أي شبر من "أرض إسرائيل"، من طرف آخر.

لذلك فإن عملية شفاعمرو هي نتاج الصراع الداخلي، ولذلك لا نستطيع أن نعرف بالضبط من الذي أرسل نتان زادة، المخابرات أم المستوطنون. من حقنا أن نتهم، ومن حقنا أن نضع الشكوك حول هوية الفاعل الحقيقي ومن يقف وراء جريمته النكراء، ومن المهم أن يعرف الناس أن المخابرات الإسرائيلية لها رصيد كبير في "الأعمال الوسخة"، لذلك ليس صدفة أن نسمع عن تهاون وإهمال وعدم علاج شكاوى ضد زادة، هذا يعني أن هناك خيوط مؤامرة حيكت واستغلت بدهاء، نذكر فقط أنه قبل فترة وجيزة كشف أحد المعلقين الإسرائيليين أن بعض التصفيات والاغتيالات في قطاع غزة تمت دون علم القيادة السياسية، لكن هذا لا يعني أن نؤمن "بنظرية المؤامرة"، لقد قيل الكثير عن خطة الفصل الشارونية لدرجة أنه راج في الإعلام كلام فارغ من نوع تغطية على فضيحة شارون بشأن الجزيرة اليونانية.

لقد شيّع عرب الداخل جثامين الشهداء وهذا أقل ما يمكن عمله وهو أضعف الإيمان، لكن هذا الملف يجب أن لا يغلق بهذه السرعة كي لا تتكرر جرائم أخرى، ويجب أن لا نستحي أن نعترف أن العرب في هذه البلد عليهم الانتظام والتنظيم خاصة وأن مستوى اغترابهم عن قضيتهم عال، وأن اللامبالاة معششة في مجتمعهم وفي الوقت نفسه لا يثقون في الدولة والمستقبل، مما يتطلب من القيادات والقوى الوطنية أخذ دورها الآن الآن وليس غدا.

علينا أن لا نكتفي بالقول إن الفلسطينيين هم الضحية والإسرائيليين هم الجلادون، ولا دخل لنا هنا في صراعات شارون الداخلية مع المستوطنين خاصة أنه أحد آباء الاستيطان الصهيوني وسرقة أراضي العرب، المتهم هو المؤسسة الإسرائيلية الأمنية وكل الاتهامات المباشرة للمستوطنين أو الإعلام الإسرائيلي لعدم نزاهته مثلا هو سذاجة ما بعدها سذاجة، ومن يتوقع الخير من هكذا إعلام وهكذا مؤسسة يطعم نفسه "جوزا فارغا".

المصطلحات المستخدمة:

ريشون لتسيون, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات