المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كان نتنياهو، بعد ظهر أول من أمس الأحد (7/8/2005)، كمن يحمل أمتعته يريد الهرب من وجه العاصفة التي تنتظره، لقد وصل إلى قناعة أنه أمام معركته الأخيرة، وأمام فرصته الأخيرة للعودة الى سدة الحكم، من خلال عودته إلى زعامة الليكود، ولم يكن قراره السريع بعد اقل من اسبوعين من إعلانه تشبثه بمقعده الوزاري، إلا دلالة على حالة التوتر التي تملكته مع إعلان زعيم جناح اليمين المتشدد عوزي لنداو ترشيح نفسه لرئاسة الليكود، فقد انقض لنداو على "الكعكة" التي كان يستعد نتنياهو لالتهامها (اقرأ تحليلا منفصلا حول الموضوع).

ولم تكن حالة التوتر غريبة عن نتنياهو، فهذه هي الحالة التي تملكته في سنوات عمله السياسي منذ العام 1988 حين دخل لأول مرة الى الكنيست نائبا، وهي الحالة التي أوقعته في مطبات سياسية وتقلبات في مواقفه، كانت كلها تصب في خدمة هدف واحد: "بقاء نتنياهو زعيما".

ظهر بنيامين نتنياهو لأول مرّة على الساحة السياسية في اسرائيل في العام 1984 عندما عينته الحكومة الإسرائيلية سفيرا لإسرائيل في الأمم المتحدة حتى العام 1988، إلى أن انتخب للكنيست في تلك السنة وعين نائبا لوزير الخارجية.

جاء نتنياهو الى الساحة السياسية أشبه برعاة البقر الأميركان بلكنته الأميركية، وأسلوبه الإعلامي الأميركي، في محاولة لاجتذاب الإعلام بنوع من الغوغائية، لكن هذا الأسلوب لم ينقذه في امتحانه الإعلامي الأصعب في خريف العام 1991، في مدريد امام الناطقة الفلسطينية الدكتورة حنان عشراوي، فتلقى صفعات مدوية حتى من الإعلام الإسرائيلي الذي انتقده.

بعد هزيمة حزب الليكود في انتخابات 1992 واستقالة زعيم الحزب يتسحاق شمير، تنافس نتنياهو على زعامة الحزب امام دافيد ليفي، وكان فوز نتنياهو سهلا في تلك السنة بسبب غياب الوجوه التقليدية والتاريخية عن المنافسة.

وطيلة فترة حكومة حزب "العمل"، بزعامة رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين، التي خاضت مسار اتفاقيات اوسلو، قاد نتنياهو معسكر اليمين الإسرائيلي ضد هذه الاتفاقيات، وفي العام 1996 استطاع ان يهزم منافسه على رئاسة الحكومة شمعون بيريس، بفارق أقل من نصف بالمئة، في انتخابات وضعت عليها علامات سؤال كثيرة بسبب قضايا التزوير.

حين وصل نتنياهو الى رئاسة الحكومة اصطدم بالواقع الجديد، وحاول بداية الامتناع عن المضي قدما في مسار اوسلو، ولكنه في غضون أسابيع اضطر للعدول، وجلس أمام "عدوه المعلن واللدود" الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي أصبح لاحقا "صديقي ومن الممتع الجلوس معه" حسب تعبيره، وكانت هذه نقطة انكسار له أمام معسكر اليمين المتشدد الذي انتخبه من أجل برنامج سياسي آخر.

وسقط نتنياهو في الكثير من الامتحانات والحماقات السياسية، فبعد سنوات من الهدوء والانفراج، أقدم على فتح نفق من تحت المسجد الاقصى المبارك، فاندلعت مواجهات أسقطت خلال ثلاثة ايام 85 فلسطينيا و15 جنديًا إسرائيليًا.

وسارع نتنياهو للخروج من هذه الأزمة فاندفع إلى اتفاق الخليل، وكانت هذه نقطة الانكسار الثانية التي أدت الى استقالات من حكومته، وبعد أقل من عام توجه نتنياهو إلى واي بلانتيشن لتوقيع اتفاق آخر وكانت هذه أيضا نقطة انكسار ثالثة.

وظهر نتنياهو على الساحة السياسية كمن بامكانه أن يغيّر لونه ومواقفه بسرعة البرق، وعدم مقدرته على الصمود أمام الضغوط الدولية، وحتى الحزبية، وكمن يسعى طوال الوقت للتشبث بمعقده المخملي.

في العام 1999 تسبب نتنياهو بسياسته المتقلبة في إنزال حزبه عن الحكم بخسارة مدوية أفقدته 45% من قوته البرلمانية، وأعلن نتنياهو فورا انسحابه من الساحة السياسة، فغاب عن الإعلام وعاد إلى البلاد التي أحبها، الولايات المتحدة.

بعد أن رأى في العام 2000 الزلازل التي عصفت بحكومة ايهود باراك التي خلفته، عاد نتنياهو على وجه السرعة إلى الساحة السياسية، وحاول العودة إلى زعامة الليكود، فوجد أمامه أريئيل شارون يقود الحزب ويرممه ويعزز مكانته في اليمين، وحاول منافسة شارون مجددا على زعامة الحزب إلا أنه تراجع في اللحظة الاخيرة ورفض الانخراط في حكومة شارون الأولى.

في خريف العام 2002 خسر نتنياهو المنافسة على زعامة الحزب أمام شارون، وبعد فوز الحزب في انتخابات شتاء 2003 تبوأ نتنياهو منصب وزير المالية، فقاد سياسة اقتصادية صقرية، ضرب من خلالها الشرائح الفقيرة والمتوسطة.

وضع نتنياهو نفسه طوال الوقت في خانة الند لشارون طمعا بالعودة إلى زعامة الحزب، وفي الأشهر الـ 13 الأخيرة ظهر نتنياهو على حاله ولم يتغير عنده شيء، فقد تقلب في مواقفه من خطة فك الارتباط عدة مرات، وقد أيدها أكثر من مرّة في عدة عمليات تصويت في الكنيست، وعمل على إعداد برنامج التعويضات المالية للمستوطنين.

حاول نتنياهو مغازلة جناح اليمين المتشدد لكسب تأييده، ولكن هذا الجناح أسقطه عن زعامة الحزب في العام 1999، ولا يؤمن به. وتلقى نتنياهو في الأسبوع الماضي صفعة جديدة بعد أن أعلن زعيم جناح اليمين المتشدد في الليكود عوزي لنداو عزمه ترشيح نفسه، وهو ما يعني الضربة القاضية لنتنياهو، وهذا هو السبب الذي دفعه يتراجع عن قراره السابق بعدم الاستقالة والإسراع في تقديم استقالته.

إن نتنياهو أحد ابرز الشخصيات السياسية الاسرائيلية في العقد الأخير التي كسّرت قوالب السياسة التتقليدية، وحولتها إلى أشبه ببرنامج "توك شو" أميركي، وسيجد له خانة كبيرة في تاريخ الخارطة السياسية في اسرائيل، في المستقبل، وهذا لا يعني أنه زائل عنها اليوم.

إن تلون نتنياهو السياسي وتقلبات مواقفه ونظراته الحادة الترقبية "تمنحه" لقب: "حرباء السياسة الإسرائيلية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات