المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في تشبيه تحول الى فولكلور، تحدث وزير المالية الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن معادلة السمين والنحيف في حياة الاسرائيليين الاقتصادية، وكيف أن القطاع العام سمين، حيث يستأثر بـ 55% من الناتج المحلي، بينما القطاع الخاص (المنتج والتجاري وهذا يتوقف على الوقت الذي يتحدث فيه الوزير) نحيف. اذ انه يكتفي بما تبقى فقط، اي بـ 45%. وما دام النحيف يحمل السمين على ظهره، فليس من المفاجئ او المستغرب ان تخور قواه.

في تشبيه تحول الى فولكلور، تحدث وزير المالية الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن معادلة السمين والنحيف في حياة الاسرائيليين الاقتصادية، وكيف أن القطاع العام سمين، حيث يستأثر بـ 55% من الناتج المحلي، بينما القطاع الخاص (المنتج والتجاري وهذا يتوقف على الوقت الذي يتحدث فيه الوزير) نحيف. اذ انه يكتفي بما تبقى فقط، اي بـ 45%. وما دام النحيف يحمل السمين على ظهره، فليس من المفاجئ او المستغرب ان تخور قواه.
هذه الاستعارة التي قام بها نتنياهو تعتبر جذابة من حيث بساطتها، لكن هذه البساطة مضللة، فالصورة اشد تعقيدًا بكثير. فالوزن النسبي للقطاع العام في الاقتصاد، يمكن قياسه بعدة طرق، كما ان النتائج مختلفة كلياً.

1 – النسبة بين الانفاق العام وبين الناتج المحلي

يشمل الانفاق العام، حسب التعريف او المفهوم الواسع الذي يستخدمه بنك اسرائيل، ميزانيات الحكومة والتأمين الوطني والسلطات المحلية والوكالة اليهودية، اضافة الى مؤسسات عامة مختلفة تعتمد على الخزينة العامة. في العام الماضي بلغت النسبة والتناسب بين الإنفاق العام بمفهومة الواسع المشار اليه، وبين الناتج المحلي 55% (واذا اضفنا فروق فوائد المديونية العامة التي تعتبر حسب المفهوم الدولي إنفاقًا عامًا، فان هذه النسبة تصل الى 60%).

ولكن هل يعني ذلك ان كعكة الناتج القومي الذي انتجه الاسرائيليون العام الماضي تكونت من 55% من الإنفاق الحكومي و 45% من الإنفاق الخاص؟!

الجواب: كلا بالمطلق. فالناتج يستخدم في هذه المقارنة كمؤشر قياس فقط وكقاسم مشترك لمقارنات حول فترات زمنية وفي دول مختلفة، وليس كوحدة واحدة، يشكل الانفاق الحكومي مكوناً من مكوناتها. لذلك ينبغي البحث في مكان آخر عن الأرقام المتعلقة بتوزيع الانتاج في الاقتصاد، بين ما ينتجة القطاع العام وما ينتجة القطاع الخاص.

2 – حصة (اومساهمة) القطاع العام في الانتاج على اختلاف فروعة

بلغ المردود الانتاجي للاقتصاد الاسرائيلي في العام المنصرم ما مجملة 486 مليار شيكل. وقد بلغ مردود انتاج قطاع الخدمات الحكومية والعامة والجماهيرية ما قيمته 104 مليار شيكل، تشكل ما نسبته 21% من التاتج الاجمالي، فيما بلغ مردود القطاع التجاري وفرع السكن (وهو قطاع خاص ايضًا) ما نسبته 79% من الناتج الاجمالي.

وهكذا انقلبت الصورة، فالسمين اصبح نحيفًا والنحيف سمينا! من هنا فان هذا القياس ليس دقيقًا او مكتملاً. اذ ان هناك جزءًا من الانتاج التجاري في اسرائيل يتم بواسطة شركات ومؤسسات اقتصادية تملكها الحكومة. وعلى سبيل المثال فان شركة الكهرباء تحسب مع القطاع التجاري، على الرغم من انها شركة حكومية. وكذلك الحال بالنسبة لشركة "بيزك" و "مكوروت" والصناعات الجوية والعسكرية و"ال-عال" وبنك لئومي وغيرها. وبحساب جاف جدًا يمكن ان ننسب للقطاع العام نحو عَشر آخر من انتاج قطاع الاعمال التجارية، وبالاجمال فان نصيب او اسهام الملكية العامة في الانتاج يصل الى حوالي 30% في حين يصل اسهام قطاعات الملكية الخاصة الى حوالي 70%.

3 – وزن الاستهلاك والاستثمار العام في الانتاج

يمكن النظر الى الانتاج من جانبيه: من الذي يقوم بانتاجه (وقد وجدنا هنا ان القطاع الخاص ينتج ما لايقل عن 70% من الناتج) ولأي غرض يستخدم. في العام 2002 استخدم 28% من الانتاج للاستهلاك العام، أُنفق على الامن (7.5%)، والاستهلاك العام المدني (التعليم، الصحة والحفاظ على النظام وخدمات الحكم والادارة).

كما استأثر الاستثمار العام بـ 2.6% من موارد الاقتصاد، وبالاجمال فقد استأثر القطاع الخاص بنحو 30,8% من الناتج المحلي.

كيف نفسر اذن كون النسبة بين الانفاق العام والناتج مرتفعة الى هذا الحد (55%) في حين ان الاستهلاك العام يبلغ 31% فقط من الناتج؟

الجواب: هناك نفقات عامة كثيرة، ولاسيما على شكل تحويلات وإعانات، لاتعتبر جزءًا من الناتج على الرغم من انها جزء من ميزانية الحكومة ومن حياة الاسرائيليين الاقتصادية. وهي تنتقل من جيب الى جيب دون ان تقدم للعملية الانتاجية اي اسهام او قيمة اضافية. والتحويلات والاعانات والمخصصات التي لا تعد انتاجًا، تشكل عبئًا ملموسًا على جمهور دافعي الضرائب.

4 – نسبة المستخدم المسن في القطاع العام

بلغ عدد المستخدمين في قطاع الخدمات العامة خلال السنة الماضية 654 الف عامل ومستخدم، يشكلون ربع مجموع المستخدمين. ولا تشمل هذه الاحصائية المستخدمين في الشركات الحكومية التجارية مثل شركة الكهرباء والهاتف (بيزك) والصناعات الجوية.

واذا اضفنا هؤلاء سنصل على الارجح الى حوالي 700 الف مستخدم في القطاع العام بالمفهوم الواسع، يشكلون مانسبته 27% من مجموع قوة العمل الفعلية او المستغلة.

فيما يلي نتائج القياسات المختلفة لـ "السمين و النحيف":

هل يعتبر وزن القطاع العام في اسرائيل حسب هذا القياس او سواه، شاذاً؟

في تقريره الاقتصادي الاخير اجرى بنك اسرائيل مقارنة بين اسرائيل ودول غربية متطورة بناء على النسبة بين الانفاق العام والانتاج، وقد اظهرت المقارنة ان الاسرائيليين يواجهون مشكلة حقيقية: فالانفاق العام الاجمالي كان في اسرائيل اعلى قياسًا مع الانتاج بنحو 11% الى 16% عن المتوسط القائم في دول الاتحاد الاوروبي والدول الصناعية.

هذا هو الاساس الواقعي لمطالبة او دعوة نتنياهو لاجراء التقليصات.

غير ان هذه المقارنة ستبدو مختلفة اذا ما عدنا سنتين الى الوراء، الى عام 2000. ففي ذلك الوقت لم يكن هناك تضخم مالي في اسرائيل، بل ارتفاع في معدلات النمو وازدهار في الاعمال، واستمر ذلك الى ان اندلعت الانتفاضة.

من هنا يتضح ان الاسرائيليين لم يكونوا في عهد حكومة العمل (عهد وزير المالية ابرهام شوحط) في حالة سمنة او بدانة كبيرة.

- صحيح ان نتنياهو كان دقيقاً بقوله ان الانفاق الاسرائيلي العام وصل في العام 2002 الى 55% من الانتاج، لكنه يجافي الحقيقة عندما يقول ان نصيب القطاع الخاص – التجاري – المنتج هبط الى 45% من الناتج الاجمالي. لا شك ان القطاع التجاري قد تراجع او تقلص لكنه لايزال ينتج نحو 70% من الناتج العام ويشغل نحو 75% من الايدي العاملة.

- نتنياهو يقول الحقيقة عندما يقول ان الوزن النسبي للميزانيات العامة في اسرائيل اعلى بكثير من المألوف في الاتحاد الاوروبي او الغرب. لكنه يبتعد عن الحقيقة عندما يعزو عبء الوزن الفائض للقطاع العام الى عدد المستخدمين في هذا القطاع والى اجور العمل. ففائض الوزن ينبع من ميزانية الامن والمديونية العامة والتضخم ودفعات التحويل والاعانات الاجتماعية.

- نتنياهو مصيب بتحذيره من ارتفاع العجز الحكومي الى اكثر من 4.5% من الناتج. فإزدياد العجز يعني، حسب مقياس عالمي، عجزًا اجمالياً يتراوح بين 6% و 7% من الانتاج، وهو وضع غير محتمل، وهناك من يؤكد انه خطير جداً على الاقتصاد الاسرائيلي.

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, بنك اسرائيل, بيزك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات