المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ثقافة وفن
  • 1852

لم يسأل أي أحد إسحق بما شعر به عندما أوشكوا أن يرسلوه إلى العليّ. ربما عرف الحمار. وربما كان هو وإسحق الوحيدين اللذين عرفا. هذا الحمار هو بمثابة نبيّ يراقب أحداثًا تاريخية، جيدة وشريرة، في ساعة وقوعها، لكنه لا يأخذ قسطًا في احتفالات النصر. وهو غير شريك في مناحات السقوط

 

* "المشهد الإسرائيلي": نقدّم هنا نصوصًا احتجاجية كتبت في أعقاب الحرب الأخيرة على لبنان للرسام والنحّات منشيه كديشمان والشاعرة مايا بجرانو وقد ترجمها عن العبرية محرّر "المشهد"، أنطوان شلحت. وقد كانت هذه النصوص بمثابة جزيرة معزولة وسط بحر متلاطم من نصوص تأييد الحرب التي شارك في كتابتها أدباء وشعراء كانوا حتى وقت قريب خارج تخوم "الإجماع".

 

مقطوعتان

 

بقلم: منشيه كديشمان (*)

 

 

1. ... وما بعد الحرب

 

... وبعد الحرب جلس راعيان يهودي وعربي،

موشيه ومحمد، على صخرتين مقدستين وفوق

أرض محروقة.
•كيف حالك يا محمد؟
•الحمد لله! وكيف حالك يا موشيه؟
•باروخ هشيم (الحمد لله).
•وكيف حال العائلة؟...
•قل لي، كم ولد عندك في القبر؟

 

2. الحمار

 

يقف الحمار على رأس التلّة، يراقب البلاد الصغيرة، يراقب أرض إسرائيل.

 

يحمل في جوفه مصير الشعب، وجع ودم الناس الذين يعيشون بين البحر والجبال، بين الصخور والأشواك والصحراء.

 

يرفع الحمار رأسه، كما لو أنه يسأل: "لماذا؟ لماذا يربّون أولادًا كما لو أنهم ورود، وبعد ذلك يضعون هذه الورود على الأضرحة؟".

 

يراقب الحمار المناظر الطبيعية.

 

ربما هو واحد من أنبياء إسرائيل. النبيّ الذي أثبت الشعب. النبيّ الذي أمطر فوق رؤوسهم الحب والغضب...

 

يقف الحمار هناك ويتعقّب نسرًا يطير بمفرده في الصحراء الحارقة. ينظر إلى شخص حافي القدمين يمشي فوق الحجارة المدببة ماضيًا إلى مصيره. ربما هكذا نظر من حوله حمار إبراهيم، عندما قاد هذا الأخير ابنه إسحق إلى جبل همورياه من أجل التضحية به وتقديمه قربانًا.

 

التضحية بإسحق ليست رحلة في التاريخ والحضارة فحسب. إنها حدث ورمز يعكس ضرورة أن نكفّ فورًا عن التضحية بشبان صغار السنّ في حروب جميع الشعوب.

أن نكفّ الآن! دون تأجيل.

لم يسأل أي أحد إسحق بما شعر به عندما أوشكوا أن يرسلوه إلى العليّ.

ربما عرف الحمار. وربما كان هو وإسحق الوحيدين اللذين عرفا.

هذا الحمار هو بمثابة نبيّ يراقب أحداثًا تاريخية، جيدة وشريرة، في ساعة وقوعها، لكنه لا يأخذ قسطًا في احتفالات النصر. وهو غير شريك في مناحات السقوط.

 

إنه يصرّ فقط على أن يطرح سؤالاً صغيرًا واحدًا: "لماذا يفعل البشر ذلك بأنفسهم؟!".

 

"ما هو طلبك يا بُنيّ"، سأل إبراهيم إسحق.

"فقط أن تسمعني يا أبي...".

 

____________________________

 

(*) منشيه كديشمان- من أبرز الرسامين والنحاتين في إسرائيل.

 

 

 

لا توجد حرب عادلة

 

بقلم: مايا بجرانو (*)

 

 

لا توجد حرب عادلة. وليست هناك حرب مبرّرة. ربما توجد أسباب عادلة من ناحية الذاهب إلى الحرب، لكن الحرب نفسها هي مصطلح غريب وناء عن موضوع العدل. العدل يصنعونه في المحكمة: بين إنسان وزميله، بين إنسان وخصمه، بواسطة الكلام وبصلاحية القانون، بينما لغة الحرب هي لغة القوة والحسم المادي في ميدان المعركة.

 

من هذه الناحية فنحن كما لو أننا ننضم إلى الصراعات ضد الطبيعة. إنه سقوط، ونكوص صادم وموجع أن لا يقدر الجنس البشري على التخلص من صورة القتل هذه.

 

صحيح أن الإنسان هو مخلوق مقاتل بطبعه، كما كتب الشاعر دافيد أفيدان في "كتاب الإمكانيات" يقول:

"الإنسان هو مخلوق عدواني بطبعه / حتى لو أبقيته مع ذاته فقط لوقت معقول / فلا مهرب من أن يبدأ في لحظة معينة بمهاجمة نفسه بشكل كثيف".

 

وجاء في قصيدة أخرى لأفيدان:

"لا أحد يقاتل حربه الخاصة/... متى سيخوض الإنسان أخيرًا حربه الخاصة؟ / الإنسان الذي يخوض حربه الخاصة بمقدوره أن يبلغ السلام / ... ما الذي في جعبة الأولاد لكي يحاربوا؟ إنهم عمومًا ليسوا في هذا النزاع. / لنفترض أنهم كانوا يكفون عن توريث الكراهية هنا وأيضًا هناك/ ففي لحظة معينة وبكل بساطة لن تكون حروب في العالم".

 

هذا ما كانه أفيدان. وليت هذا المنطق الصحّي انتقل بالوراثة إلى كثيرين غيره في عالمنا الراهن.

 

لكن حسب رأيي ولأسفي على السواء، فإنّ الصراع العنيف هو جزء من البنية النفسانية للإنسان.

 

في إحدى قصائدي بعنوان "أوضاع حرب" كتبت:

"البنية النفسانية / الجيولوجيا النفسانية البشرية / تنطوي في داخلها طوال الوقت على جمرة نار / طوال الوقت تضطرم هناك حرب / حرب كحضور دائم / عند تحلل المادة".

 

ما يخيّب الأمل في السياسة الإسرائيلية في الأجيال الأخيرة هو أنه لا يوجد جهد عميق ومنهجي للالتفاف على هذه الطريق وخلق مفاوضات من الكلام. لقد استخفوا أكثر من اللازم، وأكثر من اللازم ناموا على أمجاد الماضي، على الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وعلى افتراضات أخرى من هذا القبيل ناجمة عن العمى والتبجّح، وعن ولاء شبان صغار للتضحية بأنفسهم بغية إرسالهم إلى القتال، وفورًا بعد ذلك يخفّون إلى كيل المديح لهم وإلى التباهي ببطولتهم والغرق مرة أخرى في الأساطير.

 

وسبقني من قال إنه في هذه الحرب لم يتردّدوا كفاية ولم يفكروا كما ينبغي.

 

للحظة اعتقدت خطأ أن هذه الحرب هي حقًا ملاذنا الأخير أمام حزب الله وإيران، لكن البقية ألقت ظلاًً ثقيلاً على ما يحصل في لبنان وعلى موت ومعاناة إسرائيليين وعرب ولبنانيين.

 

ولست أتهمهم. فإنهم ينقذون مواطني الدولة من البرابرة... هكذا يقولون.

_____________________________

 

(*) مايا بجرانو – شاعرة إسرائيلية.

المصطلحات المستخدمة:

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات