المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 1289

كتب أنطوان شلحت:

 صادق الكنيست الإسرائيلي يوم 21 آذار 2007 على تمديد العمل لمدة 15 شهرًا (أي حتى نهاية تموز 2008) بقانون المواطنة العنصري، الذي يمنع لمّ شمل العائلات من سكان القدس الشرقية المحتلة والعرب في إسرائيل الذين تزوجوا من مواطني المناطق المحتلة. وسبق أن ردّت محكمة العدل العليا في العام 2006 الالتماس الذي تقدمت به "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" ومركز "عدالة" ضد القانون. بالإضافة إلى ذلك، فقد قرّر الكنيست توسيع نطاق القانون بحيث يشمل مواطني سورية، لبنان، العراق وإيران، التي تعتبرها إسرائيل "دولا معادية"!.

 

وهكذا سيستمر المسّ البالغ بالحق في حياة أسرية لعشرات آلاف الأشخاص، من مواطني وسكان إسرائيل الفلسطينيين ومن مواطني المناطق الفلسطينية المحتلة على حد سواء. وسوف يضطر المواطنون والسكان الفلسطينيون في إسرائيل، الذين تزوجوا من سكان المناطق الفلسطينية، إلى العيش منذ الآن منفصلين عن شركاء حياتهم. أما الأزواج الذين يقرّرون العيش معا في إسرائيل (بما في ذلك القدس الشرقية)، بما يخالف تعليمات القانون المذكور، فلن يكون في وسعهم إقامة حياة منتظمة وسوف يضطرون إلى العيش في ظل الخوف من طرد أزواجهم/ زوجاتهم الأجانب/ الأجنبيات. وإذا ما اختار هؤلاء الأزواج العيش في المناطق الفلسطينية، فسوف يُعتبر "الإسرائيلي" منهم مخالفا للقانون، إلا إذا حصل على إذن خاص للسكن في الأراضي المحتلة، لأن الأمر الخاص الذي أصدره قائد المنطقة العسكري يحظر على الإسرائيليين الدخول إلى مناطق A في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. أمّا الأزواج الذين تزوجوا قبل المصادقة على القانون وأحدهم من سكان المناطق الفلسطينية ولم يحصل على مكانة ثابتة في إسرائيل، فإنّ في وسعهم العيش معاً طبقا لمصادقات مؤقتة ينبغي عليهم استصدارها من الإدارة المدنية. ومن الصعوبة بمكان استصدار مثل هذه المصادقات، علماً أن إسرائيل تقوم بإلغاء مفعولها في أحيان متقاربة.

يعتبر هذا القانون فريدًا من نوعه وغير معمول بمثله في أي مكان آخر في العالم .وعلاوة على ذلك فإنه علامة دالة أخرى على وضعية التمييز العنصري ضد المواطنين العرب لمجرد كونهم كذلك، والتي تفاقمت في الأعوام الأخيرة. كما أنه يعكس، إلى حدّ بعيد، ما يمكن اعتباره "روحًا إسرائيلية" تتجوهر أساسًا حول الغاية التقليدية للحركة الصهيونية وشعارها "أرض أكثر وعرب أقل".

وتنسحب هذه "الروح" على السياسة الإسرائيلية الخارجية. فبعد انتهاء الحرب على لبنان دعا المعلق الصحافي والباحث الاجتماعي الإسرائيلي دانيئيل بن سيمون ("هآرتس"، 15 آب 2006) إلى أن تخرج إسرائيل من شرنقة الأحادية وأن تلتفت قليلاً إلى محيطها الإقليمي. لكن دعوته ظلت أشبه بصوت صارخ في البرية، في خضم أصوات أخرى ألّحت على التخندق أكثر فأكثر في هذه الشرنقة.

ومما كتبه في هذا الصدد:

في السنوات الأخيرة تعزّزت نزعتنا القسرية للتحادث مع أنفسنا حول التسوية مع العرب، كما لو أن النزاع الحقيقي في الشرق الأوسط هو بين اليمين واليسار (في إسرائيل).

منذ ست سنوات توقفت السياسة الإسرائيلية عن التقدّم ولو خطوة واحدة إلى أمام. النتيجة كانت مروّعة. فلقد أوصدت إسرائيل الأبواب في وجه جيرانها وعقدت العزم على الوصول إلى تسويات سياسية وفقًا لما تفكر به وبسجال مع ذاتها عبر التغاضي عن جيرانها.

ربما يكمن مصدر العدوانية تجاهنا في طبيعتنا الأنانية وفي عدم تعاملنا مع جيراننا، في عدم استعدادنا لرؤيتهم عن بعد متر واحد... كما لو أن العرب هوام لا يليق التحادث معهم.

وكجزء من يأسنا فإننا نحيط أنفسنا بسور ونحوّل شعار الانبعاث القومي إلى غيتو محض ومحكم الإغلاق من كل ناحية.

 

ما يقول به بن سيمون بالنسبة لجوهر السياسة الإسرائيلية الراهنة حيال المحيط الإقليمي ينسحب كذلك، بكيفية ما، على المواطنين العرب في إسرائيل لناحية تجاهل الدولة لحقوقهم. أمّا وجودهم فقد أصبح، في الغالب، مثار بحث لا في إطار ما يستحقّه ضمن نطاق المواطنة، إلا في ما ندر، وإنما في إطار ما يشكّله هذا الوجود من تهديد على "الطابع الديمغرافي اليهودي لدولة إسرائيل".

 

ومؤخرًا على أثر الانسحاب الأحادي الجانب من غزة أشار باحث جامعي إسرائيلي آخر، هو أورن يفتاحئيل، إلى أنّ إسرائيل اختارت طريق تعميق الكولونيالية الداخلية. فالسيطرة والتمييز تجاه الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل ليسا بالشيء الجديد كما هو معروف، لكنهما يسيران كما يبدو في منحى التعاظم والتفاقم في أعقاب الانسحاب من غزة وفي خضم التوقعات بحصول انسحابات أخرى، قبيل أن تندلع الحرب على لبنان وتبدّد حتى هذه التوقعات شذر مذر، لجهة تنذر بما هو أكثر سوءًا.

 

ولعل إيراد عدة أمثلة من الفترة الأخيرة كفيل بإثبات صحة ما يقوله هذا الباحث.

 

بدايةً هُناك النقاش المستمر لـ"المشكلة الديمغرافية"، والذي يولّد سَيلاً من المبادرات الرامية إلى إقصاء العرب من الحياة الإسرائيلية.  وتشمل هذه المبادرات الاقتراحات الداعية إلى "تبادل سكاني" بين المستوطنات (في الضفة الغربية) ومنطقة المثلث (داخل الخط الأخضر) والتي سيتعيّن في نطاقها على عرب المثلث أن يدفعوا مكانتهم المدنية ثمنًا لجريمة المستوطنات التي بنتها إسرائيل.

 

وثانياً هناك خطط مختلفة مطروحة للنقب- وخاصة مبادرة "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي"- تساند وتدعو إلى إخلاء قسري لقرى البدو القائمة في معظمها على أراضي آبائهم وأجدادهم.

 

وثالثاً هناك أنظمة حالات الطوارئ التي تحظر منذ عدة سنوات تجسيد أحد حقوق المواطن الأساسية جداً، وهو جمع شمل عائلات مواطنين عرب من إسرائيل مع فلسطينيين (زوجات وأزواج) من المناطق الفلسطينية المحتلة العام 1967، والتي لم يسعف التوجه إلى المحكمة العليا في درء أو حتى تحجيم لدغتها العنصرية. وهذه المبادرات تسوّقها الدولة بغطاء تمويهي، من قبيل: (فرض) "القانون والنظام" في موضوع البدو، و"السلام" في موضوع نقل المثلث، أو "منع الإرهاب" في قضية جمع شمل العائلات.

 

لكن هذه الذرائع الواهية والكاذبة تخفي وراءها العنصرية العميقة لـ"لدولة الإثنوقراطية" (وهو مصطلح سبق أن صكّه يفتاحئيل لتوصيف "الديمقراطية الإسرائيلية") التي تعمل دون كلل، وبشكل لا ديمقراطي، على تعميق السيطرة اليهودية وسط إقصاء وحرمان السكان العرب في إسرائيل من موارد القوة والأراضي العامة.

 

وللمفارقة فقد نشرت لجنة الدستور التابعة للكنيست مؤخرًا مسودة الدستور العتيد للدولة. غير أنّ هؤلاء السياسيين أنفسهم، الذين تلهج حناجرهم بأهمية الدستور الديمقراطي، يصممون ويصوغون في الوقت ذاته سياسة تحوّل إسرائيل إلى دولة أبرتهايد زاحف ذات ماركة صهيونية مسجلة.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات