المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

سُئل سياسي أجنبي، التقى مؤخرًا لمحادثة مطولة مع أريئيل شارون، ما إذا كان انطبع من أن رئيس الحكومة على إستعداد للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، يكون منوطًا بتنازلات. "ليس هناك أي احتمال" أجاب السياسي. "شارون يؤمن بأن الأمن متعلق بالبقاء في المناطق (المحتلة)".شارون لا يقول "لا" أبدًا في المواضيع السياسية، وهو يغلّف مواقفه الصلبة دائمًا بـ "نعم، ولكن". ويرفق شارون بكل وعد أو رمز لتنازل مستقبلي ثمنًا غاليًا مفروضًا على الطرف الآخر. وكل مقابلة أو خطاب تحتوي على ذكر لتنازلات ومرونة، تكون مرفوقة بتصلب في المواقف. وفي المقابلة مع آري شفيط، التي نُشرت في "هآرتس" (13/4)، تحدث رئيس الحكومة عن رغبته في التوصل إلى إتفاق وعن إستعداده لتسويات مؤلمة، مثل إقامة دولة فلسطينية والتنازل عن مساحات من أرض الوطن - وعندها جاء دول الـ "ولكن": إحتمال التوصل إلى إتفاق "متعلق قبل كل شيء بالعرب"، الذين عليهم أن يقضوا على "الارهاب"، وأن يقوموا بإصلاحات وأن يغيروا قيادتهم. هذه مطالب قديمة من شارون، وأضيف عليها هذه المرة مطلب تنازل الفلسطينيين عن "حق عودة" اللاجئين.

وتشكل مسألة "حق العودة أولا" التغيير الأساسي في الموقف الاسرائيلي، منذ سقوط حكومة الوحدة القومية وتبديلها بحكومة يمين. وقد طرح الوزيران بنيامين نتنياهو وتسيبي ليفني أولا، الفكرة، بأن تبدأ العملية السياسية في تنازل الفلسطينيين عن مطلب إعادة اللاجئين. وهكذا يثبت الفلسطينيون للجمهور الاسرائيلي الشكاك أنهم ينوون فعلا إنهاء النزاع. وتوافق إسرائيل من جهتها على قيام دولة فلسطينية في الاتفاقات المرحلية، ومقابل ذلك تتحرر من تهديد سيل اللاجئين إليها.

ورأى شمعون بيرس ورجاله في هذه الصيغة وصفة لتفجر العملية في بدايتها، تحت غطاء مطلب منطقي مفترض. ولكن بعد خروجهم من الحكومة تبدلت الرياح. فقد اشتم دوف فايسغلاس، مدير مكتب شارون، والذي ركز صياغة الرد الاسرائيلي على "خارطة الطريق"، رائحة الخطر، وحاول رد الضغوطات من اليمين عن طريق صياغات ضبابية، يعلن فيها الفلسطينيون في بداية العملية عن إعترافهم بإسرائيل كـ "دولة يهودية". وقد نُظر إلى هذه الصياغة على أنها نفي لحق العودة، وهي مقبولة أيضًا على النظام الأمريكي (وزير الخارجية الأمريكي، كولين باول، أعلن عن هذه الصياغة في "خطاب لوائيل" في تشرين الثاني 2001). وقد عاد شارون على هذه الصياغة في مقابلته مع "هآرتس".

ولكن الاعتراف بدولة يهودية لا يكفي وزير الخارجية الجديد، سيلفان شالوم، الذي شغّل ضغوطات كبيرة على شارون لتصليب مواقفه. وفي النقاش في الأسبوع الماضي استجاب رئيس الحكومة، وطلب من فايسغلاس عرض صياغة أكثر حدة في محادثاته في واشنطن، غدًا. ونصت التسوية التي أبرمت قبل خروجه إلى الولايات المتحدة، على أن تبقى مسودة الرد الاسرائيلي على "خارطة الطريق" كما هي، مع "الدولة اليهودية"، بينما يُعرض خلال النقاشات المطلب الصريح في التنازل عن حق العودة.

شالوم لم يتنازل. فقد سافر مستشاره السياسي إلى الولايات المتحدة مع فايسغلاس. وقال وزير الخارجية، (13/4)، لنظيره السلوفاني، إدوارد كوكان: "إسرائيل لن توافق على وضع يحصل فيه الفلسطينيون على أقسام كبيرة مما يرغبون في الحصول عليه، من دون أن يتنازلوا بصراحة عن حق العودة". وفي محادثة مع باول يوم الجمعة الأخير (11/4)، حذّر شالوم من أن "خارطة الطريق" في صياغتها الحالية لن تمر في الحكومة، ولذلك فإن التعديلات التي تقترحها إسرائيل تهدف "للتسهيل على تطبيقها".

شالوم قلق من حق العودة، ولكن من المعقول أنه قلق أيضًا من حق الجلوس في الحكومة. فقد سمع رئيس حزب "العمل"، عمرام متسناع، الذي قلب موقفه منذ الانتخابات، وهو الآن متحمس جدًا للانضمام إلى حكومة شارون. ومتسناع لا يطلب الكثير: إذا وافق شارون على قبول "خارطة الطريق"، فإن "العمل" سينضم للائتلاف. وفي هذه الحالة، فإن "العمل" قد يطلب وزارة الخارجية. وشالوم يعرف أن تفجير "خارطة الطريق"، التي لا تحظى بالتأييد في "الليكود" أصلا، سيبعد الخطر عن كرسيه. ومن مكتبه ورد الرد بأنه لا علاقة بين موقفه تجاه "خارطة الطريق" وبين الاعتبارات الحزبية.

(هآرتس 14/4، ترجمة: "مدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات