مسألة إندلاع النقاش حول ميزانية الأمن، بشكل حاد وكبير، كانت مسألة وقت. هكذا يحصل حين تلتقي أزمة إقتصادية عميقة إلى هذه الدرجة، مع ميزانية أمن كبيرة إلى هذه الدرجة، و"أنا" ضخم كالذي يملكه رؤساء الجهاز الأمني عندنا. المتعقب لديناميكية الأزمة يعرف أن هذه النهاية، كان لا بد أن تكون باكية.جذور الشر لا تكمن في النقاش حول من أخذ للآخر خمسة مليارات شيكل. المشكلة الحقيقية هي أن ميزانية الأمن أديرت بلا رقابة، منذ الأزل، ومن دون إشراف وبشكل خفي عن عيون وزارة المالية. كل وزارة حكومية أخرى تحصل على ميزانيتها من خلال رقابة الجهاز البرلماني والحكومي. يفحصون كيفية إستخدام الوزارة للنقود، لأية أغراض، وما إذا كانت تنقل النقود من بند إلى آخر، وغيرها. الجيش معفي من كل ذلك. يقررون له الميزانية الكلية فقط، وما تبقى هو شأنه الخاص. لا يمكن للمالية أن تتدخل، لا يمكن للكنيست أن يتدخل، وليس بمقدور أحد أن يقول للجيش كيف يقسّم كعكته. فهي له.
هكذا تُدار الأمور منذ سنوات كثيرة، وعدا عن بعض المضايقات الصغيرة في السنوات الأخيرة، فإن الجيش ينجح في الحفاظ على إستقلالية تامة. والنتيجة: إرتفاع متواصل في الأموال التي يقرر الجيش تحويلها إلى ظروف الخدمة، الأجور، المكافأات للدائمين، إلى مخيمات للأطفال، وإلى العديد من الاغراءات والتضييفات- كل ذلك مقابل إنخفاض في المبالغ المخصصة للتسلح، للتمرينات وللأغراض القتالية.
منذ سنوات طويلة يتحدثون عن كل ذلك ولا أحد يفعل شيئًا، لأن القسم المخصص للمصاريف الأمنية من الناتج العام، انخفض في العقد الأخير. هذا لم ينتج بالذات من "شد الحزام" في الجيش، بل لأن المرافق الاقتصادية نمت. لذلك، كان بوسع المالية أن تتذمر وتمضي قدمًا.
لكن هذه النزهة انتهت قبل سنتين. التقلص المستمر في المرافق ألغى نهائيًا كل درجات الحرية الممنوحة للمالية، وعليها الآن أن تقلص في ميزانية الأمن أيضًا. المشكلة تكمن في إنعدام إمكانية المسّ بالأموال المخصصة للقتال، اليوم، في الوقت الذي أدمنوا فيه في الجيش على ميزانيات ظروف الخدمة والتدليلات الأخرى، وليست هناك رغبة حقيقية في الدخول إلى علاج فطامي. هذا السبب في أن قيادة الجيش تتجاهل اليوم الميزانية التي صودق عليها وتتصرف وكأنها تملك خمسة مليارات شيكل إضافية.
نهاية هذه القضية، سيكون فيها الكثير من المفارقة. من سيضطر للحسم هو رئيس الحكومة شارون، الشخص نفسه الذي هزأ من ميزانية الدولة بنفس الطريقة، عندما كان وزيرًا للإسكان قبل سنوات، وصرف وقتها أكثر بكثير مما كان مسموحًا له. هذه القضية كانت خطيرة إلى درجة أن وزير المالية آنذاك، يتسحاق موداعي، طالب بمحاكمة شارون. الآن، شارون هو الذي سيضطر للدفاع عن ذات قانون الميزانية، الذي كان هو بنفسه أكبر هازئ به في الماضي.
("معريف"، 20 شباط – ترجمة: "مدار")