أعلن مؤخرًا وزير الخارجية الأمريكي، كولين باول، عن بدء الاستعدادات لتشكيل أطقم من المراقبين الدوليين، يرجح أن يكونوا أمريكيين، لمراقبة تطبيق "خريطة الطريق" ميدانيا من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين. وقد تزامن هذا الإعلان مع تبليغ الجانب الإسرائيلي رسميا عن هذا القرار الأمريكي وذلك خلال اللقاء الأخير الذي جمع وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وليام بيرنز ومع مساعد مستشارة الأمن القومي في الإدارة الأمريكية إليوت أبرامز، اللذين قدما إلى الشرق الأوسط للتحضير للقاءات القمة المرتقبة التي ستلتئم خلال الأيام القليلة المقبلة في شرم الشيخ والعقبة.
وبالرغم من أن قضية إيفاد مراقبين دوليين إلى المناطق الفلسطينية ليست حديثة العهد، حيث طالب الجانب الفلسطيني بذلك مرارا في حين رفض الجانب الإسرائيلي ذلك في الماضي، إلا أنها تبدو الآن قريبة جدا من أن تطبق ميدانيا بالذات بعد إقرار "خريطة الطريق" في الحكومة الإسرائيلية.
لكن ما زال مبكرا الحكم حول كيفية تطور هذه القضية، نظرا لتأثرها بالعديد من العوامل المحلية والدولية التي سنتطرق إلى بعضها هنا، محاولين الإشارة إلى أن إيفاد مراقبين إلى المناطق الفلسطينية من شأنه خلق صراعات دولية ومحلية، قد تزيد التوتر القائم بين الأطراف المعنية بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بدلا من أن تخففه.
فمن غير المستبعد أن نلحظ في المستقبل القريب جدلا حادا بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وبين الفلسطينيين وبعض الدول الأوروبية الهامة من جهة أخرى حول تركيبة وصلاحيات أطقم المراقبين الدوليين. ففي حين يرغب الطرف الأول أن يكون المراقبون من حملة الجنسية الأمريكية فقط، يرغب الطرف الثاني بضم مراقبين أوروبيين إلى أطقم المراقبة. وفي الوقت الذي يرغب فيه الإسرائيليون والأمريكيون في أن يكون المراقبون عبارة عن جامعي معلومات فقط، فإن الفلسطينيين وبدعم من بعض الجهات الأوروبية يريدون لهؤلاء المراقبين أن يكونوا ذوي قدرة لتقديم بعض التوصيات وليس فقط معلومات.
إضافة إلى ذلك، فإننا نتوقع خلافا فلسطينيا - إسرائيليا حول الدور الميداني للمراقبين الدوليين. ففي حين سيرغب الفلسطينيون، على الأرجح، بأن يتواجد المراقبون في جميع نقاط التماس بينهم وبين الإسرائيليين، فإن الإسرائيليين سيحاولون تقييد حركة ونشاط هؤلاء المراقبين بما يتلاءم ومصالحهم الميدانية.
وإذا أضفنا هذه الصراعات المحتملة حول قضية المراقبين الدوليين إلى حالة عدم الثقة المتبادلة التي تميز الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني تجاه بعضهما البعض وإلى عدم وضوح الرؤية حول حقيقة نوايا رئيس الحكومة الإسرائيلي أرئيل شارون بما يتعلق بتطبيق "خريطة الطريق،" فإننا قد نصل إلى استنتاج أولي بأن هؤلاء المراقبين، الذين من المفروض أن يصلوا المناطق الفلسطينية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، سيكونون إما عبارة عن عناصر في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) أو أنهم عبارة عن فريق مشابه للفريق الدولي المتواجد في الخليل (TIPH) منذ المجزرة التي ارتكبت في الخامس والعشرين من شباط 1994 في الحرم الأبراهيمي على يد المستوطن باروخ جولدشتاين، مع صلاحيات أقل.
كما يبدو، فإن قضية المراقبين الدوليين ما زالت في أول تفاعلاتها، ومن ثم فإنها قد تأخذ حيزا هاما من النقاشات بين الأطراف المعنية حول تطبيق "خريطة الطريق" في المستقبل القريب. وبالرغم من أن إيفاد مراقبين دوليين قد يكون أمرا إيجابيا بحد ذاته نظرا لاحتمال مساهمة هؤلاء بالضغط الميداني على الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لتطبيق ما يتوجب عليهما بناءا على "خريطة الطريق،" إلا أن خشيتنا هي بأن الخلافات بين الأطراف المعنية بالصراع حول ماهية وصلاحيات هؤلاء المراقبين قد تزيد من التوترات الميدانية والدولية بدل أن تخففها.
31 أيار 2003