المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 844

 

 

 

 

اجرى المقابلة: وديع عواودة

 

اعتادت شولميت الوني، الوزيرة الاسرائيلية السابقة والمناضلة العنيدة من اجل السلام وحقوق الانسان على "التغريد خارج السرب" وهي لا تتردد في قول ما يخفيه الاجماع الصهيوني لتظهر الدولة العبرية بكامل عوراتها. في بيتها التقيناها هذا الاسبوع وسجلنا معها الحديث التالي.

 

- ما الذي حصل في الانتخابات البرلمانية الاخيرة في اسرائيل ولماذا تهاوى اليسار فيها؟

 

 

"جاء انهيار اليسار نتيجة حتمية لعدة اسباب منها مشاركة حزب العمل في حكومة شارون السابقة وقد توهم الكثيرون من ابناء الشعب هنا بأنه سيجلب لهم السلام ..
كما ان حالة انفصام الشخصية والخوف الملازمة للشعب اليهودي قد أثّرَت على الانتخابات بعد استغلالها من قبل قوى اليمين في ظل تصعيد العمليات الانتحارية داخل اسرائيل، والخوف كما تعلم يغلق الدماغ. ولا تنسى ان الانهيار بدأ في عهد الرئيس السابق ايهود براك والذي انتهى بسقوطه بعد ان تسبب باندلاع الانتفاضة الثانية".

 

 

 

- ولكن ربما ينجح اليمين في اسرائيل ويزداد قوة بسبب عجز اليسار وتخاذله؟!
"لا. يخطىء من يقول ان اليمين في اسرائيل فقط هو القادر على صنع السلام مع العرب فلولا موشيه ديان وعيزر وايزمن لما قام مناحيم بيغن بتوقيع اتفاقية السلام مع مصر والتي صوّت الى جانبها حزب العمل وهو في المعارضة. كذلك فان اسحق رابين هو الذي وقع اتفاق السلام مع الاردن. اما ارئيل شارون فقد عارض كل المشاريع السلمية هذه وكان مبادرا الى الحروب والعمليات العسكرية. لا زلت اذكر كيف قمت ومجموعة من رموز اليسار في اسرائيل بنشر اعلان في صحيفة "هآرتس" في 20.04.1981 حذرنا فيه بيغن وشارون من اجتياح لبنان وكان ذلك طبعا قبل حادثة اطلاق النار على السفير الاسرائيلي في لندن ارغوف والتي أستغلت ذريعة للحرب. وما حصل لنا في لبنان ربما سيحصل اليوم للامريكيين في العراق حيث اعتقدوا ان الشيعة في الجنوب سيستقبلون الغزاة بالارز والحلوى والكرز. الفرق ان الامريكيين توقعوا ذات الاستقبال بالتمور بدلا من الكرز".

 

- ولكن زعيم "العمل" ورئيس الوزراء السابق ايهود براك اضاع ربما فرصة حل القضية الفلسطينية مقابل اعادة 22% فقط من مساحة فلسطين التاريخية فهل هذا مؤشر اخر على كذبة "اليسار الاسرائيلي"؟
نعم اخطاء براك عندما بحث عن لمسة سحرية لاحراز السلام في كامب ديفيد. عرفات كان يعي ذلك فعارض بدايةً الفكرة اما كلينتون فنفد له الوقت ففشلت تلك المحاولة والتي استغلها شارون بقيامه بزيارة الحرم القدسي مما فجَّر الانتفاضة الثانية. واخطأ براك ثانية بسماحه لشارون بتلك الزيارة الاستفزازية. ويبدو ان براك بسذاجته اراد بترخيص زيارة شارون هذه تثبيت السيادة الاسرائيلية. وهنا اهمس باذنك ان ايا من زعماء اسرائيل السابقين لم يطمع بالسيادة الاسرائيلية علية انما انحصرت اهدافهم في حائط المبكى ("حائط البراق").

 

- وكيف ترين أثر احتلال الاراضي الفلسطينية عام 1967 على اسرائيل ومجتمعها حتى اليوم؟
"كوطنية اسرائيلية اقول جازمة ان اهم مصيبة لاسرائيل تكمن باحتلالها هذه الاراضي. نحن الاسرائيليون نلف ارجاء المعمورة ونملأها بالحديث عن القيم اليهودية ولكن اين هي هذه القيم ازاء ما نصنعه بايدينا للفلسطينيين. المدعي العسكري لا يخجل عندما يحجم عن محاكمة سائق جرافة يهدم بيتا ويقتل ساكنيه من الاطفال، او جنود دخلوا صالونا لقص الشعر في الخليل وحلق رؤوس بعض الشباب فيها حتى العظم وهذا يذكرني بالنازيين.
يتمتع الاسرائيليون بقوة بيد انهم لا يدركون حدودها. وهل تعلم لماذا لم نحقق السلام مع العرب بعد؟ لاننا التففنا حول الفكرة الصهيونية الانسانية وسرعا ما تحوّلنا الى مستعمرين".

 

- قيل الكثير عن طريق اوسلو ومدى جدواها فهل كان بامكانها ان توصل فعلا الى السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين؟
"نعم. كان بامكان فكرة "اوسلو" ايصالنا لشاطئ الامان ولكن الاتفاقية غير نزيهة لان اسحق رابين احتفظ بفرصة العودة الى المناطق المحتلة ولذلك رفض اخلاء مستوطنات في قلب غزة والخليل مثلا. اقتنع رابين بفكرة السلام في اخر اسبوعين فقط من حياته، وعندما عزم على اتخاذ قرار تاريخي قاموا باغتياله واغتيال "اوسلو".
الا ان ايهود براك اتى عليها نهائياً عندما اعتقد بعقليته العسكرية ان بامكانه اصدار التعليمات فيقوم ياسر عرفات بالامتثال".
وعن الفرق بين ايهود براك واسحق رابين في هذا المجال أضافت الوني: "اختلف براك عن رابين بانه ظن نفسه الاكثر ذكاءً ولم يُصغ لاحد اذ ظل رجل "كوماندو" يرى ان مهمته تحقيق هدف واحد ومحدد فقط. اما رابين فكان يستشير ويصغي. كذلك فان براك لم يقتنع بفكرة السلام حقيقةً. ففي طابا احرز يوسي بيلين مع الفلسطينيين تقدما كبيراً في المفاوضات لكن براك صَّرح ان هذا غير نهائي وغير ملزم زاعماً ان انتخابات برلمانية وشيكة هي التي ستحسم الامر!

 

- مخاطر حكومة اسرائيل على الفلسطينين لا تتجسد بتزعمها من قبل شارون فحسب انما بمشاركة وزراء من غلاة المتطرفين امثال ايفي ايتام وافيغدور ليبرمان فكيف ترين اسرائيل في السنوات القادمة؟
"باستطاعتي ان ابرز لك كتابات موسوليني عن الفاشية واذا طالعتها ستتوصل الى نتيجة حتمية بأن وزراء في الحكومة الاسرائيلية الراهنة يتبعون ذات المدرسة الفاشية.
نحن حسودون وشهوانيون ونريد كل شيء لانفسنا فقط، فبأي ديموقراطية تتغنى اسرائيل؟! هذه ديموقراطية منقوصة تحرم النساء والاقليات من المساواة المدنية ولا زالت تعاملهم بموجب نظام "الملة" العثماني. نحن لا نختلف عما كانت عليه جنوب افريقيا من ناحية تعاملها مع العرب والفلسطينيين. حتى اليوم لا زالت اسرائيل تستخدم قوانين الطوارئ الانتدابية ضد المواطنين العرب داخلها، هذه القوانين اياها وصفها دافيد بن غوريون بأنها قوانين نازية. على سبيل المثال امتنعت اسرائيل عن هدم بيت قاتل اسحق رابين او بيت منفذ مذبحة الخليل باروخ غولدشتاين لكنها تقوم بهدم بيوت اسر منفذي العمليات الانتحارية. في اسرائيل يوجد قانون خاص باليهود واخر للعرب.
في مثل هذه الدولة فقط يستطيع ان يصل قاتل ومرتكب جرائم الى مرتبة وزير للدفاع. وهذا ينعكس ايضا في تعاملنا مع المواطنين العرب داخل اسرائيل الذين نخشى حتى الموت من تكاثرهم ولذلك يقترح بعض الوزراء ترحيلهم او اقامة برلمان لليهود في العالم ومنحهم مواطنة اسرائيلية حفاظا على الصبغة والاغلبية اليهودية. هذا جنون وتأكيد على وجود برتوكولات "حكماء صهيون" فعلا . في اوروبا تمتع اليهود في دول عديدة بحكم ذاتي ثقافي واجتماعي لكن عندما يطالب عزمي بشارة بذلك للعرب في اسرائيل فانهم ينعتونه بالخائن والمتطرف. اسائيل في حقيقة الامر لا تختلف عن جنوب افريقيا العنصرية طالما انها تعرف نفسها كدولة اليهود بدلا من دولة كل مواطنيها. فهل فرنسا تعرف نفسها كدولة الفرنسيين مثلا ؟ بل ليس هناك دولة في العالم لا تعرف نفسها بأنها دولة كل مواطنيها".

 

- في تصريحات صحفية زعم موفاز وغيره من قادة حكومة شارون ان الفلسطينيين لا يفهمون سوى سياسة القوة، الا ينذر هذا بالمزيد من المذابح؟
"اعتقد ان الاسرائليين هم الذين يفهمون القوة. لقد وقعنا اتفاقية سلام مع مصر بعد حرب يوم الغفران التي سفكت بها دماء غزيرة، وخرجنا من لبنان فقط بعد ان أَوقع بنا حزب الله خسائر جسيمةً".

 

- وكيف تصفين شارون؟
"هو وطني كبير وجندي متعجرف يعاني من جنون العظمة ولا يهمه ان يضحي بحياة الاخرين كما حصل في اجتياح لبنان وهو الشخص الذي زرع كافة المستوطنات في الاراضي الفلسطينية طمعا بارض اسرائيل الكبرى. وشارون يحترف الكذب دائما فالفلسطينيون لا يقوون على القائنا في البحر او ابادتنا ولكن شارون والقيادة الاسرائيلية تسعى دائما الى ادخال هذه الكذبة الى عقول الاسرائيليين. وفي الواقع نحن نقوم بتنفيذ جرائم حرب ضد الانسانية وآمل بان يقدم شارون الى المحاكمة".

وعن قيام الاسرائيليين بانتخاب مثل مرتكب الجرائم هذا بنسبة مرتفعه علقت الناشطة في مجال حقوق الانسان شولميت الوني بالقول:
"عندما خرج بنو اسرائيل من مصر الى حريتهم واذاقوا سيدنا موسى الموت لم يتحولوا الى شعب الا عندما اقاموا لانفسهم دستورا وهو المتمثل بالوصايا العشر. وانظر ما يجري اليوم فقد جلبنا اناساً من ارجاء المعمورة ومن دول لم تسمع بالسيادة او الحرية وفجأة اعدوا لهم دولة ووضعوا القوة بايديهم ولكن ليس لدينا دستور ولذلك تحولنا الى دولة غيبية شبه ديموقراطية. وهي تدار حتى الان من قبل ثلاثة جنرالات مجانين: شارون وموفاز ويعلون ولذلك انا قلقة مما هو آت".

 

 

 

- ما هي برأيك اهم الاخطاء التي ارتكبها الاسرائيليون؟
"اولا عدم اعادتهم لاراضي الضفة وغزة فور احتلالها مقابل اتفاق سلام مع الملك حسين وثانيا قيامهم بمشروع الاستيطان. ولكن الفلسطينيين ارتكبوا كل الاخطاء الممكنة حتى عقد المجلس الوطني في الجزائر عام 1988, واولها رفض التقسيم، وثانيها استمرارهم في نزع الشرعية عن وجود اسرائيل والمطالبة بكل فلسطين دون الاعتراف بالواقع الحاصل على الارض المدعوم من الامم المتحدة والعالم المسيحي الذي لم يفلت بعد من عقدة الذنب في علاقته مع اليهود".

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, اوسلو, هآرتس, ايتام

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات