المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 4075
  • انطوان شلحت

لا تنفكّ الإجراءات المتفاقمة الناجمة عن غاية الهجوم على حقوق المواطنين الفلسطينيين وكفاحهم في الداخل من جهة، وعن هدف تضييق الخناق على أصحاب الآراء المغايرة لمواقف اليمين من جهة أخرى، التي يتخذها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والمسوّرة بتأييد قوى غوغائية

من القاع، تنتج مزيدًا من الاجتهادات الإسرائيلية بشأن الاتجاه الذي تنحو إسرائيل نحوه في الوقت الحالي.

ومن آخر هذه الاجتهادات لا بُدّ من التنويه بادئ ذي بدء برأي للبروفسور دانيال بلتمان، المؤرخ المتخصص في دراسة الهولوكوست في الجامعة العبرية في القدس، أعرب فيه عن اعتقاده بأن من بات يسيطر على مراكز القوة في إسرائيل في الوقت الحالي هو معسكر المستوطنين، مؤكدًا أن هذه السيطرة تقضي على الاحتمال الضئيل بالعودة إلى تأسيس مجتمع ليبرالي منفتح وفيه تعددية. كما أشار إلى أن أقطاب هذا المعسكر يعودون في الكثير من الأحيان إلى الأيديولوجيا العنصرية الكولونيالية التي اختفت منذ زمن من العالم، ومثلهم مثل الكولونياليين البريطانيين والفرنسيين في القرن التاسع عشر يحاولون القول إن اليهود يأتون بالحضارة والتقدّم معهم (دانيال بلتمان: "تثقيف السكان الأصلانيين"، "هآرتس"، 1/3/2016).

ويتبنى أشخاص منتمون إلى "اليسار الصهيوني" مثل هذه الأيديولوجيا الكولونيالية، كما تجلّى ذلك مثلًا في مقال نشره الكاتب والأستاذ الجامعي غادي تاوب أخيرًا، وشدّد في سياقه على أن الفلسطينيين بحاجة إلى المحتل الإسرائيلي نظرًا إلى كونه يدافع عنهم "في وجه الأمن الوقائي الفلسطيني وحماس وداعش"! (غادي تاوب: "الفلسطينيون لن يتخلوا عن الاحتلال بسرعة"، "هآرتس"، 18/2/2016).

ويعتقد أوري سافير، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أنه منذ إقامة حكومة نتنياهو الحالية-الرابعة- وإسرائيل تشهد تدهورًا قيميًا وأخلاقيًا غير مسبوق. فلأول مرة في تاريخ الدولة تحكم البلد حكومة عنصرية، ذات خطاب عنصري، وسياسة اقتصادية تمييزية تجاه الأقلية العربية، وتشريعات تسلب المواطنين العرب حقوق المواطن الأساسية.

ويقرّ سافير بأن العنصرية كانت موجودة دومًا لدى اليمين القومي المتطرف، لكن كانت مخفية أكثر حتى أطلق نتنياهو صرخة القتال العنصرية يوم الانتخابات الأخيرة بأن "العرب يتدفقون بجموعهم للتصويت" واكتشف بعدها أن العنصرية ليست شرعية فقط بل أيضًا شعبية. وعلى طريقه هذا يسير الكثير من وزرائه وشركائه الأيديولوجيين، حيث توجد منافسة خفية حول من هو عنصري أكثر - نتنياهو، أفيغدور ليبرمان، نفتالي بينيت، ميري ريغف وكثيرون آخرون يتنافسون كل يوم من على موجات الأثير لكسب قلب جمهور عنصري واسع، يقف في مركزه سكان المستوطنات (أوري سافير: "تدهور قيمي وأخلاقي غير مسبوق"، "معاريف"، 29/2/2016).

كل هذا استدعى رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" ألوف بن لأن يتصدّى لتحليل أداء نتنياهو في سدّة الحكم. وخرج من هذا التحليل بنتائج مثيرة، في مقدمها أن نتنياهو "مدير جيّد"، والدليل على ذلك أنه يعرف ما لا يفعله وما لا ينشغل به، وأنه يدع للآخرين ما هو كفيل بأن يثير الخلاف أو أن يفشل. فمشروع "تغيير النخب الإسرائيلية" الرامي إلى تصفية التأييد الجماهيري لتقسيم البلد، سُلم إلى وزيري التربية والتعليم والثقافة والرياضة نفتالي بينيت وميري ريغف. والصراع ضد الضغط الدولي لإنهاء الاحتلال خصخصه لرئيسي "المعارضة" إسحق هيرتسوغ ويائير لبيد. وتقويض المحكمة العليا تم إيداعه في أيدي آييلت شاكيد وياريف ليفين. وفي الولايات السابقة بعث نتنياهو بإيهود باراك ليتحطم في مشروع "الهجوم على إيران"، وبعث بتسيبي ليفني لتنتحر سياسيًا على صخرة "مسيرة سلمية" عديمة الاحتمال.

ورأى بن أن الصحافيين الذين يركزون على صغائر الأمور مثل السكن، وخطة الغاز، وتعيين موظفين في المكاتب الحكومية، للإقناع بأن نتنياهو رجل ضعيف، وسياسي هزيل، ومدير فاشل، يساعدونه فقط، إذ بينما ينشغلون بهذه الترهات، أو في تنكيل زوجته سارة بالخدم، يتقدم نتنياهو بهدوء وبدون عوائق نحو تحقيق أهدافه الحقيقية وفي طليعتها شطب الاعتراف الدولي بوجود شعب فلسطيني منفصل مع حقوق وطنية (ألوف بن: "نتنياهو مدير جيد"، "هآرتس"، 26/2/2016).

إن هذه الاجتهادات وغيرها الكثير مما هو قمين بالمتابعة والرصد، تعاني من نقص كبير وفاضح، فحواه توجيه النظر إلى ما يجري في الحاضر وما يحيل إليه بشأن المستقبل، بانقطاع تام عن "إرهاصاته" في الماضي. بل إن معلقًا بارزًا من "هآرتس" رأى- بعد أن أعرب عن خجله من هذه الإجراءات- أن الحاضر الإسرائيلي ملك للمتطرفين، الذين يمتلكون في هذا الوقت الأغلبية والقوة المطلوبتين لتدمير كل مؤسسة وتشويه كل قانون وإفساد كل قيمة وتدمير كل قطعة طيبة، لكنه في الوقت عينه شدّد على أن الماضي والمستقبل ليس لهم (آري شافيط: "الحاضر لكم أيها المتطرفون"، "هآرتس"، 3/3/2016).

كذلك لا نعثر في هذه الاجتهادات إلا لمامًا على مواقف تعترف بأن ما حدث ويحدث لا يعود فقط إلى زيادة نفوذ اليمين وقوته، وإنما أيضًا إلى عدم وجود برنامج بديل لدى خصومه، وإلى لهاث هؤلاء الخصوم لتبني طروحات الليكود والتماهي مع مواقف يمينية.

بموازاة ذلك، فإن اليمين المتطرّف الذي يشعر بفائض قوة لا يخفي شهيته لإجراءات أشدّ وأدهى، حيث اعتبر أحد الناطقين المفوهين باسمه أن "مشروع قانون الإقصاء" هو بمثابة مخفف للألم في وقت يجب فيه علاج "مسألة تضامن السكان العرب مع الإرهاب بشكل جذري" (يسرائيل هرئيل: "مخفّف للألم اسمه قانون الإقصاء"، "هآرتس"، 3/3/2016).

وتمثل أبلغ رد على السؤال الذي وضعناه عنوانًا لهذه المعالجة، في قول أستاذ جامعي إسرائيلي تعقيباً على طرح الحكومة الإسرائيلية مشروع قانون يقضي بتعليق عمل أعضاء كنيست يقومون بالتحريض على الإرهاب أو العنصرية أو ينكرون وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، والذي بات يعرف باسم "قانون الإقصاء"، بأن مثل هذه الإجراءات تفضي إلى تكريس إسرائيل كدولة يهودية بلا أي قيد أو شرط وكدولة ديمقراطية بشروط (أفيعاد كلاينبرغ: "قانون الإقصاء- وداعاً للديمقراطية"، "يديعوت أحرونوت"، 2/3/2016).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات