المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 4331
  • انطوان شلحت

تتمثل إحدى أكثر الدلالات إثارة لـ"خطة الانفصال أحادية الجانب" عن الفلسطينيين التي طرحها رئيس حزب "العمل" وتحالف "المعسكر الصهيوني" زعيم المعارضة في الكنيست إسحاق هيرتسوغ (طالع التغطية الخاصة، ص 6 و 7)، في أن دائرة وقوع هذا الحزب في ما يسمى "الشرك الأمنيّ" قد اكتملت.

بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة (صيف 2014)، كتبنا ضمن هذه الزاوية أن ثمة جوانب عديدة يمكن تناولها في معرض استشراف كيف ستبدو إسرائيل بعد هذا العدوان، وأنه مهما تكن هذه الجوانب فإن جانبًا واحدًا منها يبدو الأكثر وقعًا وهو المتعلق بـ"هاجس الأمن" الاستحواذي.

ولم يكن المتابع للشأن الإسرائيلي بحاجة إلى عناء خاص كي يلاحظ أن ذلك العدوان تسبّب بازدياد أصوات الذين يقولون إن السلام لا يُعدّ وصفة مضمونة للاستقرار، وإن غالبية المجتمع اليهودي تتحمّل كما ينبغي العبء المتأدي عن استمرار الصراع مع الفلسطينيين، وبالتالي لا داعي لأي استعجال فيما يتعلق بوضع حدّ للصراع أو بإحلال السلام.

أمّا الذين كانوا يرون السلام بمنزلة وصفة مضمونة للاستقرار، فقد أصبحوا يرهنون أي تسوية في شأنه بتلبية حاجات إسرائيل الأمنية. وبالتالي ليس من المبالغة القول إن القوى السياسية الإسرائيلية الواقعة في "الشرك الأمني" اتسعت بتأثير ذلك العدوان.

وهذا ينطبق على ما يسمى "اليسار الصهيوني" الذي قرّر أن يسير قبل أكثر من عشرين عامًا في طريق التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، حيث أن وتيرة وقوعه في ذلك الشرك باتت أسرع فأسرع.

وحتى لدى متابعة أداء هذا "اليسار" قبل الهبّة الشعبية الفلسطينية الأخيرة، يمكن أن نستنتج ما يلي:
- باعتباره "طرفًا وطنيًا" و"ذا التزام أمني" يواجه هذا "اليسار" صعوبة في الاعتراض على خطوات وإجراءات أمنية تدافع في الظاهر عن سكان إسرائيل، لكنها في العُمق تزيد من تمدّد الاحتلال الإقليمي ومن السيطرة على الفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ العام 1967، وتتسبّب برصد مزيد من الميزانيات وباكتساب المستوطنين الكولون فائضًا من القوة والتأثير والمكانة الاعتبارية الاجتماعية.


- هذا "اليسار" يتوقع من الفلسطينيين أن يتخلوا عن "الإرهاب" أولًا. ومصطلح "الإرهاب" لديه فضفاض ومن دون ضفاف، ويمكن أن يحصر فيه كل أعمال المقاومة للجنود والمستوطنين. وإن مجرّد ذلك سهّل وما يزال على اليمين الإسرائيلي مهمة إقناع الجمهور العريض باختيار "السلام مع الأمن". وبموجب ما يؤكد منتقدو هذا "اليسار"، حتى في أوساط الإسرائيليين أنفسهم، فإن انهيار مشروع السيطرة على الفلسطينيين في مناطق 1967 لا بُدّ من أن يعتمد ضمن أشياء أخرى على الانتقادات الشاملة الموجهة إلى جهاز الأمن، في حين أن "اليسار" يفضّل التحدّث عن "أعمال شاذة" في ممارسات الجيش وتأييد المراحل الأولى من الحروب المدمّرة على نحو شبه أعمى. واليمين بدوره شخّص هذه النقطة بالذات وانتقل من خطاب "أرض إسرائيل الكبرى" إلى ممارسة خطاب أمني يعزّز قوة الهيكلية القائمة ويعزف على أوتار الخوف القديم الكامن في نفوس الناس.

تجدر الإشارة كذلك إلى أن هذا "اليسار" هو من سكّ شعار "عدم وجود شريك فلسطيني للسلام" (عام 2000)، وساهم تأييده لخطة الانفصال عن قطاع غزة (عام 2005) بصورة أحادية الجانب في تكريس هذا الشعار.

هناك دائرة أخرى لا تقل أهمية تتعلق بحزب "العمل" اكتملت هي أيضًا، وهي "طلاقه" البائن من اليسار.

ففي مؤتمر "العمل" الذي أقرّ "خطة الانفصال" السالفة، خاطب هيرتسوغ المندوبين قائلًا: "هل تريدون تغيير بنيامين نتنياهو؟ أمامنا طريق واحد لا غير: إعادة حزب العمل إلى طريق بن غوريون ورابين. لا إلى اليمين المتطرف ولا إلى اليسار المتطرف. نحن حزب وسط يتطلع إلى الإمساك بزمام السلطة".

ليست هذه أول مرة يشنّ فيها رئيس "العمل" هجومًا حادًّا على اليسار.

ففي معرض الردّ على حملة نقد وُجهّت إلى رئيس "العمل" الأسبق إيهود باراك من جراء معارضته إجراء تحقيقات داخلية حول فظائع الجيش الإسرائيلي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة، في إثر صدور تقرير "لجنة غولدستون" الأممية، قام بمهاجمة اليسار الإسرائيلي الصهيوني واتهمه بـ "النزعة الطفولية". ومما قاله في هذا الخصوص: "إن اليسار يتصرّف مثل الطفل الصغير اللحوح الذي يقول ‘أريد السلام الآن‘، والفارق بينه وبين الطفل البالغ هو أن هذا الأخير يدرك مجمل الاعتبارات الموضوعية، ويعرف نوعية الأشخاص الموجودين في الجانب الآخر"!.

باراك هذا نفسه هو من أطلق توصيف "فيللا في غابة" على إسرائيل، والذي استخدمـه نتنياهو أخيرًا لإعلان استراتيجية تقوم على أساس تحصين إسرائيل من خلال تغليفها بجدار أمني مكثف لحمايتها من "الحيوانات المفترسة" الساعية إلى التهامها!.

في كلمة العدد السابق من "المشهد الإسرائيلي" التي خصصناها لتحليل الوقائع المرتبطة بصعود اليمين الجديد في إسرائيل، ونجاحه في أن يقرّر جدول الأعمال العام الداخلي والخطاب السياسي في الحيّز العمومي، طرحنا في ختامها السؤال التالي: كيف تأثر هذا النجاح ويتأثر بأداء من يُفترض به أن يشكل البديل السلطوي لحُكم اليمين؟.

الإجابة عن هذا التساؤل سبق أن ورد في مقال افتتاحي لصحيفة "هآرتس" في أواخر حزيران 2015، أشارت فيه إلى أنه منذ أن باتت المعارضة تحت قيادة هيرتسوغ وهي في حالة انحدار مستمر. وأضافت أنه مع معارضة من هذا النوع، لا ينبغي أن يتفاجأ أحد مما قد يقوم به الائتلاف اليمينيّ.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, باراك, الكنيست, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات