المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
جلسة إقرار الموازنة الإسرائيلية العامة للعامين الجاري 2021 والمقبل 2022.  (إ.ب.أ)
جلسة إقرار الموازنة الإسرائيلية العامة للعامين الجاري 2021 والمقبل 2022. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1111
  • برهوم جرايسي

نجحت الحكومة الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، في إقرار الموازنة العامة للعامين الجاري 2021 والمقبل 2022، وهذا من المفترض أن ينقلها إلى حلبة النشاط العادي لكل حكومة، ما قد يفرض عليها مجددا واقع الخلافات بين أطراف الحكومة، وما يعيد طرح السؤال حول مصيرها ومدى صمودها. في المقابل، فإن الاقتصاد الذي يبث مؤشرات "إيجابية" بشأن النمو الاقتصادي، وتقليص العجز، بات في أوج موجة غلاء جديدة، حتى وصفتها الصحافة الاقتصادية بـ"تسونامي غلاء". بموازاة ذلك، فإن قيمة الشيكل ارتفعت بشكل حاد أمام العملات العالمية، وأولها الدولار واليورو، ولكن حسب كل الخبراء فإن هذا ارتفاع غير مفهوم، لأنه لم يرفع قيمة الشيكل الشرائية، وهذا ما تثبته موجة الغلاء التي احتدت في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

وقد كسر الائتلاف الحاكم الرهانات التي ظهرت في وسائل الإعلام، وأيضا من خلال كتل اليمين الاستيطاني المعارضة، التي راهنت كما يبدو على سلخ نائبين أو أكثر من الائتلاف، كي يتم كسر أغلبيته الهشة، التي ترتكز على 61 نائبا من أصل 120 نائبا.
وهذه المّرة الأولى منذ شهر آذار من العام 2018، التي يصوّت فيها الكنيست على موازنة عامة، إذ كان التصويت الأخير مبكرا لميزانية العام 2019، بقيادة حكومة بنيامين نتنياهو، الذي سارع حينها لإقرار الميزانية، تحسبا لأي نزاعات داخلية في حكومته في تلك المرحلة.

ولأول مرة منذ العام 1949، يمر عام كامل، العام 2020، من دون ميزانية مقررة في الكنيست، بل تمت إدارة ميزانية العام الماضي على أساس ميزانية 2019، وكان الكنيست قد صوّت على زيادة ميزانية بقيمة تتجاوز 120 مليار شيكل لميزانية 2020 لمواجهة جائحة كورونا، وقسم منها صرف في العام الجاري.

وفي خطابه من على منصة الكنيست، قال رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، إن الكنيست لم يقر ميزانية جديدة منذ العام 2018 وحتى اليوم، بسبب حسابات شخص واحد، في إشارة إلى بنيامين نتنياهو.

واجتياز حاجز الموازنة العامة يعطي كل حكومة، خاصة الضيقة من حيث القاعدة البرلمانية، متنفسا للعمل الجاري، إذ أن عدم إقرار الموازنة العامة في التاريخ المحدد، بموجب القانون المؤقت الذي قامت على أساسه هذه الحكومة، سيعني حل الحكومة فورا، والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة.

والأسابيع اللاحقة ستوضح أكثر مدى تماسك هذا الائتلاف، ومدى قدرته على الصمود أكثر في المواجهة البرلمانية. ففي تاريخ الحكومات الإسرائيلية نادرة هي الحالات التي صمدت فيها حكومة ترتكز على 61 نائبا لفترة طويلة. والحكومة التي كانت ترتكز على أغلبية كهذه، كانت تنجح لاحقا في ضم كتلة برلمانية إضافية، أو تستفيد من انشقاقات في كتل المعارضة، ولكن ليس هذا هو الحال، حتى الآن، في التوزيعة البرلمانية القائمة، إذ يبدو التمترس داخل الكتل البرلمانية قويا.

وتحمل الموازنة العامة في طياتها سلسلة من الإجراءات الاقتصادية التي ستزيد من كلفة المعيشة، تحت يافطات متعددة، ستترجم عمليا في السوق على شكل غلاء ورفع أسعار، مثل إجراءات منسوبة للحفاظ على البيئة، ومكافحة تلوث المناخ، ستؤدي إلى رفع أسعار أواني طعام بلاستيكية تستعمل لمرة واحدة، وإجراءات من شأنها أن ترفع أسعار الكهرباء. كما ستكون هناك إجراءات تحت يافطة الحفاظ على سلامة الجمهور، مثل زيادة الضريبة على المشروبات الخفيفة، من عصائر ومشروبات غازية. وكل هذا سينضم إلى موجة الغلاء التي بدأت من صيف العام الماضي 2020، ولكنها باتت اليوم تسجل وتيرة أعلى، ما جعل التضخم المالي لأول مرّة منذ العام 2013، يرتفع في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بنسبة 2.5%، وقد ينتهي التضخم في العام الجاري عند الحد الأقصى الذي تجيزه السياسة الاقتصادية، وهو 3%.

"تسونامي غلاء"

"تسونامي غلاء"- هذا هو العنوان الذي ظهر في سلسلة تقارير صحافية اقتصادية إسرائيلية في الأيام الأخيرة. وتتفاقم مشكلة الغلاء القائمة، لأن الحديث يجري أساسا عن ارتفاع أسعار المواد والبضائع الاستهلاكية الأساسية، وخاصة المواد الغذائية. وقالت تقارير، ومنها تقارير في صحيفتي "ذي ماركر" و"كالكاليست"، إن السوق الإسرائيلية مُقبلة على موجة غلاء إضافية في أسعار المواد الغذائية، تتراوح بين 3% في الحدّ الأدنى وحتى 12%، حسب ما صرّح به مسؤولون كبار في كبرى شبكات التسوق الإسرائيلية.

ويدعي قادة شبكات التسوق أن ارتفاع الأسعار يعود إلى سلسلة عوامل، أولها ارتفاع أسعار المواد الخام عالميا، وفي دول المنشأ، مثل الحبوب على أنواعها والزيوت والسكر، إضافة إلى ارتفاع أسعار النقل البحري، بفعل قيود جائحة كورونا، ولكن أيضا في الأشهر الأخيرة، بسبب القفزات العالية في أسعار النفط والوقود عالميا. يضاف إلى هذا أن شبكات التسوق قلصت بدرجة كبيرة جدا حملات التخفيض التنافسية التي كانت دائرة في السنوات الأخيرة، ما سيساهم الآن في رفع الكلفة بالنسبة للمستهلك.

وكما يظهر من تقرير لصحيفة "ذي ماركر"، فإن هذا الغلاء وهذا العبء الثقيل خاصة على الشرائح الفقيرة والضعيفة، لم يمنع شبكات التسوق من تسجيل أرباح بنسب عالية. فقد أعلنت كبرى شبكات التسوق- "شوبرسال"- عن ارتفاع حجم أرباحها الصافية في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 24%، وبلغ 211 مليون شيكل، وهو ما يعادل حوالي 67 مليون دولار. كما أن شبكة التسوق الإسرائيلية "فيكتوري" سجلت أرباحها في الربع الثاني من العام الجاري، ارتفاعا بنسبة 10%، وقارب ربحها الصافي في تلك الفترة قرابة 13 مليون شيكل، وهو ما يعادل 4.12 مليون دولار.

ارتفاع قيمة الشيكل

القضية الأكبر التي يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، هي ارتفاع قيمة الشيكل أمام كل العملات العالمية، وأولها الدولار واليورو، وقد عاد سعر صرف الدولار إلى المستوى الذي كان عليه قبل 25 عاما. إلا أن ارتفاع قيمة الشيكل لا يعني ارتفاع قيمته الشرائية، وهذا ما تثبته موجة الغلاء، ويعدد المحللون سلسلة من الأسباب التي تساهم في الارتفاع المستمر في سعر الدولار واليورو، وهو ما من شأنه أن يتسبب بخسائر في مردود الصادرات الإسرائيلية بالعملة المحلية، الشيكل.

ففي حين أن المستوردين يستفيدون من ارتفاع قيمة الشيكل، ولا يترجمون هذا في لجم ارتفاع الأسعار، فإن المصدّرين يعلنون أزمة جديّة لديهم، لأن المردود المالي بالشيكل لبضائعهم التي تباع للعالم بات أقل بكثير، في حين أن كلفة الإنتاج في ارتفاع مستمر، وتقول تقارير إن بعض المصانع أغلقت خطوط إنتاج عديدة، بسبب عدم الجدوى الاقتصادية، ما يعني تلقائيا، فصل عاملين من هذه المصانع.

في المقابل، يقول محللون، وأيضا محافظ بنك إسرائيل المركزي، أمير يارون، إن ما يشهده الاقتصاد الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، هو ارتفاع حاد في صادرات الخدمات وليس البضائع، والقصد هنا أكثر خدمات التقنية العالية، والخدمات المشابهة.

ويعدد المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر"، إيتان أفريئيل، سلسلة أسباب لارتفاع قيمة الشيكل، منها مسألة صادرات الخدمات، ولكن في ذات الوقت تدفق المستثمرين على الأسواق المالية الإسرائيلية. وحسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فإن الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل ارتفعت من 17.4 مليار دولار في العام 2019، إلى 24.3 مليار دولار في العام الماضي 2020، في أوج الاغلاقات والأزمة الاقتصادية، ومن المتوقع أن تتجاوز الاستثمارات الخارجية في إسرائيل في العام الحالي حاجز 30 مليار دولار، وهذا تسبب بدفق كمية ضخمة من العملات الأجنبية، ما ساهم في رفع قيمة الشيكل بشكل حاد.

ويرى محللون أن بنك إسرائيل المركزي عالق في دوامة في هذه المرحلة، فمن ناحية هناك غلاء وحالة تضخم مالي لم تشهدها إسرائيل منذ 8 سنوات، ما يلزم برفع الفائدة البنكية الأساس، التي ترسو منذ أكثر من عام ونصف العام عند نسبة 0.1%. ولكن من ناحية أخرى، فإن ارتفاع قيمة الشيكل أمام العملات الأجنبية يمنع البنك من رفع الفائدة البنكية، على الأقل في المدى المنظور.

وقال محافظ بنك إسرائيل أمير يارون، في مؤتمر صحافي عُقد في الأسبوع الماضي: "إننا لن نعمل على تغيير الاتجاهات بعيدة المدى. ونحن نحاول استيعاب حقيقة أن الاقتصاد الإسرائيلي بات يتجه أكثر نحو تصدير الخدمات بدلا من تصدير البضائع". وبحسب قوله، فإن شراء البنك عملات أجنبية بمبلغ 30 مليار دولار "كان هدفا تم وضعه في وضعية استثنائية، في فترة قيود كورونا، ولكن هذا الهدف لن يكون سقفا أو عائقا يمنع خطوات مستقبلية". كما أشار إلى التدفق الاستثماري الكبير الذي يساهم في رفع قيمة الشيكل، وأدعى أن "الاقتصاد في حالة جيدة".

وشدد يارون على أنه إذا كانت هناك حاجة لمزيد من التدخل، فسيتم تنفيذه أيضا. وقال "لن نكون غير مبالين بالتغيرات في العملة التي لا تتطابق مع البيانات الأساسية في الاقتصاد".

وفي سياق ضغوط المصدّرين للتدخل في سعر الصرف، قال يارون "إن لجنة تحديد الفائدة في بنك إسرائيل تنظر في اعتبارات أوسع بكثير من اعتبارات المصدرين وحدهم".

وادعى بحث صادر عن قسم الأبحاث في بنك إسرائيل المركزي، وصدر في الأسبوع الماضي، أن انخفاض أسعار الصرف أمام الشيكل، ساهمت في لجم ارتفاع الأسعار بنسبة 24%، بمعنى أنه لو بقيت قيمة الشيكل عند مستواها السابق وفي حدود 3.6 شيكل للدولار، فإن ارتفاع الأسعار سيكون أعلى مما هو عليه الآن بنسبة 24%.

تراجع العجز والبطالة وارتفاع النمو

هذه الأوضاع الاقتصادية تأتي في الوقت الذي يسجل فيه الاقتصاد الإسرائيلي مؤشرات يتم وصفها بـ"الإيجابية"، فمنذ نحو شهر تتحدث المؤسسات المالية الإسرائيلية الرسمية، ومعها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، عن أن النمو الاقتصادي في إسرائيل سيسجل ذروة هذا العام، وقد يتجاوز نسبة 7%، بعد أن كان في العام الماضي 2020 قد سجل انكماشا بنسبة 2.2%، كما من المتوقع أن يرتفع النمو في العام المقبل 2022، بنسبة تصل إلى 5.5%.

واستنادا إلى أن نسبة التكاثر السكاني في إسرائيل هي في حدود 2%، فإن نسبة نمو في العام الجاري بـ7%، على الأقل، ستقلص العجز الحاصل في العام الجاري، وتعيد الاقتصاد الإسرائيلي إلى مسار النمو، وهو ما سيتعزز في العام المقبل، إذا لم تحدث مفاجآت جديدة.

في المقابل، أقدمت وزارة المالية الإسرائيلية في الأسبوع الماضي على خفض تقديراتها للعجز في الموازنة العامة إلى حوالي 5.3%، بدلا من عجز كان متوقعا في مطلع العام الجاري وحتى منتصفه، في حدود 6.7%، وعلى أساس نسبة العجز العالية هذه تم إعداد ميزانية العام الجاري.

ولكن كل نسب النمو هذه، التي يجري الحديث عنها لا تصل إلى الشارع، والجمهور لن يلمسها، كما ظهر من موجة الغلاء المتفاقمة. كذلك فإن البطالة ما تزال مرتفعة، مقارنة مع ما كانت عليه عشية اندلاع جائحة كورونا. فقد أعلن أعلن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، أن البطالة حتى منتصف شهر تشرين الأول الماضي، هبطت إلى نسبة 7.1%، بما يشمل البطالة الناجمة عن جائحة كورونا، فيما البطالة العادية هبطت هي الأخرى إلى نسبة 5.1%، وهي ما تزال أعلى من البطالة التي كانت حتى اندلاع جائحة كورونا في آذار 2020، إذ كانت نسبة البطالة 3.4%.

إلا أن هذا الانخفاض الذي يُعد حادا من جهة الحكومة ومؤسساتها، من 7.9% في أيلول، إلى 7.1% في منتصف تشرين الأول، ناجم أساسا عن خروج ما لا يقل عن 30 ألف عامل وعاملة من سجلات البطالة، وهؤلاء كانوا يستحقون مخصصات بطالة استثنائية بفعل جائحة كورونا، بموجب القانون المعدّل، وستتوقف المخصصات الاستثنائية مع نهاية العام الجاري، على الرغم من أن بعض القطاعات ما تزال تعاني من قيود كورونا، وبشكل خاص قطاع السياحة والفندقة، وذلك على ضوء توقف السياحة القادمة.

ومن خلف هذه النسب المئوية الجافة، فإن أكثر من 305 آلاف شخص ما زالوا معطّلين عن العمل وفق السجلات الرسمية، التي لا تحسب أولئك المحرومين أصلا من فرص العمل طوال حياتهم، وبشكل خاص عشرات آلاف النساء العربيات، اللاتي لم ينخرطن في سوق العمل طوال حياتهن ولذا فإنهن لا يدخلن في إحصاءات القوة العاملة وحسابات نسب البطالة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات