المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
لبيد: كمائن في الطريق نحو الكرسي الأول.   (عن "فلاش 90")
لبيد: كمائن في الطريق نحو الكرسي الأول. (عن "فلاش 90")
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1750
  • وليد حبّاس

بعد عامين من عدم الاستقرار السياسي، تشكلت الحكومة الإسرائيلية الحالية بناء على اتفاق تدوير (مناوبة) بحيث يتم تنصيب نفتالي بينيت رئيسا للحكومة لمدة عامين فقط، وبتاريخ 27 آب 2023 سيخلفه رئيس حكومة جديد، هو يائير لبيد. بتاريخ 28 تشرين الأول، أي بعد مرور أربعة أشهر على عمر الحكومة، نشر الاعلام الإسرائيلي تصريحات مسربة لبينيت، والتي بموجبها يشكك في قيام هذا التدوير، ويرى أن مستقبل الحكومة هو الانهيار قبل أن يحل موعد ولاية لبيد. هذا التصريح المسرب أعاد إلى الأذهان اتفاق التدوير الذي حصل في العام السابق بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، عندما استطاع نتنياهو بكل سهولة الإخلال بالاتفاق، ومنع وصول غانتس إلى رئاسة الحكومة في تصرف سياسي أناني قام نتنياهو من خلاله بجر دولة إسرائيل إلى جولة انتخابات جديدة على أمل أن يتم إعادة انتخابه ويبقى في موقعه.

في هذا التقرير سنتوقف عند مفهوم حكومة التدوير، والمسوغات القانونية التي من شأنها أن تضمن تنفيذه وتلك التي يمكن التلاعب بها بهدف الحيلولة دون تنفيذه.

في العام 1968، صادق الكنيست على قانون أساس الحكومة والذي يحدد طريقة تركيب الحكومة الإسرائيلية. حسب هذا القانون، فإن رئيس الحكومة هو عضو الكنيست الذي يتمكن من حث 61 عضو كنيست على الأقل من أصل 120 عضوا لتكليفه بتشكيل حكومة. هذا يعني أن نظام الحكم في إسرائيل هو نظام برلماني حزبي، بحيث أن الإسرائيليين لا يختارون رئيس الحكومة، والذي يعتبر رأس السلطة التنفيذية والرجل الأقوى في إسرائيل، بشكل مباشر. تُستثنى من ذلك الفترة ما بين العام 1992 والعام 2011 حيث عدلت إسرائيل قانون الأساس ليتم انتخاب رئيس الحكومة بشكل مباشر قبل أن تعود مرة أخرى إلى الطريقة غير المباشرة.

يمكن القول إنه حتى منتصف الثمانينيات، كانت التركيبة الحزبية في إسرائيل تقوم على منافسة ما بين حزبين رئيسيين كبيرين، هما حزب المعراخ (أو حزب العمل اليساري) وحزب الليكود اليميني. وعليه، كان يسهل على الحزب الذي يحظى بتمثيل كبير في الكنيست أن يتحالف مع أحزاب صغيرة مقربة منه لتشكيل حكومة. لكن مع تصاعد التقاطبات السياسية، والتصدعات الاجتماعية داخل إسرائيل، بدأت فكرة الحزب الكبير تتراجع لصالح فسيفساء من الأحزاب التي لا تستطيع أن تشكل حكومة بنفسها، وإنما تحتاج إلى بناء تحالفات معقدة. ولأن الحجم السياسي للأحزاب بدأ يتراجع مقابل ازدياد في عدد الأحزاب التي تتجاوز نسبة الحسم، فإن تشكيل الحكومة الإسرائيلية أصبح مهمة أصعب من ذي قبل، بل وتنطوي على تنازلات وتجاذبات داخلية. مثلا، في العام 1984، حصل حزب العمل بقيادة شمعون بيريس على 44 مقعدا، بينما حصل الليكود على 41 مقعدا فقط. لم يتمكن أي من الحزبين من تشكيل حكومة تقوم على 61 مقعدا، الأمر الذي دفع رئيس الدولة في حينه، حاييم هيرتسوغ، إلى استدخال مفهوم حكومة التدوير إلى الحياة السياسية الاسرائيلية.

وحكومة التدوير هي مفهوم مختلف قانونيا عن حكومة التبادل التي يستخدمها بينيت ولبيد في الدورة الحالية. تقوم فكرة حكومة التدوير التي جاء بها هيرتسوغ على اتفاق سياسي بدون أن يكون لذلك أي ضمانات قانونية. بموجب الاتفاق ما بين بيريس وشامير، كان يتوجب على بيريس أن يشكل حكومة جديدة، ثم يقدم استقالته طوعا بعد عام ونصف العام بعد أن يرشح خليفته شامير لتشكيل حكومة جديدة بدون أن تذهب إسرائيل إلى جولة انتخابات. لم يكن هنا ما يلزم بيريس قانونيا بتقديم استقالته، ومع ذلك، فضل أن يحترم الاتفاق السياسي وبالفعل تم التدوير. قانونيا، هذا يعني أن الفترة ما بين العام 1984 والعام 1988، شهدت حكومتين، وهما الحكومة الـ 21 برئاسة بيريس والحكومة الـ 22 برئاسة شامير.

الحكومة التبادلية

المرة الثانية التي وصلت فيها إسرائيل إلى طريق مسدود وعجزت كافة الأحزاب عن تشكيل حكومة إسرائيلية كانت في العام 2020. فبعد ثلاث جولات انتخابية فاشلة، اتفق بنيامين نتنياهو (عن حزب الليكود) وبيني غانتس (عن تحالف "أزرق أبيض") على تشكيل حكومة تدوير. لكن غانتس الذي كان لا يثق بنية نتنياهو احترام الاتفاق، أراد أن يتم تعديل قانون أساس الحكومة لوضع ضمانات قانونية توجب نتنياهو باحترام التدوير. أما نتنياهو الذي كان يسعى بكل قوته للبقاء في حكمه فقد وافق على إجراء هذا التعديل. بموجب الاتفاق من العام 2020، تم تعديل قانون أساس الحكومة لينص على طريقة التدوير الجديدة والتي يمكن تسميتها حكومة تبادلية. المستجد الذي تقوم عليه الحكومة التبادلية هو أن نتنياهو غير مضطر إلى تقديم استقالته كما فعل بيريس العام 1986 ليحل خليفته مكانه، وإنما تنتهي ولايته تلقائياً في الموعد المنصوص عليه في الاتفاق. وعليه، كان من المفترض أن تنتهي ولاية نتنياهو في الحكومة بتاريخ 17 تشرين الثاني من العام 2021، وأن يبدأ غانتس بقيادة نفس الحكومة في هذا اليوم. وقد تم تعديل قانون أساس الحكومة لينص صراحة على شرطين، إذا تحقق أحدهما سوف لن يتولى غانتس دوره في الحكومة التبادلية وهما: أولا، في حال تم حل الكنيست لأي سبب كان، وثانيا في حال فشلت الحكومة في إقرار الموازنة العامة. وبالفعل منع نتنياهو غانتس من الوصول إلى رئاسة الحكومة بمجرد أنه عرقل كل الجهود لتقديم مقترح موازنة عامة بتاريخ 23 كانون الأول 2020، فذهبت إسرائيل إلى جولة انتخابات جديدة.

اليوم، هناك حكومة جديدة، وهي الثانية في تاريخ إسرائيل التي تقوم على قاعدة الحكومة التبادلية بموجب التعديل الذي حصل على قانون أساس الحكومة، وهي حكومة بينيت- لبيد. بيد أن لبيد الذي سمح لبينيت بتولي رئاسة الحكومة أولا، كان قد استخلص العبر من الغبن الذي وقع فيه غانتس قبل عام، وعليه وضع شروطا أخرى للحيلولة دون أن يقوم بينيت بإفشال التدوير كما فعل نتنياهو. أولا، وضع لبيد شرطا بموجبه إذا قام عضوا كنيست من حزب بينيت (حزب "يمينا") بالتصويت لصالح حل الكنيست، فإن لبيد نفسه سيصبح فورا رئيس الحكومة الانتقالية التي ستتحضر لعقد جولة انتخابات جديدة. ثانيا، تم وضع عقوبات على الطرف الذي يدعم حل الكنيست أو يعرقل التدوير والتي قد تصل إلى حرمانه من المشاركة في انتخابات الكنيست القادمة. هذه تعتبر نقطة قوة تضمن تماسك الائتلاف الحالي والذي يراه الكثيرون على أنه هش. لكن تبقى قضية واحدة ينص عليها قانون أساس الحكومة المعدل والتي قد تسقط الحكومة وتحول دون قدرة لبيد على الوصول إلى رئاسة الحكومة، وهي إقرار الميزانية العامة.

في أثناء دورة الحكومة الحالية، هناك محطتان مهمتان ومصيريتان، وهما موعد إقرار الميزانية والذي يأتي مرة كل عامين. المرة الأولى كانت في بداية ولاية الحكومة حيث كانت هناك مصلحة مشتركة لكل من لبيد وبينيت بالمصادقة على الميزانية. لكن المحطة الثانية ستحل بعد عامين، وقبيل تولي لبيد لدوره في الحكومة. ثمة العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى إفشال إقرار الميزانية في المحطة الثانية، أي بعد عامين. ويمكن أن يلعب أعضاء هامشيون في الائتلاف دورا في إسقاطها. وعليه أصرّ لبيد على وضع بنود ضمن الاتفاقيات الحكومية تلزم الأطراف بإبداء ليونة في موضوع الموازنة القادمة.

اليوم، الشيء الوحيد الذي يمكن الإشارة إليه بكل وضوح هو أن موعد تسلم لبيد لدوره في رئاسة الحكومة هو 27 آب 2023. لكن تحقيق التدوير هو مسألة مفتوحة على كل الخيارات، سيما وأن إقرار الميزانية هو محطة لإعادة التجاذبات وخلالها تقوم كل أحزاب الائتلاف الحكومي بإعادة النظر في الاتفاقيات الائتلافية وتسعى إلى تحقيق مكاسب أخرى كشرط للموافقة على الميزانية.

بالعودة إلى تصريحات بينيت حول تشكيكه في حصول تدوير بتاريخ 27 آب 2023، فإنه أوضح أن أقواله قيلت في سياق مختلف وأعاد التأكيد على التزامه الأخلاقي مع لبيد. لكن هذه التفاصيل التي ستتحول إلى مشهد أساسي في الحياة السياسية الإسرائيلية مستقبلا تشير إلى عدة أمور مهمة لا بد أن نختم بها:

أولا، انتهاء عهد الأحزاب الكبرى والقادرة على حسم قضية تشكيل الحكومة الإسرائيلية. ما نراه اليوم أن المشهد السياسي- الحزبي في إسرائيل ينطوي على العديد من الأحزاب المتوسطة والصغيرة الحجم والتي تلعب جميعها، بما فيها العربية، دورا يكاد يكون متساوياً من حيث قدرتها على المناورة.

ثانيا، تلعب الأيديولوجيا السياسية والهويات الدينية دوراً أساسياً في حسم التجاذبات بين الأحزاب الصغيرة هذه.

ثالثا، بإمكان المعارضة أن تؤثر بشكل أكبر على مصير الحكومة من خلال تحقيق اختراق واستمالة أحد أحزاب الائتلاف، خصوصا عندما تحين لحظات إقرار الموازنة.
رابعاً، إلى أن تخرج إسرائيل من دوامة الأزمة الداخلية والتي تعيد إنتاج نفسها باستمرار في ظل عدم وجود أحزاب كبيرة، يمكن التقدير بأن المسألة الفلسطينية ستظل هامشية على جدول أعمال الحكومة باعتبارها قضية مصيرية يمكن أن تفكك الحكومة من داخلها.

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات