قالت ورقة تقدير موقف جديدة صادرة عن "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب إن الوثيقة المحدثة بشأن "التوجه الاستراتيجي الأميركي الجديد إزاء الصين"، التي وزعها البيت الأبيض في واشنطن يوم 20 أيار الماضي، تهدّد ما أسمته بـ"المخزون الغني من العلاقات الاقتصادية والتجارية والأكاديمية الذي تم بناؤه بين الدولتين على مدار سنوات عديدة" ولا سيما منذ سبعينيات القرن العشرين الفائت.
وأضافت الورقة التي كتبها الباحث الخبير في شؤون الصين في المعهد المذكور إيال بروفر، أن ازدياد حدة التصريحات الأميركية ضد الصين منذ بداية ولاية الرئيس الحالي دونالد ترامب لم تكن غريبة على أسماع القيادة العليا في بكين. و"الحرب التجارية" بدت للصينيين كاستمرار واضح لصراعات سابقة، ولقد عملوا بحسب أسلوبهم من خلال تمرير الوقت ومفاوضات دقيقة على مكونات الاتفاق، وأحياناً إعادة فتح نقاط اتُّفق عليها. مع ذلك، يبدو مؤخراً أن الصين تفاجأت من قوة وكثافة النشاطات الأميركية، وبخلاف تصريحات ماضية وعمليات محدودة، هذه المرة تبدو سياسة الولايات المتحدة حادة وواضحة وطويلة الأمد، وهي تدعو دولاً أُخرى بل تطلب منها عدم الدفع قدماً بعلاقاتها بالصين، وتسنّ قوانين جديدة هدفها الدفع قدماً بعلاقات الولايات المتحدة مع تايوان، وفرض قيود على النشاطات التجارية والأكاديمية لجهات صينية في الولايات المتحدة والعالم.
وأشارت الورقة إلى أن الزيارة القصيرة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى إسرائيل (يوم 13 أيار 2020) كجزء من الضغط الأميركي لمنع الشركات الصينية للفوز بمناقصات تتعلق بالبنية التحتية في إسرائيل، شكلت بالنسبة إلى الصينيين نموذجاً إضافياً للنشاط الأميركي ضدها. والرد الرسمي على الزيارة الذي صدر عن السفارة الصينية في إسرائيل (في 15 أيار) شدد على أن "وزير الخارجية يكرر فكرة قديمة تتعلق بالتخوف الأمني، من دون تقديم أي دليل فعلي، وذلك للإضرار بالعلاقات التجارية بين الصين وإسرائيل."
وتحت عنوان "الدلالات بالنسبة إلى إسرائيل" جاء في الورقة:
تدرك الصين جيداً العلاقات الاستراتيجية العميقة لإسرائيل مع الولايات المتحدة. إلى جانب ذلك، جرت المحافظة على العلاقة الإيجابية بين الشعب الصيني واليهود على مر السنوات، وتعززت داخل الحزب والجمهور الصيني صورة إسرائيل كدولة قوية مبدعة يمكن التعلم منها كثيراً في مجال الابتكارات والتكنولوجيا. في النظرة الصينية، إسرائيل ليست في وسط ساحة الصراع الدائر بين الدولتين العظميين، وكونها حليفة قوية للولايات المتحدة، لا يعني ذلك منع تطوير العلاقات التجارية معها على أساس مدني. الصين نفسها تدير شبكة علاقات متوازية مع دول بينها عداء في الشرق الأوسط، مثل إيران والسعودية وإسرائيل، وهي تفرّق بين المواقف والتصريحات السياسية وبين النشاطات الاقتصادية والتجارية.
وخلصت الورقة إلى أنه بالإضافة إلى المحافظة على علاقتها الاستراتيجية الخاصة بالولايات المتحدة، يتعين على إسرائيل فهم وجهة النظر الصينية والتعرف على هامش مرونتها، والامتناع عن إعطاء تصريحات لا فائدة منها، وعن القيام بخطوات تصعيدية يمكن أن تؤذي النسيج الهش للعلاقات التي بُنيت مع الصين في السنوات الأخيرة.
تجدر الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين وإسرائيل ارتفع كثيراً في الأعوام الأخيرة. وقال مسؤولون صينيون مؤخراً إنه بالرغم من أن عمر منظومة العلاقات المباشرة بين الصين وإسرائيل هو 28 عاماً فقط، إلا إن هذه العلاقات تسجل ذرى جديدة في كل عام. وتعتبر الصين الآن الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل في آسيا، والشريك التجاري الثالث لها في العالم.
وتزامنت ورقة تقدير الموقف المذكورة مع إعراب أصوات إسرائيلية وأميركية عن حالة انزعاج من الوجود الصيني في الموانئ الإسرائيلية عن طريق التجارة والاستثمار، ولا سيما من اتفاقية تتولى بموجبها شركة صينية إدارة ميناء حيفا.
وكانت مجلة "نيوزويك" الأميركية ألقت الضوء على هذا الملف، مشيرة إلى ما يقال عن تبعات محتملة على أمن إسرائيل وعلى العمليات العسكرية الأميركية في المنطقة. وأشارت المجلة إلى أن ميناء حيفا يقع بالقرب من قاعدة لقوات سلاح البحرية الإسرائيلية يعتقد أنها تؤوي قوة الغواصات النووية الإسرائيلية.
ويفترض أن تتسلم مجموعة "شنغهاي إنترناشونال بورت غروب" في العام 2021 إدارة ميناء حيفا الذي تمت توسعته حديثا، بموجب عقد مدته 25 عاما. وفازت شركة صينية أخرى بعقد لبناء ميناء جديد في مدينة أسدود جنوبي إسرائيل.
وتواصلت "نيوزويك" مع ضابط سابق كبير في سلاح البحرية الإسرائيلية هو العميد احتياط شاؤول حوريف وأبلغها أن الوضع يقتضي آلية جديدة لمراقبة الاستثمارات الصينية في إسرائيل.
وأطلع حوريف المجلة على وثيقة تلخص نتائج مؤتمر عقدته جامعة حيفا بشأن مستقبل الأمن البحري في شرق المتوسط. وبحسب الوثيقة، عبر المشاركون في المؤتمر عن قلقهم بشأن العقد الصيني لإدارة ميناء حيفا لأنه قد "يقيد أو يمنع التعاون الإقليمي مع البحرية الأميركية".
وحذر حوريف وزملاؤه في المؤتمر من أن إسرائيل تفتقر إلى آلية لتحليل ما تنطوي عليه الاستثمارات الاقتصادية من انعكاسات على الأمن القومي، ودعوا إلى إنشاء هذه الآلية على وجه السرعة.
وأشارت المجلة الأميركية إلى أن الهيمنة الصينية على موانئ إستراتيجية عديدة وممرات بحرية في أنحاء العالم تأتي في إطار "مبادرة الحزام والطريق"، التي قال الرئيس الصيني إنها تدمج بين العسكري والمدني. وفي ضوء ذلك، يمنح عقد إدارة ميناء حيفا الجيش الصيني نظريا منشأة مفيدة في البحر المتوسط على واحد من أهم مسارات التجارة العالمية.