أكدت كل التقارير الصادرة منذ اندلاع أزمة كورونا الصحية، والأزمة الاقتصادية الناجمة عنها، جراء الإغلاق، واغلاق الحدود وتقليص الحركة العامة، أن أكثر القطاعات المتضررة سيكون قطاع السياحة بكل اتجاهاته، وقطاع المطاعم والمقاهي، وأماكن الترفيه. ولكن لم تكن التوقعات، كما يبدو، بهذا الحجم الذي بدأت تظهر نتائجه، منذ الآن، فالوزارات صادقت على تمديد الاجازات غير مدفوعة الأجر في المطارات والمعابر، حتى شهر أيلول، وليس واضحا ما إذا سيكون مسموحا السفر لغرض السياحة، حتى لبعض الدول التي تبدو أقل ضررا صحيا. في حين أن السياحة الداخلية، بأسعارها الباهظة جدا، ستكون ضعيفة، أكثر من أي عام آخر.
ويشكل قطاع السياحة في إسرائيل 3% من الناتج المحلي العام، وعدد العاملين فيه حوالي 4% من اجمالي القوى العاملة، وترتفع النسبة بقليل في المواسم السياحية، والغالبية الساحقة جدا من العاملين في قطاع السياحة لم يعودوا إلى أعمالهم، في حين أن قطاع المطاعم لم يعد للعمل بالوتيرة الكاملة، لذا فإن نسبة الاستغناء عن العاملين فيه أعلى بكثير من باقي القطاعات.
ولا شك في أن عدم فتح المطارات والأجواء بوتيرة كاملة حتى مطلع أيلول، سيعني ضرب موسم سياحي كبير، وبالذات للسياحة الخارجة، إذ أن موسم السياحة الداخلة الأول كان في الربيع، وتوقف كليا، فيما موسم السياحة الثاني، يكون عادة في خريف العام، ومصيره ليس واضحا حتى الآن.
وكانت التوقعات للسياحة في هذا العام أن تسجل ذروة جديدة، بعد الذروة التي سجلتها في العام الماضي، إذ بلغ عدد السياح الداخلي 55ر4 مليون سائح، وهي زيادة رابعة على التوالي منذ العام 2016. ولكن حسب كل المؤشرات، فإن عدد السياح هذا العام لن يتجاور كثيرا مليوني سائح، بمن فيهم السياح الذين دخلوا البلاد حتى منتصف شهر آذار الماضي، وهذا إذا ما تم فتح الأجواء بوتيرة كاملة في الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الجاري.
وحسب ما نشر في التقارير الاقتصادية، فإن وزارة الصحة أوقفت كل الاستعدادات لاستقبال سياح من الخارج، وحاليا لا توجد أي هيئة رسمية ذات صلاحيات منشغلة في كيفية استقبال سياح من الخارج، ما يعني أن هذا الأمر ليس مطروحا حتى الآن على أجندة السلطات ذات الشأن، في الوقت الذي فيه موسم السياحة بات على الأبواب.
وقالت صحيفة "ذي ماركر" إن التاريخ الذي تم وضعه سابقا، 15 تموز، كتاريخ هدف لفتح الحدود أمام السياح، تم وضعه قبل اندلاع انتشار الفيروس في إسرائيل من جديد، ولم يتم الاستعداد لذلك التاريخ.
وكما ذكر، فإن وزارتي المواصلات والمالية اتفقتا على تمديد الاجازات غير مدفوعة الأجر لآلاف العاملين في المطار الدولي بن غوريون (مطار اللد)، والمعابر الدولية، إلى شهر أيلول المقبل، وليس واضحا نهائيا ما إذا ستكون إعادة النظر في هذا القرار، لأنه يعني اغلاق الأجواء أمام السياحة الداخلة، ولكن أيضا أمام ملايين السياح إلى الخارج، هذا القطاع الذي توقف كليا، ووجه ضربات قاصمة لشركات سياحة كبرى تنظم رحلات إلى دول العالم. وحسب الاحصائيات الإسرائيلية، فإن 180 ألف عامل في إسرائيل يعملون في مجال السياحة والمطارات، وهؤلاء أعمالهم متوقفة كليا، وشركات سياحة كبرى بدأت في فصل مئات العاملين لديها، فيما مكاتب تسويق سياحة للخارج مغلقة منذ ما يزيد عن ثلاثة أشهر، وهم من بين المستقلين، الذين تقاضوا تعويضات فتات على توقفهم عن العمل، ما يعني انهيارا ماليا بالنسبة لهم.
وحتى الآن لم تقدم إسرائيل أي ردود على إعلان دول سياحية استعدادها لاستقبال سياح من إسرائيل، وخاصة قبرص واليونان وجورجيا وغيرها من الدول التي قالت إن استقبال السياح لديها من دول محددة سيكون بقيود حتى أواخر حزيران، ومن ثم لن تكون قيود على السياح.
ويدعو وكلاء سياحة حكومتهم إلى اعداد قائمة "دول خضراء"، بمعنى دول لا يوجد فيها تفش خاص لفيروس كورونا، على أن يتم تبادل السياحة بين هذه الدول دون قيود؟
انهيار مداخيل السياحة عالميا
وما تزال إسرائيل متشددة جدا في مسألة فتح الأجواء، بسبب استمرار تفشي وباء كورونا في العالم، وهذا احتد أكثر مع استئناف تفشي الفيروس في إسرائيل، منذ مطلع حزيران، فبعد أن هبط عدد المرضى الفعالين إلى 1917 شخصا، عاد الفيروس ليتفشى بوتيرة عالية جدا، وقفز مع مطلع الأسبوع الجاري عن 4500 مريض، رغم أن الحالات الخطرة ما تزال قليلة جدا، وكذا عدد الموتى. والنسبة الأعلى من المرضى الجدد كانت في جهاز التعليم، الذي عاد للعمل بوتيرة أقرب للطبيعية، ولكن جهاز التعليم سيغلق أبوابه في الأيام القليلة المقبلة.
وترفض إسرائيل أن تتبع دول الاتحاد الأوروبي، التي باتت على وشك أن تفتح أجواءها، وتسمح بالتنقل بين دولها، رغم استمرار تفشي الوباء، بوتيرة عالية.
وقال تقرير أخير لمنظمة التنمية والتعاون بين الدول المتطورة OECD، إن أزمة تفشي كورونا واغلاق غالبية الدول مجالها الجوي، أدت إلى انهيار مداخيل الدول من السياحة العالمية بنسبة 80%، وكلما كان اعتماد اقتصاد الدولة على السياحة العالمية أكبر، كانت الضربة مؤلمة أكثر، كما هي حال إسبانيا وآيسلندا واليونان، فيما مساهمة السياحة في الاقتصاد الإسرائيلي لا تتعدى 3%.
وحسب تقرير المنظمة العالمية ذاتها، فإن العام الجاري سيشهد انخفاضا اجماليا في مداخيل السياحة العالمية بنسبة 60%، مقارنة مع العام الماضي 2019. إلا أن السياحة الداخلية التي يشكل حجمها 75% من مداخيل السياحة في الدول الـ 34 الأعضاء في منظمة OECD ستشهد انتعاشا سريعا، لأن المواطنين سيفضلون السياحة الداخلية على السفر إلى دول العالم. ومن سيتورط في هذه الحالة هم المواطنون في إسرائيل، التي تدل كل التقارير على الكلفة العالية جدا، وتصل إلى أضعاف كلفة النقاهة في دول المنطقة، مثل اليونان وتركيا والأردن ومصر.
أزمة السياحة الداخلية
رغم الذروة الكبيرة التي سجلتها إسرائيل في أعداد السياح، في كل واحدة من السنوات الأربع الأخيرة، إلا أن حوالي 60% من ليالي المبيت في الفنادق في إسرائيل تعود للسياحة الداخلية، ولكن 70% من السياحة الداخلية في الفنادق تعود إلى رحلات منظمة، غالبا من نقابات واتحادات العمال، التي تمول قسما كبيرا من الإقامة في الفنادق، وأحيانا يكون التمويل كاملا.
وكما هو الوضع على مر السنين، فإن المواطن في إسرائيل يفضل قضاء عطلته في الخارج، وبالذات في الدول القريبة، مثل اليونان وجزرها وتركيا وصحراء سيناء وأيضا العقبة، إذ أن فجوة الكلفة ضخمة جدا.
وحتى الآن في ظل الأزمة، وبعد أن فتحت الفنادق الإسرائيلية أبوابها، وتقدم تخفيضا في أسعارها، قال مسح لصحيفة "ذي ماركر"، لكلفة فنادق مدينة ايلات الواقعة على خليج العقبة، إن كلفة ليلتين في نهاية الأسبوع، في شهري الصيف المقبلين، لزوجين في غرفة، أعلى بكثير من كلفة قضاء ثلاث ليال في نهاية الأسبوع في اليونان وتركيا، وأحيانا تصل الفجوة من 3 إلى 6 أضعاف، حتى بعد احتساب الرحلة الجوية، خاصة إذا كانت المقارنة مع قضاء العطلة في جوار ايلات، في سيناء المصرية، والعقبة الأردنية.
في المجمل وكما ذكر، فإن آخر قطاع من الممكن أن يخرج من الأزمة الحاصلة هو قطاع السياحة، ويقول يوني فاكسمان، رئيس شركة "أوفير تورز"، واحدة من أكبر شركات السياحة الإسرائيلية، في حديث لصحيفة "ذي ماركر": "حينما ننظر إلى المستقبل، فإننا نرى سوادا، لأنه لا يوجد دعم من أي جهة من الجهات ذات الصلة في الحكومة". ويقول رونين كراسو، المدير العام لشركة "إيستا" السياحية: "إن الصيف الذي توخينا أن يكون جيدا، بات جهنما". وكلتا الشركتين مشهورتان بالسياحة إلى الخارج، وأيضا بتسيير سفن لرحلات بحرية خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وتقول معطيات لشركة المعلومات الاقتصادية DBI، إن في إسرائيل 1200 مصلحة للخدمات السياحية (مكاتب وشركات) ويعمل فيها 20 ألف شخص، وغالبيتهم يعملون بالوكالة، وليسوا موظفين ثابتين. و95% من هذه المصالح الخدماتية تضررت من الأزمة الاقتصادية. وما يعزز هذه المعطيات، تقرير سلطة المطارات الصادر قبل أيام، وجاء فيه أن حركة الملاحة الجوية في أيار الماضي كانت بنسبة 1% من حركة الملاحة الجوية التي شهدتها مطارات إسرائيل في العام 1999. كذلك فإن الملاحة الجوية الداخلية انخفضت في أيار بنسبة 25ر77%.
وتقول إحدى مديرات شركة DBI تهيلا يناي إن أزمة كورونا ما تزال قائمة من الناحية الاقتصادية في القطاع السياحي، ورغم أن الاقتصاد بدأ يفتح ابوابه، إلا أن الوتيرة بطيئة، واستئناف انتشار الفيروس قد يلجم حركة الاقتصاد مجددا، والأضرار الاقتصادية قد تستمر في بحر العام المقبل.
في المحصلة، إذا يجري الحديث عن انكماش اقتصادي بنسبة 5ر4% حسب تقديرات بنك إسرائيل، فإن الحصة الأكبر من هذا الانكماش ستكون من قطاع السياحة والفندقة والمطاعم، على أنواعها ومستوياتها، والمقاهي أيضا، خاصة وأن القطاعين (الفندقة والمطاعم ومرافق الأكل) معا يشكلان حوالي 6% من حجم الناتج العام. وهذا يسري أيضا على البطالة المرشحة لترسو عند نهاية العام في حدود 8%، لأنه كما ذكر فإن 6% من العاملين يعملون في قطاع السياحة والفندقة، وقطاع المطاعم والمقاهي.