تقرير الفقر الرسمي الصادر عن العام 2017
*الفقر يتراجع إلى 2ر21% على مستوى الأفراد مقابل 9ر21% في العام 2016 *التراجع حاصل لدى كل الشرائح، لكن الفقر بين العرب ما زال الأعلى، وهو أعلى بـ 6 أضعاف مما هو عليه بين اليهود من دون الحريديم *لأول مرّة يعترف تقرير رسمي إسرائيلي ضمنا بأن نسبة الحريديم تفوق 15% من إجمالي اليهود *التقرير يقسم الجمهور على مستوى الشرائح، لتظهر أكثر الفجوات بين اليهود والعرب: فقط نسبة 1 بالألف من العرب تُعتبر ثرية، مقابل 24 بالألف بين اليهود!*
أظهر تقرير الفقر الرسمي الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني) هذا الشهر، عن العام قبل الماضي 2017، أن الفقر في إسرائيل سجل تراجعا طفيفا على مستوى الأفراد، بالنسبة المئوية والعدد أيضا، مقارنة مع نسبته في العام الذي سبقه، 2016. وهذا يدل على أن الفقر بات أكثر في العائلات كثيرة الأولاد. إلا أن الفقر بقي أكثر عمقا بين العرب مقارنة مع اليهود، على الرغم من أن معدلات الولادة لدى العرب تراجعت بقدر كبير جدا، في حين أن عدد الولادات لدى الشرائح المتدينة اليهودية ما زالت مرتفعة جدا.
وحسب تقرير الفقر ذاته، فإن نسبة الذين تحت خطر الفقر على مستوى الأفراد، كانت 2ر21%، مقابل 9ر21% في العام 2016. ونسبة الفقر بين الأطفال والقاصرين دون سن 18 عاما، كانت 6ر29%، مقابل 31% في العام 2016. وبلغ عدد الفقراء إجمالا 78ر1 مليون نسمة، وهذا أقل بحوالي 23 ألفا عن عددهم في العام 2016. وبلغ عدد الأطفال والقاصرين وحدهم، من بين إجمالي الفقراء، حوالي 815 ألفا، مقابل قرابة 839 ألفا في العام 2016.
وكل هذه النسب والاحصائيات تضم في داخلها الفلسطينيين في القدس المحتلة، بموجب قانون الضم الاحتلالي. وللسنة الثانية على التوالي تنشر مؤسسة الضمان جدولا يبين الفقر في إسرائيل من دون القدس الشرقية المحتلة منذ العام 1967. وبموجب هذا، فإن نسبة الفقر بين الأفراد، تهبط من 2ر21%، إلى 6ر19%. وبين الأولاد من 4ر29%، إلى 1ر27%. وعلى أساس هذه النسب، وبعد أن قمنا لغرض هذا التقرير باحتساب عدد المقدسيين في العام 2017 وفق إحصائيات الاحتلال في حدود 340 ألفا، فإن نسبة الفقر في القدس، وفق هذا التقرير، تتجاوز بقليل 46%، بمعنى أنها نسبة متقاربة من أوضاع فلسطينيي 48 من دون منطقة النقب.
خط الفقر
ورفعت مؤسسة الضمان الاجتماعي خط الفقر للعام 2017 عن العام 2016، بنسبة 5%، في حين أن الزيادة في 2016 كانت ما يزيد عن نسبة 8ر3%، مقارنة مع العام 2015، بعد الأخذ بالحسبان سلسلة من ارتفاع الأسعار وكلفة الحياة، رغم أن التضخم المالي سجل في العام الماضي 2017 ارتفاعا طفيفا بنسبة 4ر0%. وفي عرضنا لخط الفقر أجرينا حساب الدولار هنا على أساس صرف 7ر3 شيكل للدولار بموجب سعر الصرف في النصف الثاني من العام الماضي 2018.
وقال تقرير الفقر إن خط الفقر بالنسبة للفرد الواحد 3423 شيكلا (925 دولارا)، أما بالنسبة لعائلة من شخصين فإن خط الفقر بات 5477 شيكلا (1480 دولارا)، وثلاثة أشخاص 7257 شيكلا (1961 دولارا)، وأربعة أشخاص 8764 شيكلا (2368 دولارا)، وخمسة أشخاص 10270 شيكلا (2775 دولارا)، وستة أشخاص 11639 شيكلا (3145 دولارا)، وسبعة أشخاص 13008 شيكلا (3516 دولارا)، وثمانية أشخاص 14241 شيكلا (3849 دولارا)، وتسعة أشخاص 15336 شيكلا (4145 دولارا).
الفقر العام وبين العرب
وقال التقرير إن الفقر بين الجمهور العام 2ر21%، مقابل 9ر21% في العام 2016. وبين الأطفال والقاصرين 6ر29% مقابل 31% في العام 2016. وبين اليهود وحدهم بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر 9ر13% مقابل نسبة 3ر14% على التوالي. ولأول مرّة ينشر تقرير الفقر الرسمي نسب الفقر بين اليهود من دون الحريديم، وهو ما كان يتطلب منا في "المشهد الإسرائيلي" إجراء حسابات تقديرية، أثبتت صحتها في التقرير الرسمي الجديد.
ويقول التقرير إن نسبة الفقر بين اليهود من دون الحريديم 6ر8%، وهذه نسب تقارب نسب الفقر في دول أوروبية متطورة. وهذا يعني أن التقرير يعترف ضمنا أن نسبة الحريديم من إجمالي اليهود تفوق 15%، وهذا ما لا تقر به تقارير رسمية أخرى، تدعي أن نسبة الحريديم هي 11% من السكان، و13% من اليهود الإسرائيليين. ويقول التقرير إن الفقر بين عائلات الحريديم وحدها بلغ في 2017 نسبة 7ر48% مقابل 6ر52% في العام 2016.
وبالعودة إلى العرب، فإن نسبة الفقر بين أبنائهم ما تزال هي الأعلى 7ر60%، مقابل 7ر61% في العام 2016. بينما بين أولاد الحريديم، الذين يتميزون بالعائلات الأكبر من حيث كثرة الأولاد، فإن الفقر بين أبنائهم 4ر55% مقابل نسبة 7ر58% في العام 2016.
كما يبيّن أحد الجداول في تقرير الفقر الرسمي أن النساء على مر السنين أكثر فقرا من الرجال، وهذا يظهر من الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية التي لعائلة تقف على رأسها امرأة من دون زوج، أو نساء تعشن بمفردهن. وهذا انعكاس لما تثبته التقارير الدورية، بأن الحرمان من فرص العمل لدى النساء أعلى. كما أن الفجوة في معدلات الرواتب بين النساء والرجال مستمرة، برغم تقلصها على مر السنين، ويجري الحديث عن فجوة تصل إلى 30%. ولهذا نرى في الجدول المذكور أن الفقر بين النساء أعلى مما هو لدى الرجال بنسبة تتراوح ما بين 10% إلى 12%.
عمق الفقر
كل النسب النهائية التي يرتكز عليها تقرير الفقر هي بعد دفع المخصصات الاجتماعية، على كافة أشكالها، من مخصصات أولاد وبطالة وضمان دخل، ومخصصات شيخوخة وذوي الإعاقات الجسدية، وهي عادة تكون بمستوى واحد لكل المواطنين، والفارق في مخصصات الشيخوخة يعود إلى عدد سنوات العمل المنظم، وهذا مقياس لا يخدم المسنين العرب، الذين كانت نسبة عالية منهم محرومة من العمل المنظم في سنوات مضت.
وتأثير المخصصات ينعكس على العائلات، لأن قسما من المخصصات مرتبط أيضا بعدد أفراد العائلة. ويقول التقرير إن نسبة الفقر العامة على مستوى العائلات بلغت 4ر28%، مقابل نسبة 8ر28% في العام 2016، وبعد دفع المخصصات هبطت إلى 4ر18%، بفارق هامشي عن العام 2016، إذ كانت النسبة 5ر18%. أي أن المخصصات رفعت 4ر35% من العائلات الفقيرة إلى ما فوق خط الفقر، لكنها على أرض الواقع ما تزال في دائرة الفقر.
والفقر على مستوى العائلات كان في العام 2017 بنسبة عامة 4ر18%، وبين اليهود وحدهم، بما يشمل كل الشرائح لديهم، 4ر13%، وبين المتدينين المتزمتين، الحريديم، 1ر43%.
لكن هناك تفاوت كبيرة في نسب من ساعدتهم المخصصات للقفز إلى أعلى من خط الفقر، وهذا مؤشر على عمق الفقر، ففي حين رفعت المخصصات ما يلامس 45% من العائلات اليهودية الفقيرة إلى ما فوق خط الفقر، فإن هذه النسبة لدى العائلات العربية كانت 7ر9%، والنسبة بين العرب أفضل نسبيا مما كانت عليه في العام 2016، إذ خلاله ساعدت المخصصات 1ر6% فقط من العائلات الفقيرة. لكن التحسن الحاصل في العام 2017 يبقى أقل مما كان عليه الأمر قبل أكثر من 4 أعوام، حينما كانت المخصصات ترفع حوالي 11% من العائلات الفقيرة العربية إلى ما فوق خط الفقر.
وكما ذكر، فإن في هذا دلالة على عمق الفقر بين العرب. لكن الإثبات على السياسات العنصرية ضد العرب تثبت أكثر حينما نقارن الفقر بين العرب والمتدينين المتشددين الحريديم، الذين حوالي نصف رجالهم يمتنعون إراديا عن التوجه إلى سوق العمل. فعادة التقارير تقول إنه كلما ازداد عدد الأولاد في العائلة انخفض المستوى المعيشي، وكان السقوط في دائرة الفقر أعلى. وما نراه منذ عقدين هو أن هناك هبوطا حادا في معدلات الولادة بين العرب، من قرابة 8ر4 ولادة للأم الواحدة في العام 1990، إلى تقريبا 4ر3 ولادة اليوم. أما بين الحريديم فإن المعدل باق تقريبا عند مستواه، 8ر6 ولادة للأم الواحدة.
وعلى الرغم من هذا نجد أن الفقر بين عائلات الحريديم هو 1ر43%، بينما بين العرب 1ر47%، كما أن المخصصات ترفع 5ر24% من عائلات الحريديم، بينما ترفع 7ر9% من عائلات العرب فقط.
الفجوة الكبيرة في المستويات المعيشية
وللدلالة على عمق فقر العرب نستفيد من جدول آخر حول التوزيعة السكانية بحسب مستوى المعيشة. ففي حين أن 2ر21% من السكان هم دون خط الفقر، فإن 45ر16% من السكان هم في تعداد الشرائح الوسطى الدنيا، بمعنى الأقرب إلى دائرة الفقر، وقد تسقط في دائرة الفقر، في كل لحظة، و4ر53% هم ضمن الشرائح الوسطى، و1ر7% ضمن الشرائح الميسورة، و9ر1% ضمن شريحة الأثرياء. لكن نرى تبدل هذه النسبة وبفجوات كبيرة بين العرب واليهود. ففي حين أن نسبة الفقر بين اليهود بضمنهم الحريديم 9ر13% فإنها بين العرب 3ر50%. ونسبة اليهود في الشرائح الوسطى الدنيا 9ر14%، مقابل 4ر22% لدى العرب. وفي الشرائح الوسطى 2ر60% من اليهود، و5ر26% بين العرب. أمام الشرائح الميسورة فبين اليهود 7ر8%، وبين العرب 7ر0% (سبعة بالألف). ونجد أن 4ر2% من اليهود هم في عداد الأثرياء (24 بالألف)، بينما لدى العرب 1ر0%، أي 1 بالألف.
تغيير تعريف الفقر
وكان قسم الخبير الاقتصادي في وزارة المالية الإسرائيلية قد أصدر في النصف الثاني من العام الماضي 2018، تقديرات بديلة لتلك التي تتبعها مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية، بشكل أدى إلى خفض أعداد الفقراء بنسبة 20%. وكان التخفيض الأكبر في نسبة الفقر لدى العائلات العربية، من قرابة 50% إلى حوالي 25% من العائلات. ورغم شكل الاحتساب الجديد، الذي يرتكز على صرف العائلة بدل اعتماد المداخيل وحدها، تبقى إسرائيل الأكثر فقرا بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD.
ويقول قسم الخبير الاقتصادي في الوزارة إن شكل احتساب مؤسسة الضمان الاجتماعي للفقر ليس كافيا، كونه يعتمد بشكل مجرد على معدلات مداخيل العائلة، ويقسمها على عدد الأفراد، دون التطرق إلى مصروفات العائلة، ونمط الصرف وقدرتها على شراء الاحتياجات. فعلى سبيل المثال، وحسب الوزارة، فإن مؤسسة الضمان لا تقارن بين عائلتين لديهما نفس عدد الأفراد، وذات المداخيل، ولكن لواحدة منهما قرض إسكاني. إلا أن مؤسسة الضمان تعتمد على شكل الاحتساب العالمي للفقر، بمعنى المدخول للفرد للعائلة، ومستويات الأسعار ومجمل كلفة الحياة.
في احتسابها الجديد، اعتمدت الوزارة على فحص حجم استهلاك العائلة الواحدة، من خلال عدة مقاييس، منها عامة، ومنها كما يبدو في استطلاع مباشر. وترى الوزارة أن هذا الاحتساب يأخذ بعين الاعتبار المداخيل "السوداء"، التي لا يتم الإبلاغ عنها. وتوجه الأصابع هنا بالذات للجمهورين الأكثر فقرا، العرب، ولكن من هم أكثر منهم جمهور المتدينين المتزمتين الحريديم، الذين تؤكد الكثير من التقارير التي تصدر تباعا أن حجم "الاقتصاد الأسود" بينهم يقدر بمليارات الدولارات سنويا.
ومصدر هذه الأموال قطاع اقتصادي مغلق على العديد من طوائف الحريديم، ودفق أموال من الخارج عليهم، عبر سلسلة من القنوات، إما بالنقل المباشر، أو عبر مكاتب صرافة وغيرها. وتقول التقارير إن معاهد دينية، ومدارس تابعة لهذه الطوائف، تدفع رواتب نقدية، لا يتم إخضاعها لسلطة الضرائب، وهذا يسري على عاملين كثر في مؤسسات الحريديم.
ومن أجل الوصول إلى نمط الاستهلاك والصرف لدى العائلات، فحصت الوزارة توجهات العائلة، ونظرتها وتوقعاتها للمستقبل. فعلى سبيل المثال، إذا كان في العائلة طالب جامعي لا يعمل، فإنه بعد فترة قصيرة سينهي تعليمه، ويخرج إلى سوق العمل. وعلى أساس هذا الاحتساب، استنتجت الوزارة أن الفقر بين العرب على مستوى الأفراد هبط من 7ر49%، وفق التقرير الرسمي (2016)، إلى 3ر25% وفق التقرير الجديد. إلا أن تخفيض النسبة لدى جمهور الحريديم كان أقل، من 8ر49% في التقرير الرسمي، إلى 4ر35% حسب الوزارة.
وتعتمد المراكز البحثية الاجتماعية النسبة الأعلى للفقر في إسرائيل، كما هو الحال لدى جمعية "لتيت"، التي تصدر سنويا "تقرير الفقر البديل"، وأيضا مركز الأبحاث أدفا، الذي قال في تقرير أخير له إن عائلات كثيرة في دائرة الفقر تأكل وجبة واحدة في اليوم، فيما يختار كثيرون التنازل عن أدوية ضرورية لهم، بسبب قلة المدخول، ومن أجل ضمان وجبة غذائية. وجاء أن قرابة 39% من الفقراء من أبناء 20 عاما وأكثر تنازلوا عن وجبات غذائية بسبب صعوبات مالية، وهذه النسبة بقيت شبه ثابتة في السنوات التالية.
وعلى الرغم من احتساب وزارة المالية يبقى الفقر في إسرائيل الأعلى من بين الدول الأعضاء في منظمة OECD. فهذه المنظمة تعتمد طريقة الاحتساب العالمية التي تعتمدها مؤسسة الضمان الإسرائيلية، لكن بشكل مغاير في جوانب معينة، ما جعل الفقر بين الجمهور الإسرائيلي وفق OECD، بنسبة 8ر17%، بدلا من 2ر21% وفق التقرير الإسرائيلي الرسمي، غير أن هذا أيضا يبقي إسرائيل في أكبر نسب فقر بين دول هذه المنظمة.