على مدى قرابة عام بقيت نتائج استطلاعات الرأي العام في إسرائيل شبه ثابتة من حيث الاصطفافات، وأيضا في داخل كل واحد من هذه الاصطفافات. وفي المجمل، فإن حزب الليكود، الذي له حاليا 30 مقعدا، حصل بالمعدل في تلك الاستطلاعات من 28 مقعدا كأدنى نتيجة، إلى 32 مقعدا. في حين أن رؤية الجمهور لرئيس الحكومة الأفضل، من بين كل الواردة أسماؤهم، تراوحت نسبتها لنتنياهو ما بين 33% إلى 38%. وكل واحد من الآخرين حصل على 9% كحد أقصى، إلى نسب هامشية تقل حتى عن 3%.
ونتنياهو يقرأ استطلاعات الرأي جيدا. وكما يبدو ثمة في حساباته احتمال أن يصطدم بمفاجآت حتى يوم الانتخابات، لذا فهو معني أيضا أن يكون زعيم الكتلة البرلمانية الأكبر من دون منافس، بمعنى بفجوة كبيرة عن الكتل التالية، من حيث الحجم. وحتى الآن استطلاعات الرأي تمنح "يوجد مستقبل" المعارض حتى 18 مقعدا. وهذا بهدف أن يكون نتنياهو المكلف الوحيد بتشكيل الحكومة المقبلة. وفي ذات الوقت يريد أمامه كتلا صغيرة، غير قادرة على تهديد ائتلافه، بمعنى أن تقل أكبرها عن 8 مقاعد.
و"الوصفة" الأنسب، من ناحية نتنياهو، هي نسبة الحسم للانتخابات البرلمانية، التي تم رفعها تمهيدا لانتخابات 2015، من 5ر2% إلى 25ر3%. وفي حينه قيل إن المستهدف كانت الأحزاب والأطر الناشطة بين فلسطينيي الداخل، التي توحدت ضمن "القائمة المشتركة"، وزادت قوتها المجتمعة بمقعدين، أي حصلت على 13 مقعدا.
وبطبيعة الحال فإن هذا التحالف وإنجازه أزعجا كل الأحزاب الصهيونية والدينية، من الائتلاف والمعارضة على حد سواء. وبالتأكيد أن "القائمة المشتركة" هي أيضا في حسابات نتنياهو، لكن بالإمكان القول إنه ليس بسببها، أو لنقل ليس بسببها وحدها، عاد ليلوّح بخفض نسبة الحسم، تمهيدا للانتخابات المقبلة.
فرفع نسبة الحسم ساهم في تحالفات بين أحزاب صهيونية، وعزز تحالفات أحزاب دينية، وأسقط قائمة تضم أخطر العصابات الاستيطانية الإرهابية: الحركة الامتدادية لحركة "كاخ" الإرهابية، المحظورة في الكثير من دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية. وبشكل صوري هي محظورة في إسرائيل أيضا، لكن أقطابها يتحركون بحرية، ودخلوا قبل دورتين إلى الكنيست. فهذه القائمة حصلت في الانتخابات الأخيرة على 130 ألف صوت، وهذا كان قرابة 4 مقاعد. وسقوط القائمة ساهم بشكل جدي في تغيير توزيع المقاعد، وأضعف تمثيل اليمين الاستيطاني بطبيعة الحال.
ونرى مثلا أن تحالف "البيت اليهودي" يضم عمليا ثلاثة أحزاب، من بينها حزبان متحالفان في قائمة "هئيحود هليئومي"، التي تحالفت مع حزب المفدال، وشكلا معا "البيت اليهودي". فهذا التحالف كان قائما في انتخابات 2013، وحصل على 12 مقعدا، وخسر 4 مقاعد منها في انتخابات 2015. وكادت المفاوضات بين شقي "البيت اليهودي" أن تتفجر قبيل انتخابات 2015، ولكن ما ساهم في الحفاظ على التحالف، كان نسبة الحسم وخوف "هئيحود هليئومي" من عدم اجتيازها.
كذلك فإن كتلة المتدينين المتزمتين يهدوت هتوراة مشكلة من حزبين، أحدهما في أصوله يضم حزبين، وبضمن المقاعد الستة في الكتلة هناك أكثر من 3 تيارات دينية، وفي أحيان ليست قليلة تنشب بينها خلافات، كما هو حاصل حاليا حول قانون التجنيد في الجيش.
وكذا بالنسبة لكتلة "المعسكر الصهيوني"، فإن ما أجبر حزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني على الدخول في تحالف مع حزب العمل كان نسبة الحسم وتخوفها من عدم اجتيازها.
وهذا يعني أنه من ناحية نتنياهو، من شأن خفض نسبة الحسم أن يفكك تحالفات برلمانية عدة، وبالذات لدى الأحزاب المرشحة للمشاركة في الائتلاف الحاكم برئاسته، وأيضا يفسح المجال لدخول القائمة التي سقطت في الانتخابات الماضية، ما يعيد توزيع المقاعد البرلمانية لصالح معسكر اليمين الاستيطاني المتطرف؛ في مشهد يكون فيه لليكود 30 مقعدا، فيما أكبر كتلة في حكومته بالكاد سيكون لها 6 مقاعد، رغم أن مشهدا كهذا من شأنه أن يزيد من تعقيدات تشكيل الحكومة، لكثرة الشركاء فيها.
وحسب تقارير إسرائيلية، فإن نتنياهو يواجه معارضة في داخل الائتلاف لخفض نسبة الحسم، على الأقل من 3 أحزاب، المفدال، وشاس، في حين أنه من المفترض أن يعترض على المبادرة أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، كونه الداعي الدائم لرفع نسبة الحسم، حتى إلى 5% وأكثر، ولكن نسبة 5% باتت تهدده هو أيضا.
ويجدر القول إنه في حال نجح نتنياهو في تمرير مبادرته، رغم صعوبة الأمر في ظل التركيبة البرلمانية الحالية، وتضارب مصالح الأحزاب، فإن هذا سيوجه الأنظار إلى جمهور فلسطينيي الداخل، وشكل تصرف الأحزاب التي تؤلف "القائمة المشتركة".
ففي العام 2015، هناك من رأى أن القائمة تشكلت بسبب رفع نسبة الحسم، وهذا ادعاء لم يكن في صالح هيبة التحالف. وفي حال تفكك التحالف بسبب خفض نسبة الحسم، فمن شأن هذا أن يعطي مصداقية لما قيل في العام 2015، لدى تشكيل القائمة، ما سيساهم في تراجع في المشاركة في عملية التصويت، وتراجع القوة المشتركة لفلسطينيي الداخل في الكنيست، ما يفيد تلقائيا المعسكر الأكبر، اليمين الاستيطاني، الذي سيزداد وزن جمهوره، أمام تراجع نسبة تصويت الفلسطينيين، أو حرق كميات كبيرة من أصواتهم.
وفي ظل المشهد السياسي، تتكثف التقارير في وسائل الإعلام حول محاولات اصطفافات جديدة تمهيدا للانتخابات البرلمانية، لعل أبرزها الحديث عن احتمال أن يبادر رئيس هيئة أركان الجيش السابق بيني غانتس إلى تشكيل قائمة جديدة، قد يكون فيها نواب من الولاية البرلمانية الحالية، مثل النائبة أورلي ليفي- أبكسيس، المنشقة عن حزب "يسرائيل بيتينو"، والتي أعلنت عزمها على تشكيل قائمة للكنيست، وفور ذلك الإعلان، منحتها استطلاعات الرأي من 5 إلى 7 مقاعد برلمانية، ثم اختفت كليا من جميع استطلاعات الرأي.
وفي الأيام الأخيرة صدرت دعوة من رئيسة حزب ميرتس، تمار زاندبرغ، إلى تشكيل قائمة جامعة للقوى التي تعد حسب القاموس الإسرائيلي من اليسار الصهيوني وحتى الوسط، بمعنى حزبي العمل و"يوجد مستقبل". وقد لاقت هذه الدعوة تجاوبا محدودا. ومن بين الداعمين كان النائب البارز في حزب العمل ايتسيك شمولي، إلا أن احتمالات تشكيل قائمة كهذه ضئيلة، بسبب التزاحم المفترض على رئاسة معسكر كهذا.
وحتى أن لائحة تضم ميرتس إلى قائمة "المعسكر الصهيوني"، ليس مضمونا أن تحقق نتائج متوخاة لدى أصحابها، بسبب الخلافات حيال مواقف داخلية ليست قليلة.