المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

افتتح الكنيست الإسرائيلي هذا الأسبوع دورته الشتوية، في ظل أجواء انتخابات برلمانية مبكرة، ستجري، كما يبدو، قبل موعدها ببضعة أشهر، ويحتاجها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، دون سواه. وحسابات ملفات الفساد التي تطارده هي المقرر الأساس لديه، برغم أنها قضايا لا تجبي منه ثمنا سياسيا، بموجب استطلاعات الرأي. فنتنياهو يريد انتخابات قريبة استباقا لمفاجآت محتملة، تؤثر سلبا على مكانته. وفي ذات الوقت، يسعى ليكون رئيس الحزب الأكبر، مقابل "فتات" أحزاب، خاصة في اليمين الاستيطاني المتطرف.

بموجب القانون الإسرائيلي، فإن الانتخابات البرلمانية من المفترض أن تجري بعد عام من الآن، في نهاية تشرين الأول من العام 2019، وهي عمليا بعد الانتخابات السابقة بأربع سنوات وسبعة أشهر. إذ أنه حسب القانون فإن الدورة البرلمانية هي 4 سنوات، تنتهي عادة في نهاية تشرين الأول. وفي حال سبقت ذلك انتخابات مبكرة قبل ذلك التاريخ القانوني، فإن الدورة التالية تحمل معها أيضا الأشهر الناقصة، حتى تصل إلى ذلك الموعد الخريفي الثابت في القانون.

وكانت آخر انتخابات جرت في موعدها القانوني، في العام 1988. ومن أصل 20 انتخابات برلمانية، جرت 5 انتخابات فقط في موعدها القانوني. ومنذ العام 1988 وحتى الآن، امتدت ثلاث ولايات فقط لأربع سنوات كاملة، من أصل تسع دورات برلمانية. وهذا يعكس مدى عدم استقرار الحكومات الإسرائيلية.

وكانت الذريعة التي خطط نتنياهو لأن يتشبث بها، للتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، هي الخلاف حول قانون التجنيد الإلزامي للشبان اليهود المتدينين المتزمتين (الحريديم)، العالق منذ سنوات على جدول أعمال الكنيست. وكانت المحكمة العليا قد أمرت الحكومة، في شهر أيلول 2017، بإنجاز قانون مساو وملزم للتجنيد، خلال عام واحد، من يوم صدور القرار.

وعلى ضوء تعثر المفاوضات للتوصل إلى صيغة قانون تُجمع عليها أطراف الائتلاف، وتتماشى مع قرار المحكمة، فقد طلبت الحكومة من المحكمة التمديد 6 أشهر، إلا أن المحكمة وافقت على 3 أشهر، تنتهي في منتصف كانون الأول المقبل. والخلاف بقي على حاله، إلا أن ما يسمى "مجلس حكماء التوراة"، الزعامة الدينية لكتلة يهدوت هتوراة، للحريديم الأشكناز الغربيين، قرر مساء يوم الأحد معارضة القانون، لكن عدم الانسحاب من الائتلاف الحاكم. فالقانون يحظى بأغلبية كبيرة من الائتلاف والمعارضة. وبهذا فقد سحب الحريديم من نتنياهو هذه الذريعة، ولا شك في أنه سيبحث بسراج وفتيلة عن ذريعة أخرى، يطلب على أساسها حل الكنيست والتوجّه الى انتخابات مبكرة.

وفي خلفية هذا القرار، يبدو واضحا عدم رغبة الحريديم بالتوجه إلى انتخابات مبكرة، تشير استطلاعات الرأي إلى أن قوتهم المجتمعة، بمعنى كتلتي يهدوت هتوراة وشاس، ستكون أقل من المقاعد الـ 13 الحالية، ما يجعلهم أضعف أمام الحكومة المقبلة.

ومن الصعب جدا رؤية الدورة الشتوية الجديدة تنتهي في موعدها القانوني، في نهايات آذار المقبل. وقد تنتهي قبل هذا بوقت كاف، يجيز إجراء انتخابات مبكرة، قبل شهري الصيف، تموز وآب، اللذين تتجنبهما الأحزاب، بسبب كثرة الحركة الى الخارج لقضاء عطلة الصيف، ما يضرب نسبة المشاركة في التصويت.

وفي حقيقة الأمر فإن حسابات نتنياهو الشخصية تقوده لجر الكنيست إلى انتخابات مبكرة. وعلى رأس تلك الحسابات ملفات الفساد التي تلاحقه. فمنذ أن تفجّرت قضايا الفساد ضد نتنياهو، في الشهر الأخير من العام 2016، بدأ الحديث في الأوساط الحزبية، عن أن نتنياهو سيسعى إلى انتخابات مبكرة، بهدف وقف التحقيقات معه، بفعل الحملة الانتخابية، على أمل أن عودته إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات ستغير اتجاه التحقيقات ضده.

إلا أن سلسلة عوامل جعلت نتنياهو يتراجع عن مخططه، ومن بينها تخوفه من أن تنعكس التحقيقات المكثفة ضده في فترة التحقيقات الأولى سلبا على فرصه في الانتخابات. ولكن ما هو أهم من هذا، أنه في أوج مرحلة التحقيقات الأولى، دخل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حاملا معه أجندة اليمين الصهيوني الاستيطاني، في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فرأى نتنياهو في هذا فرصة لتحقيق مكاسب سياسية، ستسجل لصالحه وتزيد من فرص فوزه في الانتخابات.

وتغيرات الخطاب الأميركي بدت واضحة منذ الأيام الأولى لبدء ولاية ترامب؛ رغم أن الخطاب الأميركي على مر السنين كان مناصرا للسياسات الإسرائيلية، لكن كانت هناك بعض القيود والاستثناءات، التي هي بنظرنا هامشية، لكن "قيمتها" بدأت تظهر أكثر في ظل ولاية ترامب، مثل مسألة الموقف الأميركي من الاستيطان. فقد كان أول موقف معلن من إدارة ترامب أن "المستوطنات ليست عقبة أمام السلام". وهذه مقولة لنتنياهو ومن خلفه اليمين الاستيطاني.

ثم جاء الموقف من مدينة القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، الصادر في أوائل شهر كانون الأول من العام الماضي 2017. وحين صدر ذلك القرار، جرى الحديث عن أن نقل السفارة إلى القدس سيستغرق سنوات، وذلك لأسباب لوجستية، منها بناء مبنى جديد، مثلما جرى في لندن، إذ استغرق الانتقال من مبنى إلى آخر 7 سنوات. لكن حينما أعلنت الشرطة الإسرائيلية، في شهر شباط الماضي، توصيتها بمحاكمة نتنياهو في قضيتين، من أصل 4 قضايا يجري التحقيق معه بشأنها، واستمرار التحقيق في القضيتين الأخريين، سارع البيت الأبيض بعد أيام للإعلان عن نقل السفارة في غضون ثلاثة أشهر، وفي موعد استفزازي، هو ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني. وكان واضحا أن ترامب ومحيطه يريدان تزويد نتنياهو بمكاسب سياسية أخرى كدعم له، بعد توصية الشرطة، التي ما تزال عالقة على طاولة المستشار القانوني للحكومة، بصفته المدعي العام الأعلى للنيابة.

وفي الأسابيع الأخيرة، بات نتنياهو يرى أن وهج "الإنجازات السياسية"، التي زوده بها البيت الأبيض، قد خفّ في وعي الجمهور الإسرائيلي؛ ولهذا فإنه حتما سيعود إلى الحسابات الأساس في قراره بشأن الانتخابات المبكرة. فهو يعرف أنه مرّت حتى الآن ثمانية أشهر على توصية الشرطة بمحاكمته. وبات يعرف أن المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، لا يستطيع أن يماطل أكثر، وأن موعد قراره قد اقترب نسبيا؛ رغم أنه في حالة الوزير أفيغدور ليبرمان مكثت توصية الشرطة لدى المستشار القانوني للحكومة قرابة عامين ونصف العام.

ومن الصعب تخيّل أن يرفض المستشار بشكل جارف توصية الشرطة، إذ أن كل التكهنات الإسرائيلية تتراوح ما بين قبول جزئي إلى قبول كامل لتوصية الشرطة، ما يعني أن نتنياهو سيمثل حتما أمام المحكمة، بهذه الصيغة أو تلك.

كذلك فإن أحد الملفين الآخرين خطر للغاية من ناحية نتنياهو، وتجري التحقيقات بشأنه منذ عام ونصف العام، ما يعني أن الشرطة قد تصدر توصياتها في هذا الملف، خلال الأسابيع المقبلة.

وبموجب القانون، فإن نتنياهو ليس ملزما بالاستقالة من منصبه في حال مَثل أمام المحكمة. إلا أن أجواء الرأي العام لن تهدأ، وستطالب بتجميد منصبه أو استقالته، إلى حين انتهاء المحاكمة. وهذا ما يريد نتنياهو تجنبه. غير أن الأهم من هذا، أن قرارات نهائية تقضي بمثوله أمام المحكمة بتهم فساد ستضعف مكانته في الانتخابات، على الرغم من أنه يواصل حصوله على النسبة الأعلى من دون منافس في استطلاعات الرأي.

شبهات الفساد لا تنعكس سلبا على نتنياهو

المفارقة الجديرة بفحص معمق لطبيعة المجتمع الإسرائيلي، هي أنه برغم مرور قرابة عامين على التحقيقات مع نتنياهو، إلا أنه في غالب الوقت تؤكد استطلاعات الرأي أن لا أثر اطلاقا لهذه القضايا على مكانته. لا بل إن استطلاعات الرأي تبشره بالحفاظ على قوة حزبه الليكود الحالية، من 30 مقعدا، وحتى إضافة مقعدين.

ومن باب الدقة، فإنه في الأشهر القليلة الأولى بعد بدء التحقيقات مع نتنياهو، كانت الاستطلاعات تشير إلى تراجع قوة الليكود البرلمانية، بما بين 6 إلى 10 مقاعد، قسمها الأكبر انتقل إلى تحالف "البيت اليهودي"، صاحب القوة السياسية الأكبر بين مستوطني الضفة. لكن لاحقا، وفي ظل سياسات إدارة ترامب، استرجع نتنياهو استطلاعيا قوته، في حين تراجع "البيت اليهودي" إلى قوته التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية السابقة، 8 مقاعد.

وساهم في هذا أيضا أن سياسات ونهج كتلة الليكود زادا تطرفا في سياق الدورة البرلمانية الحالية، الـ 20، وهذا ينعكس بشكل ملموس في عشرات القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، التي سجلت ذروة غير مسبوقة من حيث عددها وخطورتها، بضمنها "قانون القومية" وعدة قوانين أخرى تهدف إلى الضم الزاحف للضفة إلى ما يسمى "السيادة الإسرائيلية". وهذا يعني أن رد الفعل على قضايا فساد نتنياهو، كان أساسا في قطاع اليمين الاستيطاني المتطرف.

والمنافسة بين الليكود وتحالف "البيت اليهودي" على أصوات اليمين الاستيطاني المتطرف، تبرز في المستوطنات ذاتها. ففي انتخابات العام 2015، زاد الليكود قوته في المستوطنات بنسبة 25% مقارنة بالانتخابات التي سبقت في 2013، وحصل على أكثر من 37 ألف صوت. بينما تحالف "البيت اليهودي" تراجع بنسبة 3%، ولكنه بقي القوة الأكبر هناك، بحصوله على أقل من 41 ألف صوت.

وبالإمكان التقدير أن عدم رد فعل الجمهور على قضايا نتنياهو يعود إلى ثلاثة عوامل.

أولاً: أن الشبهات ضد نتنياهو تتعلق بحصوله على هدايا مادية، وليست مالية، بحسب ما ينشر، مثل الحديث عن زجاجات الشمبانيا والسيجار الفاخرين، ومجوهرات لزوجته. وفي ملفين آخرين فإن نتنياهو سعى للحصول على امتيازات إعلامية في وسائل إعلام. فالكلام في كتاب القوانين حول قضايا كهذه كثير وحاد، لكن في وعي الجمهور كما يبدو، طالما أن الحديث لا يجري عن تلقي أموال بالملايين، فإن كل ما عدا ذلك بالإمكان استيعابه.

ثانيا: أن نتنياهو محاط بوسائل إعلام مجنّدة له، قادرة على مواجهة وسائل الإعلام التي تهاجمه وتنتقده، وتكشف عيوبه وفضائحه، هو وزوجته.

ثالثا: وهذا في منتهى الأهمية، أن الجمهور الإسرائيلي لا يرى بديلا لشخص نتنياهو، ولا حزبه، بل هناك أحزاب إما انها حليفة في حكوماته، أو أحزاب تسمى معارضة، ولكنها باتت تنافس اليمين الاستيطاني على سياساته، مثل حزب "يوجد مستقبل"، الذي تبشره استطلاعات الرأي بأن تزيد قوته من 11 مقعدا اليوم إلى 18 مقعدا، وهذا قريب لما حصل عليه في العام 2013، أي 19 مقعدا. وفي المجمل، فإن الكتل الأربع في المعارضة حاليا ستتراجع قوتها مجتمعة، من 53 مقعدا اليوم، إلى حوالي 48 مقعدا. والخسارة أساسا هي لدى "المعسكر الصهيوني" الذي لديه حاليا 24 مقعدا.

على أجندة الدورة الشتوية للكنيست 2018- 2019

على الرغم من أنه ليس واضحا بعد موعد الإعلان عن تقديم الانتخابات المبكرة، فإن اليمين الاستيطاني الحاكم، بزعامة بنيامين نتنياهو، سيحاول، خلال الدورة الشتوية الجديدة، مهما كان امتدادها الزمني قصيرا، تحقيق مكاسب أكثر على صعيد القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان.

فمن بين القوانين البارزة، التي أقرت حتى الآن بالقراءة الأولى، قانون شبكات التواصل. فالقانون بات جاهزا للتصويت عليه بالقراءة النهائية، إلا أن نتنياهو أوقف التصويت، الذي تزامن مع إقرار "قانون القومية"، بادعاء أن قانون شبكات التواصل سيثير انتقادات ضد إسرائيل، متجاهلا باقي القوانين، وخاصة "قانون القومية"، الذي ضغط لتمريره كليا.

ويقضي القانون بإرغام شبكات التواصل على شطب منشورات، تعتبرها المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، "تحريضا على الإرهاب"؛ بمعنى منشورات داعمة لمقاومة الاحتلال المشروعة. وكما هو معروف، فإن إسرائيل تلاحق سنويا العديد من الناشطين على ما ينشرونه، ولكن ما يسعى له القانون الآن هو شطب هذه المنشورات كليا من شبكات التواصل.

وفي هذا السياق، من المفترض أن تقدم نائبة من حزب الليكود مشروع قانون يحظر رفع العلم الفلسطيني داخل إسرائيل. إلا أن هذا القانون سيواجه تعقيدات قانونية أخرى، خاصة وأن رفع العلم بات مُجازا، بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو، واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية.

وفي سياق هذه القوانين القمعية، فإن نتنياهو لا يكف عن الضغط من أجل سن قانون حظر أذان المساجد، برغم أن تشريعه توقف عند القراءة التمهيدية، كما تم وقف الأبحاث لإعداده للقراءة الأولى، بعد الطلب من الشرطة أن تلاحق المساجد على رفع صوت الأذان، من خلال قانون الحفاظ على البيئة، في البند المتعلق بـ "منع الضجيج". إلا أن نتنياهو يطلب بشكل دائم الاستمرار في سن القانون، وعلى الأقل وفق الصيغة المعدلة، التي ستحظر أذان الفجر.

كذلك فإن كتلتي "البيت اليهودي" والليكود ستعملان على سن قوانين أخرى، تتعلق بما يسمى قوانين الضم الزاحف للضفة الفلسطينية المحتلة إلى ما يسمى "السيادة الإسرائيلية"، بعد أن تم سن العديد من هذه القوانين، التي تتعلق بمصادرة الأراضي، ومسألة التوجه إلى المحاكم الإسرائيلية المدنية، ورفع مستوى قرارات المحاكم العسكرية أمام المحاكم المدنية. ومشاريع القوانين التي لها احتمال التقدم في مسار التشريع تتعلق بالأراضي، ومنح "حق" للمستوطنين ولشعبة الاستيطان في الوكالة الصهيونية في تملك أراض فلسطينية مصادرة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات