بشّرنا عنوان رئيسي في موقع" واينت" الإلكتروني الإخباري أخيراً بما يلي: "انخفاض حاد في عدد الأولاد الذين يعانون من النقص الغذائي، لكن كمية الجياع ارتفعت قليلاً".
وبعد تأخيرات لا تعد ولا تحصى وفي إثر طلب مشترك لأكثر من 100 منظمة من منظمات المجتمع المدني التي احتجت على عدم توفر معطيات محدثة منذ العام 2012، قامت مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي) مؤخراً بتوفير معطيات حول انعدام الأمن الغذائي في إسرائيل للعام 2016.
وتشير هذه المعطيات، التي لا صلة لها بنهاية عام 2018، إلى انخفاض في عدد مواطني إسرائيل الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وبحسب المعطيات، كان هناك 593ر1 مليون مواطن في إسرائيل يعانون من انعدام الأمن الغذائي في العام 2016 (مقابل 855ر1 مليون في العام 2012)، 832 ألفاً من بينهم يعانون من الجوع (مقابل 869 ألفاً في العام 2012).
ويكشف لنا تقرير التأمين الوطني أن عدد الأولاد الذي يعانون من النقص الغذائي انخفض بحوالي 20% بين السنوات 2012 و 2016، إذ أن حوالي 638 ألف ولد (أي 5ر25% من الأولاد في إسرائيل) عانوا من انعدام الأمن الغذائي في العام 2016 (مقابل 801 ألف ولد تقريباً في العام 2012). بيد أن المعطيات تظهر كذلك أن عدد الأولاد الذين عانوا من انعدام الأمن الغذائي بدرجة شديدة، أي عانوا من الجوع، قد ارتفعت؛ ففي حين كان العدد 333 ألفاً في العام 2012، ارتفع في العام 2016 إلى 353 ألفاً (1ر14% من الأولاد في إسرائيل). وهذا يعني أن التحسن الملحوظ في الأمن الغذائي قد طرأ على مجموعة الفقراء القريبة من الطبقة الوسطى، بينما ساءت أوضاع أولاد الفقراء المعدومين.
في هذه الأيام من انعدام الأمن السياسي والاقتصادي، يحدق رئيس الحكومة ووزير الرفاه الاجتماعي في الكاميرا ويدعيان بأن الوضع الاقتصادي في تحسن، وبأن التدريج الاقتصادي لإسرائيل في تحسن، وبأن هناك إصلاحات في الأفق وبأن وضع الفقراء أصبح أفضل (وربما أننا نعيش في جنة الله على الأرض!). يبدو أن معطيات التأمين الوطني التي تشير إلى أن عائلات كثيرة، بينها عائلات يعمل فيها كلا الوالدين، وعائلات مع معيل واحد، وعائلات معيلها يعاني من إعاقة، وعائلات أخرى غيرها، ما زالت تعاني من انعدام النقص الغذائي، قد غابت عن أعينهما. ربما غابت هذه بسبب الوضع الأمني أو ربما بسبب القطاع العام السمين الذي يركب على ظهر القطاع الانتاجي النحيل، وقد تكون هذه مجرد ادعاءات يبثها اليسار بحق النجاحات الكبيرة لحكومة نتنياهو. لكن الحديث يدور حول معطيات مؤسسة التأمين الوطني- وهي مؤسسة حكومية- والمعطيات تقول إنه في العام 2016، واحد من كل أربعة أولاد كان يعاني من انعدام الأمن الغذائي وواحد من كل 7 أولاد كان يعاني من الجوع. وحتى لو كان هذا يعكس تحسناً مقارنة بالأوضاع قبل أربع سنوات، فهذه المعطيات ما زالت غير محتملة.
البروفسور دانيئيل غوتليف، نائب مدير عام مؤسسة التأمين الوطني لشؤون البحث والتخطيط، ذكر في بداية التقرير: "ثمة استنتاج هام يجب استقاؤه من التقرير هو كون انعدام الأمن الغذائي مشكلة في انعدام الدخل أولاً. لهذا ليس من المستغرب أن أحد أصعب المكتشفات في التقرير يتعلق بالعائلات بجيل العمل التي تعتمد على مخصصات ضمان الدخل. يجب رفع مخصصات ضمان الدخل. […] هناك حاجة لرفع مخصصات ضمان الدخل للعائلات في جيل العمل فوراً". وهو الأمر الذي يستلزم طبعاً قراراً من حكومة إسرائيل.
قبل بضعة أعوام، سمعت محاضرة للفيلسوفة أغنيس هيلر قالت في معرضها "إن هناك ميزات كثيرة وتعريفات جزئية للإنسان المستقيم لكن جميعها تسوق جوهراً واحداً: المسؤولية". والقصد مسؤولية الفرد عن أفعاله، عن تصرف بقية الأعضاء في المجتمع وعن المجتمع كله. رئيس الحكومة ووزير الرفاه، المسؤولان عن مواطني دولة إسرائيل، يثبتان لنا، تقريراً بعد تقرير، أن "المسؤولية" في الخطاب السياسي هي مصطلح ملتبس وزلق. حكومة إسرائيل القادرة على تحسين الأوضاع ومنع الجوع (مثلاً عن طريق رفع مخصصات ضمان الدخل) ليست قلقة بما فيه الكفاية لكي تجد حلاً لانعدام الأمن الغذائي وسط 638 ألف ولد وجوع 352 ألفاً منهم (حتى أنها لا تحاول توسيع مشروع التغذية في المدارس، تلك الوجبة الساخنة في الظهيرة التي تقدم للطلاب في المدارس الابتدائية).
في الماضي، عندما كانت إسرائيل دولة رفاه، كانت الدولة تنظر الى منع الجوع كأحد واجباتها. اليوم ينظر رئيس الحكومة ووزرائه إلى أنفسهم باعتبارهم مسؤولين بشكل تام عن كل شيء، وبالأساس عن تشجيع النيوليبرالية في إسرائيل، ولهذا من الواضح لهم، ولنا كذلك، بأنهم ليسوا مسؤولين إطلاقاً عن محاربة الجوع وسط البالغين والأولاد. يبدو أن الجوع من ناحيتهم، مع العلم بأنهم أناس متمكنون جداً، هو مشكلة الجياع وليس مشكلة الحكومة، وأنه باسم النيوليبرالية الجميع حر بنفس القدر في أن يكون جائعاً، بما يشمل الأولاد.
السياسيون الذين يستطيعون العمل من أجل منع الجوع ولكنهم لا يقومون بذلك هم غير مستقيمين مع سبق الإصرار والترصد. وكل من صوّت لأحزاب الائتلاف الحكومي، أي غالبيتنا في إسرائيل، مسؤول كذلك عن الطريقة التي يتسبب بها السياسيون بشكل متواصل في تدهور أوضاع أعضاء المجتمع الإسرائيلي المعدومين. في عالم آخر، حيث يأخذ الأفراد المسؤولية القيمية والالتزام تجاه الأعضاء الآخرين في مجتمعاتهم، خاصة عندما يملكون القوة لتعديل الوضع، كان رئيس الحكومة ووزير الرفاه سيقومان هما كذلك بالاعتراف بمسؤوليتهما عن القرارات التي تسببت بوجود كل هذا العدد من الجياع في إسرائيل. ونحن نستحق حكومة بأناس مستقيمين.
أخيراً لا بُدّ من التنويه بأن المعطيات تتحدث عن العام 2016. ومن يدري ما هو الوضع اليوم على ضوء استمرار انعدام المسؤولية الحكومية في موضوع الأمن الغذائي.