المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1751

يتواصل في إسرائيل الجدل الداخلي حول "قانون القومية" وتبعاته الخطرة. وداخل هذا الجدل هناك من يرى أن القانون يمهد لمرحلة خطرة على مستوى تعدّد المجتمع اليهودي، وبالذات بالنسبة إلى الجمهور العلماني والليبرالي، إضافة إلى من يحذر من انعكاسات القانون على المواطنين العرب، ومبدأ المساواة، بما من شأنه أن يمس مكانة إسرائيل واليهود في العالم.

ويرى معارضو القانون للأسباب السالفة، أن تشريعه جاء بإصرار من جانب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يسعى لكسب أوراق سياسية يعرضها على جمهوره في الانتخابات المبكرة، التي ما تزال بمثابة لغز حتى الآن، برغم أن التقديرات تميل إلى ترجيح حل الكنيست الحاليّ مع افتتاح الدورة الشتوية، في منتصف تشرين الأول المقبل.

غير أنه بالرغم من ذلك من الضروري الإشارة إلى وجود شبه إجماع صهيوني حول المبدأ الأساس للقانون، وهو أن "إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي"، وأن فلسطين التاريخية، التي تسميها الصهيونية "أرض إسرائيل"، هي "الوطن التاريخي للشعب اليهودي"، أي أبناء الديانة اليهودية، الذين تعتبرهم الصهيونية شعبا. لكن المعترضين ينتقدون غياب كلمة ديمقراطية من عبارة تعريف إسرائيل. كما ينتقدون غياب مبدأ المساواة. ولعلّ هذه النقطة الأخيرة عينياً جعلت شرائح مختلفة من الجمهور الإسرائيلي متضررة هي أيضاً، والصوت الأعلى في هذه الأيام كان لجمهور مثليي الجنس، الذين شرعوا هذه الأيام بمعركة من أجل ضمان حقوق لهم في القانون (طالع تقريراً آخر في هذه الصفحة).

المؤيدون يعتبرون القانون ضرورياً

يعتبر المؤيدون للقانون، من سياسيين وكتّاب ومحللين، أن القانون هو بمثابة "حاجة ضرورية" لإسرائيل لتثبيت هويتها، وهناك من رأى أن القانون يشكل خطوة كبيرة نحو صياغة دستور إسرائيل، بعد كل عشرات السنين التي مرّت.

وعقب إقرار القانون، قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من على منصة الكنيست "إن هذه لحظة مؤسِسِة في تاريخ الصهيونية، وتاريخ دولة إسرائيل. فبعد 122 عاما من نشر هيرتسل حلمه، ثبّتنا بقانون المبدأ الأساس لوجودنا، ومؤداه أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، التي تحترم حقوق الفرد لكل مواطنيها. وفي الشرق الأوسط، فقط إسرائيل تحترم هذه الحقوق. وحينما أتحدث في العالم فأنا أكرر قائلاً إن هذه دولتنا، دولة اليهود. وفي السنوات الأخيرة هناك من يسعى للاعتراض على هذا، وبذا للاعتراض على ما يمس أساس وجودنا. ولهذا شرّعنا في هذا القانون النشيد الوطني ولغتنا وعلمنا".

وقال النائب آفي ديختر (الليكود)، المبادر الأول لهذا القانون في العام 2011، في عرضه للقانون أمام الهيئة العامة للكنيست: "منذ أن بدأت بالدفع قدماً بهذا القانون، قيل لي إن صيغته مفهومة تلقائيا، لكن ما كان بالإمكان تجاهل أقوال القائمة المشتركة: "نحن سننتصر، لأننا كنا هنا قبلكم وسنكون بعدكم". إن هذا القانون هو الردّ الحادّ على كل من يفكر هكذا".

وأضاف ديختر (مخاطباً أعضاء القائمة المشتركة) أنه بعد هذا القانون، فإن "كل ما باستطاعتكم فعله هو تحقيق المساواة لأقليات، لكن ليس مساواة قومية. لن تكون أي أقلية قادرة على تغيير رموز الدولة. إن هذا القانون لا يمس باللغة العربية، ولا يمس أي أقلية، وهذه أخبار كاذبة. وإسرائيل ليست دولة ثنائية اللغة، ولن تكون هكذا. إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وتضمن الأغلبية دون المس بالأقليات".

المعارضون يحذرون من تبعات القانون

في سياق المعارضة للقانون حصل تلاق قد يبدو غريبا، إذ كان من بين المعارضين أتباع التيار اليميني الإيديولوجي المتشدد، وهم من أعضاء حزب "حيروت" القديم، الذي أسس في العام 1974 حزب الليكود، وبينهم من لا يزال في حلبة السياسة حتى الآن، مثل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، وعضو الكنيست بنيامين بيغن من كتلة الليكود حاليا، وإلى جانبهما وزير الدفاع الأسبق موشيه آرنس، وغيرهم، وهؤلاء يرون أن القانون زائد، ولا حاجة لإسرائيل له، فهويتها معروفة، وصياغات القانون قد تخلق نزاعات بين تيارات يهودية دينية وعلمانية، وبين يهود العالم وإسرائيل، إلى جانب التضييق على المواطنين العرب، علماً أن هذا التيار السياسي اليميني هو من أشد المتمسكين بسياسة "أرض إسرائيل الكاملة".

كذلك لوحظ أن ثمة معارضة من قوى صهيونية أخرى، كأحزاب المعارضة البرلمانية، التي لا تختلف حول البند الأساس للقانون، لكنها تعترض على غياب التعريف الديمقراطي للحّكم، وغياب مبدأ المساواة، ووجود بنود تستهدف وجود العرب في الدولة وغيرها.

وكان النائب بنيامين بيغن، نجل رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغن، الوحيد من الائتلاف الذي اعترض على القانون، بناء على مواقف عقائدية. فقد صوّت ضد القانون لدى المصادقة عليه بالقراءة التمهيدية قبل أكثر من عام، وبالقراءة الأولى قبل أقل من ثلاثة أشهر، بينما لدى المصادقة عليه بالقراءة النهائية، اختار الامتناع عن التصويت. وفي حين امتنع كل أعضاء الكنيست من الائتلاف عن أي مناقشة للقانون في الهيئة العامة، فقد ناقشه بيغن وقال من على منصة الكنيست إن هذا القانون "ليس القرار الذي توقعته من قيادة حزب الليكود. فقبل 7 أعوام طرحت مشروع قانون، حظي هو بالذات بتأييد في الحزب، لكن بمرور الوقت تبدلت الأزمنة، وبات التصريح الواضح والملزم بالمساواة في حقوق المواطنين كأنه يتعارض مع ما جاء بشكل واضح في ميثاق حزب الليكود، كحزب قومي ليبرالي. وكنا تعلمنا منه أنه لا يمكن الفصل بين هذه المصطلحات، بل علينا الدمج بينها، وتطبيقها على أرض الواقع. إن القومية التي لا تشدد على التصاقها بحقوق الإنسان تتدهور نحو القومجية، فحذار من هذا الفصل".

وقال وزير الدفاع الأسبق، موشيه آرنس، في مقالة له في صحيفة "هآرتس"، إنه "ليست هناك بتاتاً حاجة للتوضيح بواسطة القانون أن إسرائيل هي دولة يهودية. هذا أصبح مفهوما من تلقاء ذاته. العلم والنشيد يشهدان على ذلك. وكذلك اللغة العبرية التي هي اللغة الدارجة لمعظم الإسرائيليين، والحروب التي تمت فيها هزيمة كل من حاولوا تصفية الدولة اليهودية. فلماذا إذن بعد أن تم تثبيت كون إسرائيل دولة يهودية جيدة، يجب العودة إلى تأكيدها من خلال قانون جديد؟ بالعكس هناك بالضبط سبب ممتاز لماذا يجب علينا عدم القيام بذلك".

وتابع آرنس "إن حقيقة أن الكثير من المواطنين العرب يفضلون تعريف أنفسهم كفلسطينيين وليس كعرب إسرائيليين، من أجل التأكيد على تماثلهم مع النضال الفلسطيني أو مع إنشاء دولة مستقلة، وبهذا يستغلون الفرص الموجودة لديهم، تدل قبل كل شيء على مؤهلاتهم وطموحاتهم، لكنها أيضا يجب أن تكون مصدر فخر للمواطنين اليهود". ويضيف أن "الكثير من سكان إسرائيل اليهود والعرب يعتبرون التأكيد الزائد في هذا الوقت على الطابع اليهودي للدولة، كما يتم التعبير عنه في قانون القومية، وكذلك في خفض المستوى المهين تقريبا للغة العربية، خطوة تعيد التقدم الذي تم إنجازه طوال سنوات إلى الوراء".

وقالت النائبة من حزب العمل شيلي يحيموفيتش إنه لا أحد يؤمن أن ما يهم المبادرين للقانون هو القومية ودولة إسرائيل، فالعالم يندفع نحو التقدم والتنور، بينما هنا يتراجعون إلى الخلف، ومن ناحية هؤلاء فإن من يقرأ وثيقة الاستقلال هو خائن. والمساواة في الحقوق هي لعنة. وتضيف "اليوم نحن أكثر ثراء، ولدينا ازدهار وتطور، وجيش قوي. وبالذات من هذه القوة، والضخامة الاقتصادية والعسكرية، وُلد الإخلاص المهين لكراهية الآخر".

وبموازاة ذلك قال المحلل السياسي تسفي بارئيل، في مقال له في صحيفة "هآرتس"، مخاطبا المواطنين العرب، ساخرا من القانون "لا يمكنكم أن تكونوا حراس الديمقراطية الإسرائيلية أو ورقة عباد شمس لها، لأن القواعد لا يتم تحديدها لدولة إسرائيل التي تعيشون فيها، بل لدولة المستوطنين التي أوجدت زعران تشريع يتلقون أسس قوميتهم من الخالق في السماء".

وقال الخبير القانوني مردخاي كريمنيتسر في صحيفة "هآرتس" إن "قانون القومية هو قانون يتعسف في استخدام حق الأغلبية وهو قانون مهين للأقلية. وهو لا يضم الضفة إلى إسرائيل بل يضم إسرائيل إلى المناطق المحتلة". وعن المواطنين العرب كتب يقول "كما أنهم لا يحصون في المناطق (1967) السكان الفلسطينيين، فهم لا يحصون المواطنين العرب في دولة إسرائيل. لا مناص من القول إن سياسة من النوع الملائم لحكم الأبارتهايد على قاعدة إثنية، والموجود في المناطق (1967)، تدخل الآن برأس مرفوعة إلى داخل إسرائيل".

وتابع كريمنيتسر "من أجل أن يسلم المواطنون العرب (لا أن يوافقوا) مع القانون عليهم التسليم بكونهم غائبين أو في أحسن الحالات في مكانة أدنى، وحسب المستشار القانوني أيضا ليست لهم حقوق كأقلية قومية. ليس بالإمكان أن نتوقع من أي شخص خضوعا كهذا مرتبطاً بالإهانة، ويجب أن نطلب من كل شخص عاقل ألا يؤيد القانون الذي يطالب بما هو محظور المطالبة به. الأمر لا يتعلق بناء على ذلك بعمل يستحق الوصف بأنه قانون بل باستخدام ملتو للقوة الاستبدادية للأغلبية من أجل المس بصورة متعمدة بالأقلية بذريعة "قانون أساس". إذا تم استكمال هذا الإجراء بقرارات مؤيدة فلن يكون لنا مكان نخفي فيه عارنا!".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات