انتقد التقرير الدوري لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، بشدة، وضعية البنى التحتية الإسرائيلية في مجالات متعددة، واعتبرها من الأكثر تخلفا، مقارنة بالدول المتطورة الأعضاء في المنظمة. وركز التقرير بشكل خاص على وضعية شبكات الطرق، والنقص الحاد في الشوارع، إلى جانب النقص الحاد في عدد الأسرّة في المستشفيات، إذ رأى التقرير أن إسرائيل بحاجة لزيادة عدد الأسرّة بما بين 30% إلى 50% عما هو قائم اليوم.
وكان تقرير OECD قد صدر في الشهر الماضي، واستعرضنا مقاطع منه في عدد "المشهد الإسرائيلي" السابق، إذ امتدح التقرير أداء الاقتصاد الإسرائيلي، من حيث وتيرة النمو منذ العام 2000، حيث أن اجمالي النسبة ضعفا النسبة الاجمالية لمعدل النمو في دول OECD. وهذا في حين سجلت البطالة، مع نهاية العام الماضي 2017، أدنى مستوى تاريخي لها، وبلغت 4%. وبحسب تقرير OECD، فإن 3ر2% من اجمالي نسبة 4%، كانت بطالة قسرية، في حين أن البطالة المزمنة تتقلص بشكل دائم.
كما امتدح التقرير هبوط حجم الدين العام إلى محيط 60%، في حين أن اجمالي الدين بالمعدل في دول OECD، يفوق نسبة 110%. كما أن الدين العام، الذي يجمع ما بين الدين الحكومي ودين الحُكم المحلي، من شأنه هو أيضا أن ينخفض، ويصل إلى حدود 61%، بعد أن كان في 2016 أكثر بقليل من 62%.
إلا أن التقرير حذر من أن قطاعات واسعة من المواطنين لا يتمتعون من النمو الاقتصادي، كما أن ثمار "الأوضاع الاقتصادية الجيدة" ليست موزعة بشكل متساو بين جميع شرائح المجتمع، "على الرغم من أن حجم الفجوات قد تقلص بمدى معين منذ العام 2007"، كما ورد في التقرير الذي استعرضته الصحافة الاقتصادية.
وتبقى الشريحة الأكثر ظلما من السياسات الإسرائيلية، كما يؤكد مضمون التقرير، هي فلسطينيو الداخل.
بؤس شبكة المواصلات والطرقات
ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيفر بلوتسكر إن مسح منظمة OECD شمل أوضاع البنى التحتية في مختلف المجالات: الشوارع، شبكة القطارات، المطارات، المستشفيات، روضات الأطفال وغيرها. وتتكشف في التقرير صورة مثيرة للفزع من مستوى الإهمال للبنى التحتية الأساسية، وتلخص OECD استنتاجاتها بأن: "إسرائيل هي دولة متخلفة جدا في البنى التحتية".
ويقول التقرير إن الفجوة الأكبر في مستويات البنى التحتية، بين إسرائيل والدول الأعضاء في OECD، قائمة في شبكات الشوارع والمواصلات. فالاكتظاظ في الشوارع بلغ ثلاثة أضعاف ونصف ضعف المعدل في دول OECD. ففي حين أن معدل الكثافة في OECD، هو 800 سيارة لكل كيلومتر، فإن المعدل في إسرائيل يرتفع إلى 2800 سيارة. وعلى مستوى السيارات الخاصة، فإن معدل اكتظاظها على الشوارع يصل إلى ثلاثة أضعاف المعدل في دول OECD. في حين أن اكتظاظ سيارات النقل، والشاحنات الكبيرة، يصل معدله إلى أربعة أضعاف المعدل القائم في تلك الدول المتطورة. وهذا ناجم عن اعتماد الحافلات كوسيلة نقل أساسية في المواصلات العامة، وهو نهج ليس ناجعا.
وقد سجلت إسرائيل، في السنوات السبع الماضية، ذروات عديدة في بيع السيارات الجديدة، ووصلت الذروة الأكبر في العام قبل الماضي 2016، حينما بلغ عدد السيارات الجديدة أكثر بقليل من 300 ألف سيارة، وأقل من هذا بنسبة 1% في العام الماضي 2017. في حين أن بيع السيارات في العام 2015 سجل هو أيضا ذروة غير مسبوقة حتى ذلك الحين ببيع 254 ألف سيارة.
ويعزو محللون الارتفاع الحاد في بيع السيارات الجديدة إلى اتجاه الجمهور لشراء السيارات الصغيرة، وأيضا للمنافسة الحادة بين شركات قروض السيارات، وتنوع القروض التي تعد سهلة نوعا ما على الشرائح الوسطى وما فوق.
وتوصي منظمة OECD في تقريرها بشق شوارع إضافية، فكمّ الشوارع القائمة أقل بما يعادل كلفة عشرات مليارات الشواكل (الدولار يعادل 48ر3 شيكل في هذه المرحلة)، على أن يتم تمويل شق الشوارع من المواطنين ومن الجمهور، مثل فرض رسوم على السيارات في الشوارع المكتظة، من أجل التقليل في استخدام السيارات الخاصة.
وحسب تقارير واحصائيات رسمية، نشرت تباعا، فإن مركز البلاد، وبشكل خاص منطقة تل أبيب الكبرى، يشهد في السنوات الأخيرة حالة انفجار في المواصلات، عدا الانفجار السكاني، إلا أن فرص توسيع الشوارع وشق شوارع جديدة باتت صعبة، وفي حالات أخرى في ذات المنطقة باتت مستحيلة، وخاصة في أوتوستراد "أيالون" الذي يشق منطقة تل أبيب الكبرى من شمالها إلى جنوبها، ويمر فيه يوميا 700 ألف سيارة، وهذا يشكل زيادة بنسبة 50% عما كان في العام 2000. وغالبية السيارات تتحرك في ساعات بدء الدوام وانتهائه، ما يخلق اختناقات مرورية حادة جدا، يعلق فيها المتوجهون إلى العمل، والعائدون منه.
ويرى المختصون أن هذا الأوتوستراد وصل إلى الحد الاقصى من امكانيات الاستيعاب، ولا مجال لتوسيعه. وكل هذا على الرغم من أن معدل عدد السيارات التي تمر منه قد انخفض عما كان في العام 2008، حوالي 745 ألف سيارة يوميا. ويعزو المختصون هذا الانخفاض إلى بدء عمل برنامج التطبيق الهاتفي، توجيه السيارات "ويز"، الذي يعمل على قاعدة منظومة توجيه السيارات "جي بي أس".
ويحذر التقرير من تزايد السيارات في حال تزايدت الشوارع. وأشار إلى أن زيادة الشوارع فيها فائدة ورافعة اقتصادية واجتماعية عالية جدا. كما يوصي التقرير بخفض الضرائب على السيارات الجديدة، وفي المقابل رفعها على الوقود. ويشار هنا إلى أن أكثر من 60% من سعر لتر الوقود للمستهلك هي ضرائب. بكلمات أخرى، فإن المستهلك يدفع ثمن لتر الوقود بأكثر من 150% من سعره لدى وصوله إلى محطة الوقود، بمعنى السعر الذي يشمل نقله للمستهلك أصلا.
ويعتبر بلوتسكر التوصية بشأن رفع الضرائب على الوقود وتخفيضها على السيارات، بمثابة "انقلاب في التفكير". ويقول إن التفكير الاقتصادي السليم يقول إنما كلما ارتفع سعر السيارة، يتم بيع سيارات أقل. فمن يشتري سيارة لن يبقيها متوقفة بجانب البيت، كي يستخدم المواصلات العامة. وهذا ما يفسره خبراء الاقتصاد في OECD في تقريرهم. فأولئك الخبراء يعتقدون أن تخفيض الضرائب على السيارات من نسبة 100% اليوم في إسرائيل إلى 28%، وفي المقابل رفع ضريبة إضافية على لتر البنزين بشيكل واحد، سيقلص حجم السفر بالسيارات الخاصة.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، فإن الاختناقات المرورية تستنزف ما نسبته 5ر1% من حجم الناتج العام، أي حوالي 20 مليار شيكل، ما يعادل 74ر5 مليار دولار. ويقول بلوتسكر إن 20 مليار شيكل تذهب هباء سنويا، فهل حكومة إسرائيل ستستمع لنصيحة OECD؟ وهل نتوقع خفضا جديا في أسعار السيارات؟ هذا مشكوك فيه، فإن التعامل مع السيارات هو كالبقرة الحلوب، التي تجعل خزينة الضرائب تسجل سنويا ذروة في الجباية، ولذا فإن الأمر لن يتغير.
ويقدم تقرير OECD تفصيلا لجوانب الفشل في تنفيذ وإدارة الاستثمارات في البنى التحتية، إذ أن 45% من مشاريع البنى التحتية الكبرى في إسرائيل متخلفة في التنفيذ، بما يجعل كلفتها أعلى مما هو مخطط، في حين ان هذا الفشل تبلغ نسبته في الدول المتطورة 21% بالمعدل. وفي جانب إدارة مشاريع البنى التحتية، تحتل إسرائيل المرتبة الثانية من الأسفل، بمعنى دولة واحدة تسبقها من حيث سوء الإدارة في الدول الغربية. فعلى سبيل المثال، في العام 2012 تم رصد 23 مليار شيكل لتنفيذ مشاريع لتطوير المواصلات العامة، حتى العام 2015، ولكن ما أن جاء العام 2015، حتى كانت الميزانية المستخدمة فعلا اقل من نصف المقرر، 10 مليارات شيكل فقط.
نقص خطير في أسرّة المستشفيات
كما يتوقف تقرير OECD عند النقص الخطير في المستشفيات. ويتضح أن عدد الأسرّة في المستشفيات أقل بنسبة 33% من معدل عدد الأسرّة بالنسبة لعدد المواطنين في الدول المتطورة. ومعدلات الاكتظاظ في المستشفيات في إسرائيل لا يمكن تحملها، وتصل إلى 95%، ولذا تحل إسرائيل في المرتبة الثانية، من حيث ارتفاع الاكتظاظ، من بين الدول الـ 34 الأعضاء في منظمة OECD. ويقول التقرير إنه بسبب الاكتظاظ في المستشفيات، فإن الكثير من المرضى ينامون على أسرّة في أروقة المستشفيات، ما يرفع من نسبة التلوث والعدوى بين المرضى. وفي هذا الجانب تحل إسرائيل في المرتبة ما قبل الأخيرة (الأسوأ).
ويتعجب معدو تقرير OECD من "الشروط القاسية في الاكتظاظ الكبير في المستشفيات الإسرائيلية، التي تتسبب في ارتفاع حاد جدا، في موت المرضى بسبب العدوى من التلوث". وحسب المعطيات، فإنه في إسرائيل يموت سنويا من تلوث، على الأغلب ناجم من الاكتظاظ الشديد في المستشفيات، ما معدله 38 مريضا لكل 100 ألف مواطن، في حين أن المعدل السنوي في دول OECD هو 15 مريضا في السنة في الظروف ذاتها.
ويقول بلوتسكر إنه بحساب بسيط، لو أن المعدل في إسرائيل يهبط إلى المعدل في OECD، لتم انقاذ حياة 200 مريض. ويضيف أن على إسرائيل أن ترفع عدد الأسرّة في المستشفيات، بما بين 30% إلى 50%، من أجل انقاذ حياة مئات المرضى. وهذا بالتأكيد سيحتاج إلى بناء عدد غير قليل من المستشفيات، في حين أنه منذ سنوات يجري الحديث عن بناء مستشفى واحد أو اثنين جديدين.
ويشار هنا إلى أن أساس النقص في عدد الأسرة والمستشفيات ككل قائم بصورة رئيسة في المدن والمناطق البعيدة عن مركز البلاد. ويزداد الوضع سوءا في المستشفيات والعيادات التخصصية، وفق ما تشير له كل التقارير الإسرائيلية.
ويوصي تقرير OECD الحكومة الإسرائيلية برصد ميزانيات أكبر لإقامة مستشفيات جديدة، وتمويل مشاريع لتوسيع مستشفيات قائمة، من خلال زيادة الدين العام، أو برفع بسيط للضرائب. ويقول بلوتسكر إن هذه التوصية شاذة بالنسبة لخبراء OECD الذين لا يفضلون زيادة الميزانيات العامة، وزيادة الدين العام. ولكن كما يبدو سوء الوضع في المستشفيات بات يتطلب توصية شاذة كهذه.
ويشير بلوتسكر إلى أن الاستثمارات في القضايا الاجتماعية مقلصة جدا، ولذا فإن كل زيادة في الصرف ستعزز النمو الاقتصادي، وترفع من مستوى الأوضاع الاجتماعية.