المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة غاضبة تطالب باستقالة نتنياهو بالقرب من مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، أول من أمس. (إ.ب.أ)

يسعى بنيامين نتنياهو طوال السنوات الأخيرة إلى دحر وحتى دفن محاكمته الثلاثية في قضايا الفساد، المستمرة منذ سبع سنوات ونصف السنة، أي منذ بدء التحقيقات فيها، مرورا بتوجيه لوائح اتهام ومحاكمته الجارية فعليا منذ 3 سنوات وخمسة أشهر تقريبا؛ وطلب طاقم محاميه في الأسبوع الماضي تأجيل إفادته أمام المحكمة إلى شهر آذار من العام المقبل، هو دلالة على هذا السعي؛ إلا أنه في الأسبوع الماضي اصطدم نتنياهو، ولربما دون مفاجأة من ناحيته، بإنذار شديد اللهجة من لجنة التحقيق الرسمية، في ما عُرفت بقضية شراء الغواصات، التي تكشفت فيها قضايا رشى وفساد، بمعنى تورطه في القضية، إلا أن نتنياهو الذي بات أكثر رئيس حكومة إسرائيلية يتلقى انتقادات وتحذيرات من لجان تحقيق رسمية، ومحاكمات في قضايا الفساد، يبدو أكثر اطمئنانا بأن هذه القضايا بالذات لن تؤثر على شعبيته في أي انتخابات مقبلة، التي تتنبأ الاستطلاعات بشأنها بتراجع حزبه حاليا.

تطورات محكمة الفساد وخلفيتها

استمر، طيلة الأشهر الأخيرة، سير محاكمة نتنياهو في ثلاث قضايا فساد، وبقيت تقريبا بعيدة عن الأضواء الإعلامية، بفعل أخبار وأجواء الحرب على الشعب الفلسطيني، ويدل هذا البرود الإعلامي حول هذه المحاكمة، على أنها لم تتقدم نحو خط النهاية، الذي ما زال بعيدا جدا، ولا نبالغ إذا قلنا لسنوات أخرى.

ففي الأسبوع الماضي، طالب طاقم الدفاع عن نتنياهو بأن تبدأ إفادته أمام المحكمة في القضايا الثلاث، في شهر آذار من العام المقبل، بذريعة أن المتهم هو رئيس حكومة ويدير حربا، ولا يمكن أن يتفرغ لجلسات محاكمة ستأخذ الكثير من الوقت، يضاف لها أنه قبل مثوله أمام المحكمة لاستجواب النيابة والدفاع، سيحتاج إلى جلسات تحضير معه، وهذه أيضا ستأخذ وقتا.

وحتى نشر هذا المقال، لم يصدر رد عن المحكمة، لكن حسب التقديرات، فإن المحكمة قد تقبل بالتأجيل فترة قابلة للتجديد، بموجب الوضع القائم.

وحسب ما هو متبع، فإن مثول المتهم أمام المحكمة يقرّبها نحو خط النهاية، إذ يتبع ذلك تقديم تلخيصات طاقمي النيابة والدفاع، وهذا يحتاج وقتا، وبعدها ستكون هيئة القضاة بحاجة لوقت حتى صدور قرارها في كل واحدة من القضايا الثلاث. والاحتمال الوارد هو أن أي قرار سيصدر سيكون خاضعا لاستئناف طرف أو الطرفين.

يشار إلى أن كل الأحاديث في السنوات الأخيرة عن مفاوضات بين النيابة والدفاع للتوصل إلى اتفاق ينهي المحكمة قد تلاشت، ولا يبدو أن نتنياهو سيكون راغبا بهذا، وهو يصر على براءته، وأن ما يجري، حسب مزاعمه، هو مجرد ملاحقة من النيابة وجهاز القضاء ضده، وهو الجالس على كرسيه منذ 15 عاما بشكل متواصل، باستثناء سنة واحدة. ما يعني أنه حتى لو جرت الانتخابات البرلمانية في موعدها، في خريف العام 2026، فإن هذه المحكمة ستكون ما تزال مستمرة. لكن ما هو أهم، أنه على الرغم من ثِقل هذه القضايا، إلا أنها لم تؤثر على نتنياهو في كل واحدة من الجولات الانتخابية البرلمانية الخمس الأخيرة. 

وللتذكير، فإن هذه القضية تفجّرت مع بدء التحقيقات بشبهات الفساد مع بنيامين نتنياهو في الشهر الأخير من العام 2016، وكانت تدور حول القضية الأولى. والقضايا الثلاث هي:

"ملف 1000": بموجبه فإن نتنياهو تلقى هدايا بمئات آلاف الدولارات من صديقه الثري الأميركي الإسرائيلي، أرنون ملتشين، وفي المقابل ساعد نتنياهو الثري بالحصول على تسهيلات ضريبية. وفي هذه القضية، تتهم النيابة نتنياهو بخرق الأمانة.

"ملف 2000": بموجبه أجرى نتنياهو مفاوضات مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" أرنون موزس، كي تكون توجهات الصحيفة ودّية، لدى تغطيتها الأخبار عن نتنياهو، وفي المقابل يسعى نتنياهو لسن قانون يحد من انتشار صحيفة "يسرائيل هيوم" المجانية، رغم أنها المدافع الأكبر عن نتنياهو. وفي هذه القضية أيضاً اتهم بخرق الأمانة واستغلال المنصب، وقد أسقط المستشار القانوني للحكومة في هذه القضية بند تلقي الرشوة، رغم توصية الشرطة والنيابة بها.

"ملف 4000": وتعد التهمة الأضخم والأخطر على نتنياهو، تدور القضية حول تسهيلات ضريبية واقتصادية كبيرة، سعى لها نتنياهو لصالح الثري شاؤول ألوفيتش، الذي كان صاحب السيطرة بالأسهم على شركة الاتصالات الأرضية "بيزك"، في مقابل أن يحصل نتنياهو على تغطية ودّية في موقع "واللا" الاخباري، الذي كان يملكه ألوفيتش. وفي هذا الملف يواجه نتنياهو تهمة تلقي الرشوة وخرق الأمانة.

نتنياهو يتورط في قضية الغواصات

لكن نتنياهو الذي رأى أنه كسب المحكمة جماهيريا، تفجّرت في وجهه، في الأيام الأخيرة، مسألة تورطه في قضية الغواصات، وهنا أيضا ادعى نتنياهو أن هذه ملاحقة من بيني غانتس وأقطاب الحكومة السابقة.

وقد ظهرت قضية شراء الغواصات من ألمانيا قبل أكثر من 10 أعوام، وفي مركزها، حسب التقارير، أن نتنياهو ضغط لإبرام صفقة غواصات جديدة، على الرغم من أن الجيش قد أبلغ أنه ليس بحاجة لها، وأنها ستكون زائدة. وفوق هذا، تبين لاحقا أن مسار إبرام هذه الصفقة رافقته شبهات رشى وفساد، وأبرز المتورطين، ومنهم من يواجه لوائح اتهام، هم من أقرب المقربين من نتنياهو، وأحدهم قريب عائلة.

إلا أن تحقيقات جهاز الشرطة استنتجت أن نتنياهو ليس متورطا بهذه الصفقة، في حين أن من كان وزيرا للدفاع يومها، موشيه يعلون، مع آخرين، أصروا بعد سنوات قليلة، على أن نتنياهو متورط بهذه القضية.

وفي ظل الحكومة السابقة، برئاسة متناوبة لنفتالي بينيت ويائير لبيد، قرر وزير الدفاع بيني غانتس، في العام 2021، إقامة لجنة تحقيق رسمية، برئاسة رئيس المحكمة العليا الأسبق آشير غرونيس، وهو القاضي الذي سعى نتنياهو والمقربون منه في الحكومة لانتخابه رئيسا للمحكمة العليا، وتطّلب الأمر تعديلا في قانون تعيين رئيس المحكمة العليا ليتسنى انتخابه، ودامت ولايته 3 سنوات.

وحسب تقارير إعلامية إسرائيلية في الأيام الأخيرة، فإن اللجنة كانت قد أوشكت على إنهاء عملها وإصدار تقريرها، في محيط 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لكن تم التأجيل كما يبدو بفعل الحرب.

وفي الأسبوع الماضي، وجهت لجنة التحقيق رسائل تحذير "شديدة اللهجة"، إلى نتنياهو، ويعلون، رغم أن الأخير هو ممن طالبوا بلجنة التحقيق، وأيضا لمن كان رئيسا لمجلس الأمن القومي، يوسي كوهين، الذي تولى لاحقا رئاسة جهاز المخابرات الخارجية، الموساد، وأنهى ولايته، ومسؤولين آخرين ذوي صلة بمشتريات الجيش.

وأبرز ما جاء في رسالة لجنة التحقيق لنتنياهو أن "سلوكه أدى إلى تشويش عميق ومنهجي في سياقات عمل وبناء القوة والمس بآليات اتخاذ القرارات في سلسلة مسائل حساسة. وبذلك عرّض للخطر أمن الدولة، ومسّ بالعلاقات الخارجية، وبالمصالح الاقتصادية لدولة إسرائيل".

 

المحللون يحذرون من خطورة الانذار

رأت صحيفة "هآرتس"، في مقال افتتاحي لهيئة التحرير، أن قرار لجنة التحقيق الرسمية بشأن قضية الغواصات والسفن إرسال رسائل تحذير إلى نتنياهو ويعلون وكوهين وآخرين، في أعقاب دورهم في القضية، "ينبغي أن يهز الأركان. فالعنوان الحقيقي للرسائل التي بعثت بها اللجنة برئاسة رئيس المحكمة العليا القاضي المتقاعد آشير غرونيس موجّه للجمهور، والتحذير هو قبل كل شيء ممن يقف على رأس الحكومة، إذ تبسط رسائل التحذير ادعاءات قاسية تجاه نتنياهو ويعلون وكوهين.

"والتفكير بأن نتنياهو المتهم بأفعال خطيرة للغاية، لا يزال يتولى المنصب (بخلاف الآخرين) ويدير منذ ثمانية أشهر حربا لا تُرى نهايتها في الأفق، يجب أن يقض مضاجع كل مواطن ومواطنة في الدولة".

وقالت الصحيفة "تعزز رسائل التحذير ما بات واضحا: يدور الحديث حول قضية خطيرة لسلوك عفِن، ينضم إلى قائمة طويلة من المخالفات والاخفاقات، التي يُتهم بها نتنياهو".

وقال المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، "إن أقوال اللجنة بأن نتنياهو عرّض أمن الدولة للخطر، وأضرّ بعلاقاتها الخارجية ومصالحها الخارجية، هي أقوال ربما ستكتب مستقبلا عن رئيس الحكومة، بعد تشكيل لجنة رسمية للتحقيق في كارثة 7 تشرين الأول/ أكتوبر".

وتابع: "بعيدا عن الادعاءات المحددة في قضية الغواصات، وصف نتنياهو تعيين اللجنة بأنه مثابة انتقام سياسي من طرف حكومة بينيت- لبيد. إلا أن رسائل التحذير تضاف إلى جبل الأدلة الذي تجمّع في السنوات الـ 15 الأخيرة على نهج نتنياهو. والنتيجة التي تظهر فيها، هي نتيجة واضحة ومقلقة: طريقة نتنياهو في ادارة الدولة أفلست، وهي تعرّض، الآن فعليا، أمن الدولة للخطر".

وكتب المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور: "لقد سبق لرؤساء الحكومة في إسرائيل أن وقفوا أمام­ لجان تحقيق رسمية في الماضي... لكن لم يسبق أبداً أن كان في إسرائيل رئيس حكومة وجهت له لجنة تحقيق رسمية شبهات بهذه الخطورة، مثل نتنياهو في قضية مشتريات المعدات البحرية. ففي رسائل التحذير التي أطلقتها اللجنة قضت بأن سلوكه ’أدى إلى تشويش عميق ومنهجي في إجراءات عمل وبناء القوة، إلى درجة المس بآليات اتخاذ القرار في سلسلة من المسائل الحساسة. وبذلك عرّض أمن الدولة إلى الخطر، ومسّ بالعلاقات الخارجية وبالمصالح الاقتصادية لدولة إسرائيل’".

وتابع ليمور أن "قراءة بيان اللجنة تترك إحساسا بالاختناق. إذ تم المسّ بقدس أقداس دولة إسرائيل؛ ففي الأماكن التي يفترض أن تجرى فيها مداولات استراتيجية نقيّة وموضوعية، تجري الأمور بشكل يمكن على الأقل وصفه بأنه خطير: خطير على الأمن، خطير على العلاقات الخارجية، وخطير على الاقتصاد، ناهيك عن أنه خطير على الشكل الذي تدار فيه الحكومة والكابينيت، وتدار فيه العلاقات بين المستوى السياسي والمستوى العسكري في دولة يفترض فيها أن تكون ديمقراطية وسليمة".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات