المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1485
  • هشام نفاع

ما زالت مسألة تعطل فرع البناء في إسرائيل إلى حد كبير وبدرجة عالية تشغل العديد من الجهات ذات الصلة، وفي أولها الحكومة. وقد صدر عن مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست مؤخراً بحث بعنوان "تأثير حرب السيوف الحديدية على قطاع البناء"، وقال معدوه إن البحث أعِد قبيل جلسة خاصة في لجنة الداخلية وحماية البيئة حول موضوع "انخفاض صفقات الأراضي بسبب وضع الحرب وإسقاطات ذلك على احتياطي وأسعار الدور على المديين، المتوسط والطويل".

يبدأ التقرير بخلفية جاء فيها، بمصطلحاته، "في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بدأت هجمة إرهاب وحشية من قطاع غزة على إسرائيل. في أعقاب ذلك بدأت حرب السيوف الحديدية وأُعلن عن وضع خاص في الجبهة الداخلية، بداية في قسم من مساحة الدولة ولاحقاً في دولة إسرائيل كلها. وهو ما فرض قيوداً على نشاط الاقتصاد. لقد أثرت الحرب على قطاع البناء سواء من ناحية العرض، بفعل النقص في العمال، وكذلك من ناحية الطلب".

ينوّه البحث، كخلفيّة، إلى أن سوق الإسكان تتصرف على نحو دوري بفعل تغييرات في عوامل الطلب، وخصوصا الديموغرافية ونسبة الفائدة، وهي تصطدم بعرض ثابت. وفي جدول أورده البحث حول المؤشرات الفعلية لأسعار الدور وإيجار الدور في الفترات الأخيرة، يوضح أنه نشأ في بداية الدورة الاقتصادية ارتفاع سريع في الطلب بسبب زيادة حجم الهجرة إلى إسرائيل، وهو يشير بذلك إلى الهجرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق من العام 1989، أو بسبب نسبة الفائدة المنخفضة التي ترتبط بالأزمة الاقتصادية العام 2008. وتؤدي الزيادة السريعة على طلب الدور إلى ارتفاع الأسعار السريع، لأن عرض الدور صلب وثابت نسبيا، أي أنه يكبر بشكل بطيء بفعل الفترات الطويلة للتخطيط، المصادقة وبناء الدور.

المرحلة الثانية، كما يسميها البحث، تتحدث عن استقرار وانخفاض الأسعار. فمع تراجع احتياطي الدور وارتفاع الأسعار، يزيد المنتجون عرض الدور من خلال زيادة الاستثمارات وتذويت عوامل تحسين تقنية. بمرور الزمن كانت العوامل التي أدت إلى زيادة الطلب، كما ذكِرت أعلاه تضعف، فالعرض يكبر ويبدأ انخفاض في الأسعار إلى أن تظهر موجة طلب جديدة وهكذا دواليك.

ارتفاع أسعار الدور متواصل منذ نحو عقدٍ ونصف العقد

السنوات التي تم استعراضها تنقسم إلى ثلاث فترات:

1993-1997: ارتفاع بنسبة 32.6% في مؤشر أسعار الدور، وهذه هي المرحلة الأولى في دورة الاقتصاد.

1997-2007: انخفاض بنسبة 24.5% في مؤشر أسعار الدور، وهذه هي المرحلة الثانية في دورة الاقتصاد.

2007-2023: ارتفاع بنسبة 158.7% في مؤشر أسعار الدور، وهي مرحلة أولى في دورة اقتصادية جديدة.

بمرور السنين يرتفع مؤشر أسعار الدور المملوكة لأصحابها. أي أن نسبة انخفاض مؤشر أسعار الدور في الدورة الاقتصادية أقل من نسبة ارتفاعه. في السنوات 1993-2020 مؤشر أسعار الدور المملوكة لأصحابها ارتفع بنسبة سنوية متوسطة وصلت نحو 5.9% وفي هذه الفترة ارتفعت أسعار استئجار الدور بنسبة سنوية متوسطة وصلت إلى 302%.

وفي ما يتعلق بأسعار الدور ومؤشر إيجارات الدور في الأشهر كانون الأول 2022 حتى آب 2023 يمكن رؤية أن مؤشر أسعار الدور في هذه الفترة ارتفع بنسبة 10.9% ومؤشر أسعار الدور الجديدة ارتفع بنسبة 9.3%. وفي تقسيمة إلى فترات ثانوية، فإن مؤشر أسعار الدور ارتفع في الأشهر كانون الثاني حتى كانون الأول 2022 بنسبة 12.9% وانخفض في الأشهر كانون الأول 2022 حتى آب 2023 بنسبة 1.8%. مؤشر أسعار الدور الجديدة بدأ بالانخفاض بوقت مبكر أكثر وذلك في كانون الثاني 2022 حتى آب 2022 ارتفع بـ13% وفي الاشهر آب 2022 حتى آب 2023 انخفض بنسبة 3.9%.

وفقا لجدول يقدمه البحث يمكن رؤية أنه في أواسط 2021 كان عدد أشهر العرض للدور الجديدة في الحضيض وفي أواسط 2023 وصل إلى ذروة بلغت. ومنذ أواسط 2023 تشهد أشهر العرض انخفاضا لكنها ما زالت مرتفعة قياسا بسنوات سابقة.

الحرب عمقت التراجع السابق وفاقمت الإضرار بالسيولة النقدية

بخصوص إسقاطات الحرب على غزة والقيود على نشاط الاقتصاد الإسرائيلي، فقد مست بفرع البناء تحديداً بطرق مختلفة وفقاً للبحث: من ناحية العرض لم يسمح للعمال "من مناطق السلطة الفلسطينية" بالوصول إلى عملهم بسبب الإغلاق المفروض على مناطق الضفة الغربية ("يهودا والسامرة" بلغة البحث) وقطاع غزة. كما أن الكثير من السلطات المحلية أمرت بإغلاق مواقع بناء في نطاق نفوذها. تعليمات قيادة الجبهة الداخلية لم تسمح بتفعيل مواقع البناء، بسبب الحاجة لتوفّر مساحات محمية وفقا للمواصفات. قسم من العمال الأجانب هربوا من الدولة والكثير من العمال الإسرائيليين تم تجنيدهم لخدمة الاحتياط. بعد أربعة أيام على اندلاع الحرب نشرت وزارة العمل وسلطة السكان والهجرة تصاريح مؤقتة لعمال أجانب في قطاع البناء، ممّن توقف عملهم بسبب الحرب، لكي يعملوا في مصانع لتقديم خدمات حيوية وضرورية.

من ناحية الطلب، أدت الحرب إلى تراجع في معظم فروع الاقتصاد بما في ذلك قطاع البناء. والانخفاض في الطلب في هذا الفرع بدأ أصلاً منذ النصف الثاني من العام 2022 بعد بداية رفع الفائدة من قبل بنك إسرائيل، وجاءت الحرب لتعمق هذا الانخفاض في الطلب والإضرار بالسيولة النقدية للمصالح الاقتصادية في هذا القطاع. وبخصوص العوامل الأساسية التي أدت إلى الإضرار بالنشاط الاقتصادي، يورد البحث المعطيات التالية المستقاة من استطلاع لمكتب الإحصاء المركزي:

في مجمل فروع الاقتصاد قال 49% من المصالح الاقتصادية إن العامل الأساس للإضرار بالنشاط الاقتصادي هو الانخفاض في الطلب، 19% قالوا إن السبب هو عدم وجود عمال، و13% قالوا إنه لم يكن هناك إضرار بمصالحهم. على النقيض من سائر فروع الاقتصاد التي كان فيها انخفاض الطلب هو السبب الأساس للإضرار بنشاطها، ففي فرع البناء قال 42% إن السبب الأساس للإضرار في عملهم هو النقص في العمال بينما قال 32% إن العامل الأساس هو الانخفاض في الطلب.

بين أيلول وتشرين الأول تراجع بيع الدور بـ65%

في بحث تحليلي للمعطيات يقول معدو التقرير إن العوامل الأساسية التي تشكل قيداً خطيراً على قطاع البناء في الفترة الحالية مقابل فترات حروب سابقة، هي الوضع الأمني، النقص في العمال والطلب المنخفض. وهم يجرون هنا مقارنة بين الحروب الإسرائيلية على غزة في العام 2014 والعام 2021 والفترة الراهنة. نحو 75% من المديرين في قطاع البناء عرّفوا الوضع الأمني على أنه القيد الأكثر خطورة بالنسبة لشركاتهم وهذا مقابل 17% في حرب 2014. كذلك، 30% أجابوا بأن النقص في العمال المهنيين يمس بشركاتهم بشكل خطير وهذا مقابل 26% في حرب 2014. وأجاب 23% بأن الطلب المنخفض يمس بشركاتهم بشكل خطير وهذا مقابل 14% في حرب العام 2014. وفقا لوزارة الاقتصاد الإسرائيلية ففي تشرين الأول 2023 بيعت 817 داراً جديدة، وهذا أقل بـ56% مما كان في تشرين الأول 2022، وأقل بنحو 65% من الشهر الذي سبقه، أيلول 2023.

ومنذ أن رفع بنك إسرائيل المركزي الفائدة في نيسان 2022 انخفض الطلب على الدور السكنية، وارتفعت تكاليف تمويل شركات البناء، وانخفض البيع والبناء الجديد للدور. والحرب التي أدت إلى تراجع حاد في الطلب وإلى النقص الكبير في العمال، فاقمت الوضع، ووفقا للشركات العاملة في قطاع البناء فإن وضعها هو الأسوأ في الاقتصاد.

في ما يتعلق بالعمال غير الإسرائيليين في قطاع البناء هناك ثلاث مجموعات منفصلة تم إقرارها في قرارات الحكومة الأخيرة منذ بدء الحرب: عمال من السلطة الفلسطينية، عمال من الأردن وعمال أجانب. من أجل تشغيل عامل غير إسرائيلي يجب تلقي تصريح من سلطة السكان والهجرة بينما يجب أن يتلقى العمال من السلطة الفلسطينية بالإضافة إلى ذلك تصريحاً من "الإدارة المدنية" في الضفة الغربية.

"الدولة معرّضة لدعاوى أضرار من المواطنين الذين تضرروا"

يقول البحث: في نهاية العام 2022، كان في إسرائيل 25 ألف متسلل لم يتم احتساب عملهم في هذه المعطيات الرسمية. ووصل عدد العمال غير الإسرائيليين في نهاية العام 2022 إلى 122 ألف عامل وعدد تصريحات العمل كان عددها 102 ألف، وعمل بشكل فعلي 96424 عاملا. نسبة العمال غير الإسرائيليين في قطاع البناء تقدر بنحو 30% من المشغَّلين و36% من مجمل الأجيرين. نحو 75% من العمال غير الإسرائيليين هم من السلطة الفلسطينية و24% هم عمال أجانب. وفي إطار التوصيات التي يقدمها معهد أبحاث الكنيست، فإن إحدى وسائل المساعدة الأساسية تكمن في أن يشمل قانون برنامج المساعدة الاقتصادية، الذي أقر خلال الحرب، فرع البناء. ولكن هذا لم يتم في البداية إذ لم يتم ضم هذا الفرع إلا لاحقا خلال أبحاث اللجنة المالية في الكنيست. وفقا لهذه الخطة فإن المقاولين المسجلين يحق لهم تلقي تعويضات على الخسائر التي لحقت بهم، لكن الشركات التي تتخصص في بيع الأراضي أو التي تزيد دورتها المالية على 400 مليون شيكل لا تستحق التعويض.

في جلسة للجنة البرلمانية الخاصة للعمال الأجانب، قال راؤول سروغو، رئيس اتحاد المقاولين: "نحن في ضائقة صعبة جداً. إن القطاع يعيش حالة من الجمود المطلق وهو بنسبة إنتاجية تصل إلى 30% فقط. كما أن 50% من مواقع العمل مغلقة ويوجد لذلك تأثير على اقتصاد إسرائيل وسوق الإسكان. إن مدخولات الدولة من ضرائب صفقات العقارات في العام 2022 كانت 80 مليار شيكل. ولن نصل إلى هذا المبلغ لا في هذا العام ولا في العام الذي يليه. وإذا لم نستيقظ في الوقت المناسب الذي تحتاج فيه الدولة إلى هذه المدخولات فإن ذلك سيؤثر على حياة مليون مواطن في إسرائيل بصورة مباشرة، وذلك عدا عن القطاعات غير المباشرة. إن الدولة معرّضة إلى دعاوى أضرار من المواطنين الذين تضرروا. لا يوجد أمامنا بديل فوري وآني. فلقد عوّدتنا الدولة على تشغيل العمال الفلسطينيين ومنعتنا من استقدام العمال الأجانب. من ناحيتنا فليستقدموا عمالاً من القمر"...

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات