المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1262
  • برهوم جرايسي

سجل التضخم المالي في إسرائيل في الشهر الماضي، أيار، ارتفاعا بنسبة نصف بالمئة (5ر0%)، وهذا ارتفاع للشهر الرابع على التوالي، ما يقرّب اجمالي التضخم إلى الحد الأدنى من المجال المطلوب، الذي حددته السياسة الاقتصادية من 1% إلى 3%.

وفي حين أن التقديرات تقول إن اجمالي التضخم في العام الجاري لن يصل إلى 1%، إلا أن تقارير جديدة تحذر من ارتفاع أسعار جدي في المواد الغذائية، بسبب ارتفاع موادها الخام في العالم، رغم أنه حينما تراجعت تلك الأسعار، لم تتراجع الأسعار في الأسواق الإسرائيلية.

وحسب تقرير مكتب الإحصاء المركزي، فإن التضخم المالي في شهر أيار الماضي تأثر من ارتفاع أسعار موسمية، خاصة الفواكه الطازجة، التي ارتفعت أسعارها بنسبة 2ر17%، وأسعار الملبوسات والأحذية التي ارتفعت هي الأخرى بنسبة 7%.

ومنذ مطلع العام الجاري، سجل التضخم المالي ارتفاعا اجماليا بنسبة 8ر0%، وفي الأشهر الـ 12 الأخيرة ارتفع التضخم بنسبة 4ر0%. وكان التضخم قد سجل في العام الماضي 2017 ارتفاعا بنسبة 4ر0%. وكان هذا الارتفاع الأول بعد ثلاث سنوات سجل فيها التضخم تراجعات سنويا، بنسبة 1% في عام 2015، وبنسبة 2ر0% في كل من العامين 2014 و2016.

وتقول التقديرات الرسمية إن التضخم الإجمالي قد يسجل هذا العام ارتفاعا اجماليا بنسبة 8ر0%، ما يعني أنه للعام الخامس على التوالي سيكون التضخم ما دون الحد الأدنى للمجال المطلوب للتضخم المالي السنوي. ولكن في المقابل، بدأت تتحدث تقارير اقتصادية عن موجة غلاء محتملة في أسعار المواد الغذائية، في حين يستمر ارتفاع أسعار الوقود للشهر الرابع على التوالي، على ضوء ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، في حين أن سعر صرف الدولار قد سجل منذ نهاية العام الماضي وحتى هذه الأيام ارتفاعا اجماليا في حدود 7ر2%، ويتأرجح سعر الصرف في الأيام الأخيرة عند أسعار تقفز بقليل عن 6ر3 شيكل للدولار.

 أسعار المواد الغذائية

 ويقول تقرير لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إن سوق المواد الغذائية تقف عند مفترق طرق، وفي الأسابيع القليلة المقبلة سيتحدد ما إذا ستشهد الأسواق الإسرائيلية ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية، وحتى الآن فإن عددا محدودا من المنتوجات الغذائية قد ارتفعت أسعاره. وحسب الصحيفة فإن سلسلة من شركات الأغذية المستوردة والمسوّقة، بما في ذلك مستوردو اللحوم المجمدة، قد أبلغوا شبكات التسوق بارتفاع أسعار قريب، وليس واضحا حتى الآن ما إذا سترفع شبكات التسوق الأسعار، أم أنها ستقرر امتصاص الغلاء لمنع تراجع المبيعات.

وبموجب سلسلة من التقارير والأبحاث التي تصدر على مر السنين، فإن أسعار المواد الغذائية في السوق الإسرائيلية أعلى بنسبة تتراوح ما بين 20% وحتى 30% من المعدل القائم في الدول المتطورة، قياسا أيضا بمعدلات المداخيل ومستوى المعيشة، وفي بعض الأصناف الغذائية ترتفع النسبة إلى أعلى من 30%.

وتساهم سلسلة من العوامل في ارتفاع الكلفة، وقد يجد كل واحد من هذه العوامل شبيها له في مكان كهذا أو آخر في العالم، إلا جانب الصرف على "الحلال اليهودي"، بمعنى الكلفة العامة التي يتكبّدها المنتجون، وتتدحرج كلها على عاتق المستهلك، كي يحصلوا على شهادة "الحلال".

وفي شهر أيار الماضي، أشار تقرير المراقب العام للدولة إلى ارتفاع أسعار مواد الغذائية في الأسواق الإسرائيلية، طارحا عددا من العوامل، من بينها أن إسرائيل تقدم الدعم على المواد الغذائية للمنتجين والمستوردين، بدلا من تقديم دعم مباشر للمستهلكين.

كذلك في شهر شباط الماضي، صدر تقرير دوري عن منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، يقارن بين مستويات الأسعار لسلة منتوجات وخدمات في عشرات الدول، المشاركة في المشروع العالمي لقياس مستوى المعيشي الفعلي، وبين مقاييس القوة الشرائية المحلية. وتبين أن سلة المشتريات للعائلة الإسرائيلية كلفتها أعلى بنسبة 25% من معدل سلة المشتريات في الدول المتطورة الأعضاء في OECD. وهذا يعني أنه من أجل شراء سلة منتوجات وخدمات ثابتة، فإن العائلة الإسرائيلية تدفع 125 شيكلا، مقابل كل 100 شيكل تدفعها العائلة بالمعدل في دول OECD. وفي ألمانيا المعدل 104 شواكل، وفي فرنسا 109 شواكل، وفي النمسا 112 شيكلا، وفي الولايات المتحدة الأميركية 100 شيكل.

وقد اعتمد تقرير OECD على أسعار العام 2014، ولكن بعد تعديلات تتلاءم مع أسعار العام الماضي 2017، بقيت الأسعار في إسرائيل مرتفعة، وقد حلت إسرائيل في المرتبة 12 من أصل 47 دولة، من حيث غلاء المعيشة، بحيث أن المرتبة الأولى هي الأغلى.

وتقول صحيفة "ذي ماركر" إنه يكفي أن تعلن واحدة من شبكات التسوق الكبرى عن رفع الأسعار، حتى نرى شبكات أخرى تحذو حذوها. ولكن تبين من تحقيق الصحيفة ذاتها أنه إذا تم رفع الأسعار فعلا، فإن هذا سيكون بمثابة استغلال الأوضاع في السوق، أكثر من سبب ارتفاع الأسعار في العالم. ويقول التحقيق إنه لا مبرر لرفع الأسعار للمستهلكين، لأنه في السنوات الخمس الماضية تراجعت بشكل ملحوظ أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية، وعلى الرغم من هذا فإن الأسعار لم تهبط في الأسواق الإسرائيلية، ما يعني أن المسوّقين ارتفعت ارباحهم على حساب المستهلكين.

وأكثر من هذا، تقول الصحيفة، إنه على الرغم من أن ارتفاع أسعار المواد الخام بدأ الحديث عنه في الآونة الأخيرة فقط، إلا أن شبكات التسوق رفعت أسعار العديد من البضائع منذ مطلع العام. ويقول التقرير إنه في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، 2018، ارتفعت أسعار الأرز بالمعدل بنسبة 6%، على الرغم من أن أسعار الأرز في العالم هبطت في السنوات الخمس الماضية بنسبة 24%. وفي حين أن أسعار الحنطة في العالم هبطت في السنوات الخمس الماضية بنسبة 29%، إلا أن الأسعار في الأسواق الإسرائيلية ارتفعت منذ مطلع العام بنسبة 17%.

وفي كل ما يتعلق بأسعار الذرة، فإن الأسعار في الأسواق العالمية هبطت في السنوات الخمس الماضية، بنسبة 47%، وهذا لم ينعكس على الأسعار في الأسواق الإسرائيلية، لا بل إن هذه الأسعار ارتفعت للمستهلك في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام بنسبة 3%. ونقرأ أيضا أن أسعار الصويا انخفضت في مواطنها في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 41%، بينما ارتفعت أسعارها منذ مطلع العام في إسرائيل بنسبة 5%. أما الكاكاو فتبين من تحقيق "ذي ماركر" أن أسعاره في السنوات الخمس الأخيرة في الأسواق الإسرائيلية كانت أعلى بنسبة 13% من معدل أسعاره في العالم. لكن هذا لم يكف، فقد ارتفعت الأسعار مجددا في الأسواق الإسرائيلية منذ مطلع العام بنسبة 34%.

ويقول طال ساغي، نائب المدير العام لشركة الأغذية "مايا"، إن أسعار المزروعات على أنواعها تتأرجح طيلة الوقت بسبب المواسم، والأحوال الجوية التي تؤثر عليها، وعلى الرغم من هبوط الأسعار في العالم، في السنوات الأخيرة، إلا أن شركة "سوغات" التي تحتكر 60% من الأرز في السوق الإسرائيلية لم تخفض الأسعار، في حين أعلنت نيتها رفع الأسعار عند أول قرار لرفع الأسعار في الدول المصدّرة.

وهذا المشهد أدى إلى تحسن في المعطيات الاقتصادية في شركات الأغذية الإسرائيلية، وبالأساس ارتفاع في أرباحها الصافية، ما يؤكد أن شركات الأغذية تستغل المستهلكين.

وتقول إيلانيت شارف، مديرة قسم الأوراق المالية في شركة التأمينات "بساجوت"، إن من أبرز العوامل التي قد تؤدي إلى رفع الأسعار في العالم، وبالتالي في إسرائيل، العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على دول في العالم، مثل إيران، وحاليا فرض جمارك على البضائع الصينية، وأيضا الأوروبية، واعتزام كل من الصين وأوروبا فرض جمارك على البضائع الأميركية.

 الفائدة البنكية الأدنى

 والسؤال الذي يتم طرحه، فور الحديث عن ارتفاع التضخم المالي أو انخفاضه، هو مستوى الفائدة البنكية. ومنذ شهر شباط 2015 رست الفائدة البنكية الأساسية، التي يطرحها بنك إسرائيل المركزي، عند نسبة 1ر0%، وهي من أدنى نسب الفوائد في الدول المتطورة. واستنادا إلى تقارير البنك المركزي، فإنه إذا كان احتمال لرفع الفائدة البنكية، فلن يكون قبل الربع الأخير من العام الجاري 2018، وهذا ما قيل أيضا عن العام الماضي 2017، إلا أن الفائدة لم ترتفع في ذلك الحين. وإذا ما بقي التضخم ما دون نسبة 1% في نهاية العام الجاري، فهناك شك في ما إذا سيُقدم البنك المركزي على رفع الفائدة البنكية مجددا هذا العام، إلا إذا طرأت عوامل أخرى.

ويسعى البنك المركزي، من خلال الفائدة البنكية، إلى السيطرة على وتيرة التضخم المالي، وطالما أن التضخم منخفض، فإن الفائدة ستبقى كذلك. لكن من ناحية أخرى، فإن المهمة الثانية للبنك المركزي هي محاولة التأثير على سعر صرف الدولار، الذي ما يزال دون الحد الأدنى المطلوب للاقتصاد الإسرائيلي، وهو 8ر3 شيكل للدولار، بينما هو اليوم 6ر3 شيكل. ورفع الفائدة سيزيد من اقبال المستثمرين على الأسواق المالية الإسرائيلية، ما سيساهم في خفض أكثر لسعر الدولار، وهو ما ينعكس سلبا على قطاع الصادرات.

ويسأل المحلل الاقتصادي سامي بيرتس في مقال له في صحيفة "ذي ماركر": إلى أي حد بإمكان البنك المركزي المحافظة على فائدة بنكية تلامس الصفر؟. ويقول إنه في الآونة الأخيرة تكشفت ظاهرة مثيرة، فعلى مدى السنين كانت الفائدة في إسرائيل أعلى مما هي عليه في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه في العام الأخير ارتفعت الفائدة الأميركية، حتى باتت الإسرائيلية أقل منها، وأيضا أقل من الفائدة في الاتحاد الأوروبي.

وحسب بيرتس فإن هذا يدل على انفصال الاقتصاد الإسرائيلي عن حسابات الاقتصاد الأميركي، وهذا "مؤشر جيد" حسب تعبيره. ويقول: حقا أن الفجوة ليست كبيرة، ولكن مجرد وجود فجوة كهذه يدل على متانة الاقتصاد الإسرائيلي، والسؤال إلى متى تستطيع إسرائيل المحافظة على هذا المستوى المتدني للفائدة؟.

ويشير بيرتس إلى أنه في اللجنة الخاصة في بنك إسرائيل المركزي، التي تقرر مستوى الفائدة، هناك عضو واحد برأي أقلية ووحيد، يطلب باستمرار رفع الفائدة إلى مستوى 25ر0%، بدعوى أن استمرار الفائدة المنخفضة يضر بالأسهم وسندات الدين، وأيضا بصناديق التقاعد. لكن الحسابات الأخرى التي تطلب الإبقاء على الفائدة المنخفضة تتغلب حتى الآن.

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات