قال تقرير جديد لبنك إسرائيل المركزي، نشر في الأيام الأخيرة، إن على إسرائيل ضخ 130 مليار شيكل سنويا كميزانية إضافية للميزانية القائمة، من أجل رفع مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة، لتلك القائمة في الدول المتطورة إذ أن ما تصرفه الدولة على الخدمات للمواطنين، أقل من 31% من حجم الناتج العام، في حين أن المعدل القائم في الدول المتطورة الأعضاء في منظمة OECD هو 42%، لتحل إسرائيل في المرتبة الثانية، قبل مرتبة القاع الأخيرة لدولة أستونيا.
وقد صدر التقرير في اطار تحليل داخلي لبنك إسرائيل، في أعقاب التقرير الأخير لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، الذي أدرج إسرائيل في المرتبة الثانية قبل الأخيرة، في قائمة الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها، إذ أن المعدل القائم في الدول الأعضاء الـ 34، هو صرف ما نسبته 42% من حجم الناتج العام القائم في كل واحدة من هذه الدول على الخدمات المدنية للمواطنين، بينما النسبة في إسرائيل بلغت في العام قبل الماضي 7ر30%.
وحسب الجدول، فإن أكثر الدول صرفا على مواطنيها هي فرنسا تليها فنلندا والدانمارك وباقي دول شمال أوروبا. وحتى أن إسبانيا، التي واجهت في السنوات الأخيرة أزمة مالية حادة، تبوأت المرتبة الثامنة، واليونان التي كانت فيها الأزمة أشد حلت في المرتبة 12، بينما إسرائيل في المرتبة 33 قبل الأخيرة.
وحسب التحليل الذي أجراه طاقم برئاسة محافظة بنك إسرائيل المركزي كارنيت فلوغ، فإن الفجوة في النسبة، بموجب المقاييس الإسرائيلية، تعني نقصا بـ 130 مليار شيكل، وهو ما يعادل أكثر بقليل من 33 مليار دولار، على الحكومة أن تضخها سنويا كميزانية اضافية في الموازنة العامة، كي يرتقي مستوى الخدمات إلى المستوى القائم كمعدل في الدول المتطورة. وشدد البنك على أن الأمر يتعلق بخدمات مدنية حياتية يومية أساسية وفي مقدمتها التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي ومجالات أخرى.
ويقول تحليل البنك إن أحد الأسباب الأساسية لكون إسرائيل بعيدة عن مستوى الخدمات للمواطن، التي تقدمها دول شمال أوروبا وفرنسا وغيرها، حيث تتراوح النسبة ما بين 45% إلى 55% من حجم الناتج العام، هو العبء الضريبي المنخفض نسبيا في إسرائيل. وقد زاد هذا العبء انخفاضا مع خفض ضرائب في العام الماضي، مثل ضريبة المشتريات من 18% إلى 17% اليوم، وهذه النسبة تعني خفض مداخيل الخزينة بـ 5 مليارات شيكل، ما يعادل تقريبا 3ر1 مليار دولار.
وكانت محافظة بنك إسرائيل فلوغ قد حذرت في الشهر الماضي، من أنه من دون خطة استراتيجية فإن الفجوات بين إسرائيل وسائر الدول المتطورة ستزداد. وقالت فلوغ في مؤتمر اقتصادي عقد في تل أبيب، إن معدل الناتج للفرد في إسرائيل أقل بنسبة 40%، مما هو قائم في الولايات المتحدة الأميركية، وحسب بحث أجرته منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، وعلى أساس النشاط الاقتصادي القائم حاليا، فإن هذه الفجوة لن تتقلص في العقود القريبة.
وتابعت فلوغ قائلة إن هذه نقطة ليست مشجعة، ولهذا مطلوب من الدولة التي لا ترضى بمعطيات كهذه أن تطرح خططا استراتيجية، وأن تعمل على تطبيقها. وفي أساس خطط كهذه يجب أن يكون تقييم دقيق للواقع اليوم، إلى جانب وضع معالم التحديات المستقبلية، ومن بينها التحديات الديمغرافية، والأوضاع الجيو سياسية، والبيئة العالمية، وعلى أساس هذه الوقائع من الممكن طرح تحديد أدق للتحديات المستقبلية.
وفي تقديرات بنك إسرائيل، فإن الحكومة كانت قادرة على جباية 50 مليار شيكل، ما يعادل 13 مليار دولار اضافي، من الضرائب، وتحويل هذه الأموال لخدمات أفضل للمواطنين. وكانت فلوغ قد نادت مرارا في العامين الأخيرين برفع الضرائب من أجل تحسين الخدمات للمواطنين.
وتطرح فلوغ بذلك رؤية نقيضة لرؤية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي ما زال متمسكا بما يُعرف بـ "المدرسة الأميركية"، أو النمط الأميركي، القائم على مبدأ "حكومة صغيرة"، بمعنى حجم ميزانية أقل، وتقدم خدمات أقل، وخصخصة أقصى ما يمكن من القطاع العام. وعلى هذا الأساس يسعى نتنياهو دائما إلى خفض الضرائب، والمستفيد الأساس من هذه السياسة هم الشركات وكبار المستثمرين والشرائح الميسورة، بينما الشرائح الفقيرة، أو المتوسطة الدنيا، لا تشعر بهذا التخفيض الضريبي، كون مداخيلها بالكاد تلامس الحد الأدنى الملزم بدفع ضريبة الدخل.
لكن هذه الشرائح الفقيرة والضعيفة تتلقى الآثار السلبية لهذه السياسة الاقتصادية، المتمثلة بتقليص الخدمات الأساسية، أو تقليص جودتها، بالإضافة إلى تقليص المخصصات الاجتماعية، التي تشكل مدخولا أساسيا للعائلات الفقيرة والعاطلين عن العمل.