عادت في الأيام الأخيرة إلى مقدمة الجدل الاقتصادي الاجتماعي المطالبات برفع جيل التقاعد في إسرائيل، الذي هو حاليا 62 عاما للنساء و67 عاما للرجال، بسبب استمرار ارتفاع معدل الأعمار، ما سيزيد العبء المالي على مؤسسة الضمان الاجتماعي (مؤسسة التأمين الوطني) في السنوات المقبلة.
وتصدر هذه الدعوات على الرغم من صعوبة أن يجد المتقدمون في السن أماكن عمل تقبل باستيعابهم، عدا عن أن هذه الشريحة هي الأكثر عرضة للفصل من العمل في القطاع الخاص.
فقد دعت محافظة بنك إسرائيل المركزي كارنيت فلوغ إلى رفع جيل التقاعد في إسرائيل، وقالت إن هذا إجراء ضروري تحتمه الظروف القائمة، والسيناريوهات المتوقعة. وقالت فلوغ إن رفع جيل التقاعد بالإمكان أن يكون تدريجيا، وبموازاة ذلك يجب ضمان أماكن عمل ملائمة للمتقدمين في السن، إلى حين يكون الشخص مستحقا لمخصصات الشيخوخة وللراتب التقاعدي.
وتسعى وزارة المالية، ومعها بنك إسرائيل، منذ سنوات طوال، إلى رفع جيل التقاعد، خاصة للنساء من 62 عاما اليوم إلى 64 عاما، وللرجال من 67 عاما إلى 68 عاما، وهناك من يطالب برفعه إلى 70 عاما، نظرا لاستمرار ارتفاع معدل الأعمار في إسرائيل. وهذا يعني أن إسرائيل تسعى ليكون فيها أعلى سن تقاعد، فحتى الآن النرويج وحدها فيها سن التقاعد 67 عاما، بينما في الولايات المتحدة الأميركية 66 عاما، وألمانيا 65 عاما وسويسرا 65 عاما للرجال و64 عاما للنساء، بينما اليونان لديها جيل التقاعد كما كان في إسرائيل على مر عقود وهو 65 عاما للرجال و60 عاما للنساء، وفي اليابان 60 عاما للجنسين، أما معدل التقاعد في دول منظمة OECD فهو 4ر64 عام للرجال و63 عاما للنساء.
والهدف هو إبعاد المتقاعدين عن مخصصات الشيخوخة التي يحصل عليها المسنون من مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية، عدا رواتب التقاعد، لأن فرص العمل في هذا الجيل المتقدم شبه معدومة، وفق سلسلة من التقارير التي تؤكد أن العاطلين عن العمل بعد عمر 40 عاما، يبدأون في مواجهة صعوبة في الانخراط في سوق العمل، وهذه الظاهرة تستفحل أكثر من سن 45 عاما، وأكثر من ذلك بعد 50 عاما. وقالت تقارير إن 13% فقط ممن هم فوق عمر 60 عاما في إسرائيل منخرطون في سوق العمل.
وتقول المحللة الاقتصادية طالي حروتي سوفر، في مقال لها في صحيفة "ذي ماركر" التابعة لصحيفة "هآرتس"، إن أحد أصعب جوانب سوق العمل، هو ايجاد أماكن عمل للمتقدمين في السن، وبحسب معطيات مكتب الإحصاء المركزي فإن نسبة النساء المشاركات في سوق العمل، من عمر 25 عاما إلى عمر 44 عاما تبلغ 80%، ولكن هذه النسبة تهبط إلى 69% للنساء من 25 عاما حتى 55 عاما، وإلى نسبة 51% حتى عمر 60 عاما.
أما لدى الرجال، فإن نسبة المشاركة في العمل من عمر 25 عاما إلى 44 عاما تبلغ 90%، وحتى عمر 54 عاما تهبط النسبة إلى 80%، ومن عمر 60 عاما وما فوق تهبط النسبة إلى 71%. ووجد تقرير مكتب الإحصاء أن 50% من الرجال فوق عمر 65 عاما يواصلون عملهم، مقابل نسبة 28% بين النساء.
ويتخوف خبراء من أن رفع جيل التقاعد سيزيد من نسبة الفقر بين شريحة المتقدمين في العمر، إذ أن نسبتهم من بين الفقراء حاليا 28%، وهي أكثر من ضعفي نسبتهم من بين إجمالي السكان (5ر9%)، ولذا يطالب الخبراء والجهات الاجتماعية بضمان ظروف عمل لهذه الشريحة، قبل أي قرار يتخذ لرفع جيل التقاعد.
مؤسسة الضمان تنضم للطلب
وكان المدير العام لمؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية (مؤسسة التأمين الوطني) شلومو مور يوسيف قد حذر في الآونة الأخيرة من أن شكل توفير التقاعد المنتشر منذ ما يزيد عن عقد من الزمن، من شأنه أن يرفع نسبة الفقراء من بين المسنين بنسب هائلة جدا. إلا أن مور يوسيف دعا أيضا إلى رفع جيل التقاعد، وجعله 70 عاما للرجال والنساء، مدعيا أنه على ضوء ارتفاع معدل الأعمال فإن مؤسسته ستكون عاجزة عن دفع مخصصات الشيخوخة.
وقبل أكثر من عقد من الزمن جرى توسيع نطاق عمل صناديق التقاعد التراكمية، بمعنى أن المتقاعد حينما يصل إلى جيل التقاعد، أو قبل ذلك إن طلب، يحصل على ما تم توفيره في الصندوق، من دون ارتباط بحجم راتبه في السنة الأخيرة لتقاعده، ففي الماضي كان النمط السائد هو أن يتلقى المتقاعد 2% من راتبه عن كل سنة عمل، وبنسبة أقصاها 70% من راتبه في العام الأخير لعمله، وهذا مستمر طالما بقي على قيد الحياة، ثم شريكة/ شريك حياته يتقاضى 60% من ذلك الراتب التقاعدي.
لكن ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل بدأت قبل أكثر من 10 سنوات بتعويم أموال صناديق التقاعد في أسواق المال، وباتت مصدرا للقروض الضخمة لكبار الأثرياء بالشروط المسهلة، لتكون توفيرات الناس البسيطة عرضة للخسائر، في حين أن ما يطالها من أرباح يكون جزئيا، فيما تصب الأرباح الأكبر في جيوب كبار المستثمرين، وتكشفت في هذا المضمار قضايا فساد، أقرب إلى نهب أموال الجمهور الواسع، وإحدى هذه القضايا تدور الآن في المحاكم الإسرائيلية، إذ أن جزءا كبيرا من قيمة الصناديق وأرباحها يبقى رهنا بأرباح البورصات وأسواق المال، وفي سنوات الأزمات الاقتصادية غالبا ما تخسر هذه الصناديق نسبا جدية من قيمتها، هي خسائر مباشرة للمواطنين أصحاب التوفيرات.
وقال مور يوسيف إنه يجب تغيير الطريقة لضمان توفيرات العاملين، وأن تكون هناك ضمانات حكومية على الأقل لنسبة كبيرة من تلك التوفيرات، التي تضمن مردود حد أدنى لهم، وعدم ابقاء أموال التقاعد رهنا فقط بأرباح البورصات. كما دعا مور يوسيف إلى زيادة مخصصات الشيخوخة بما يزيد عن 250 دولارا للفرد، وفي المقابل رفع سن التقاعد للرجال والنساء إلى سن 70 عاما. وقال إن استمرار ارتفاع معدل الأعمار سيجعل مؤسسة الضمان الاجتماعي مستقبلا عاجزة عن دفع المخصصات.
وزارة المالية تطالب بإجراءات مالية
وأمام التوقعات بأن مخصصات الشيخوخة من شأنها أن تسجل ارتفاعا سنويا بنسبة 8ر3%، على مدى العقدين المقبلين، طالبت وزارة المالية برفع ميزانية مؤسسة الضمان الاجتماعي سنويا بنحو 650 مليون شيكل، وهو ما يعادل حاليا حوالي 172 مليون دولار، كإجراء استباقي لمنع خلق عجز في ميزانية المؤسسة، التي حسب تقرير بحثي سابق ظهر قبل شهرين فإن المؤسسة قد تجد نفسها أمام عجز من الصعب تسديده ذاتيا بعد أقل من 20 عاما، على ضوء ارتفاع معدل الأعمار.
وتقول معطيات وزارة المالية إن العجز العام في مؤسسة الضمان، سيرتفع في العام 2017 إلى 2ر6 مليار دولار، أي ما يعادل 65ر1 مليار دولار حاليا، مقابل عجز بحوالي 25% من هذا العجز كان في العام 2011، ما يعني أن العجز سيتضاعف 4 مرات في غضون ست سنوات. وكان العجز في العام الماضي قد بلغ 11ر1 مليار دولار.
وتقول توقعات وزارة المالية إن مخصصات الشيخوخة، التي تدفعها مؤسسة الضمان كمخصصات اجتماعية، بغض النظر عن الراتب التقاعدي سترتفع في العقدين المقبلين بنسبة 8ر3% سنويا، مقابل ارتفاع بنسبة 8ر1% في السنوات الأخيرة، وإن ميزانية مؤسسة الضمان الحالية ليست قادرة على سد العجز ذاتيا، ما يلزم الحكومة بزيادة ميزانية مؤسسة الضمان بنحو 650 مليون شيكل سنويا ابتداء من الآن.
وتقول الوزارة إن هذه الزيادة نابعة من ثلاثة عوامل: الزيادة السكانية، واستمرار ارتفاع معدل الأعمار، وكذلك المطالبات المستمرة برفع قيمة مخصصات الشيخوخة في العامين الأخيرين بفعل ضعف نسب التضخم المالي العامة رغم أن كلفة المعيشة في ارتفاع مستمر.
ويبلغ معدل الأعمار في إسرائيل حاليا 84 عاما للنساء، و81 عاما للرجال كمعدل عام، علما أن معدل أعمار النساء العربيات 82 عاما مقابل 77 عاما للرجال العرب.