سلّطت آخر المستجدات في إسرائيل الأضواء مرة أخرى على مجموعة اليهود الحريديم المتشددين دينياً، ما يحتّم علينا المرة تلو الأخرى العودة إلى بعض الأدبيات البحثية حولهم والتي من شأنها في الوقت ذاته أن توضّح الكثير من النقاط الدالة على المشهد السياسي الإسرائيلي الراهن، ولا بُدّ من القول بداية إن قسماً كبيراً من هذه الأدبيات سبق أن تعامل معها "مركز مدار"، سواء من حيث ترجمتها إلى العربية، أو من خلال استخدامها في كتابة مواده العديدة بما في ذلك مواد "المشهد الإسرائيلي".
يمكن القول إن الجوّ العام السائد في إسرائيل في إثر الانتهاء من عملية "درع وسهم" العسكرية (9- 13 أيار 2023)، التي شنها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة واستهدفت بحسب السردية الإسرائيلية حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، هو التباهي بتنفيذ عملية عسكرية ناجحة، تمكنت بواسطتها أيضاً من إشهار قدرات استخباراتية وعملانية باهرة، وهو ما تثبته حقيقة إلحاق ضرر كبير بالقيادة الميدانية للحركة المذكورة.
عاد مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" ليتصدّر التحليلات السياسية الإسرائيلية في ضوء آخر المستجدات الإقليمية التي تنبئ بحدوث ما تصفه إسرائيل بأنه انفراج، ولا سيما المصالحة السعودية الإيرانية، ومساعي عدد من الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع سورية وإعادة هذه الأخيرة إلى الجامعة العربية.
أنجز المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار وضمن سلسلة "أوراق إسرائيلية" كراسة جديدة بعنوان "الحرس القومي في إسرائيل: قراءة في الجذور، الأسس الفكرية والعلاقة مع اليمين الجديد"، من إعداد وترجمة الزميل وليد حبّاس، الباحث في المركز. ومن المتوقع أن تصدر بعد أيام معدودة. وفي ما يلي التقديم الذي كتبته لهذا الإصدار غير المسبوق بالعربية.
أثبتت معطيات جديدة نشرتها منظمة "يش دين" ("يوجد قانون") الإسرائيلية لحقوق الإنسان هذه الأيام أن فشل ما تصفه بأنه "جهاز تطبيق القانون الإسرائيلي" في الأراضي المحتلة منذ 1967 في القيام بواجبه في حماية الفلسطينيين من عنف المستوطنين يعتبر منهجياً، وأشارت إلى أنه في الوقت عينه فشل طويل الأمد، ما يؤكد أن هذه سياسة متعمدة لدولة إسرائيل التي تعمل على تطبيع العنف الأيديولوجي للمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وتدعمه بل وتستفيد من نتائجه.
رأينا أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن التي أبدى فيها امتعاضه من مضي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قدماً في خطة حكومته الرامية إلى إضعاف الجهاز القضائي، وردّ هذا الأخير بأن من يقرّر سياسات إسرائيل، بصفتها دولة مستقلة تماماً، هو حكوماتها المنتخبة من قبل الشعب وليس الضغوط الخارجية حتى ولو كانت من أقرب أصدقائها وأرفعهم قيمة على غرار الولايات المتحدة، شكلّا مناسبةً أخرى لإعادة النبش في جذور ما يوصف بأنه "علاقات خاصة" بين الدولتين وتقييم صيرورتها الراهنة.
الصفحة 9 من 44