حمل الأسبوع الفائت المزيد من الإشارات إلى أن قائمة الفجوات القائمة بين الإدارة الأميركية الحالية برئاسة جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو السادسة التي توصف بأنها يمينية كاملة، وواقعة تحت سطوة المستوطنين واليمين المتطرّف، تطول وتطول، وبعض هذه الفجوات يمكن القول بثقة معقولة إنه منطوٍ على دلالات قد تكون بعيدة المدى.
على سبيل المثال، لا نعرف إن كانت الإدارة الأميركية فعلاً بصدد إعادة تقييم علاقاتها الخاصة مع إسرائيل، كما كشف النقاب عن ذلك الصحافي في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان، نقلاً عن مصادر رفيعة المستوى في البيت الأبيض، لكن على الأرجح أن هذا الكشف مبنيّ على مزيج من الأدلة، والتفسير، والاستنتاج، ووقائع تلك العلاقات الخاصة حتى الآن.
ويلاحظ أن هذه الفجوات إلى جانب إغراء استخلاص دلالاتها، تسبّبا بتحليلات إسرائيلية يجدر التوقف عندها، تسعى لاستقراء طابع تلك العلاقات في الفترة الحالية.
وسنبدأ بالتحليل الذي كتبه أحد كبار الخبراء الإسرائيليين في الشؤون الأميركية، وهو البروفسور إيتان غلبواع، المحاضر في جامعة بار إيلان، والباحث الكبير في "معهد القدس للاستراتيجيا والأمن" (أحد معاهد الأبحاث اليمينية).
يؤكد غلبواع، من ضمن أمور أخرى، في سياق مقال كتبه في صحيفة "يسرائيل هيوم" (12/7/2023)، أنّ فرضية نتنياهو الذاهبة إلى أن الولايات المتحدة لن تذهب بعيداً في ضغطها على إسرائيل، بسبب الانتخابات الرئاسية القريبة في الولايات المتحدة التي ستجري في العام 2024، تشفّ عن تقدير مغلوط، وهو يشير إلى أنّ يهود الولايات المتحدة يتحفظون على سياسة الحكومة الإسرائيلية، سواء في المواضيع المتعلقة بالانقضاض على الجهاز القضائي، أو في المواضيع المرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبرأيه هم الذين يضغطون على إدارة بايدن لاتخاذ مواقف واضحة أكثر تجاه إسرائيل. كما يؤكد أن الولايات المتحدة مهتمة بما يصفه بـ"الخلاف" بين أطياف الائتلاف الحكوميّ أكثر من الخلاف بين الائتلاف والمعارضة. "فقد وعدها نتنياهو بأن يقبض على الدفة، ويتحكم بالأمور. لكن في نظرها فإن الجهات المتطرفة أكثر في الائتلاف، والتي يمثلها الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، هي التي تملي الخطوات، لذا فهي تضغط عليه كي يتصدّى لهذه الجهات، ويخفّف من حدّة تطرّف سياسة الحكومة، سواء في الأمور القضائية أو في أمور الصراع مع الفلسطينيين"، وينعكس تطرّف سياسة الحكومة حيال الصراع المذكور في مشاريع الاستيطان الشاطّة، وعنف المستوطنين وغيرهما.
وبطبيعة الحال تطرّق غلبواع إلى مقال توماس فريدمان المذكور أعلاه، فرأى أنه يعبّر عن موقف متطرّف للإدارة الأميركية تجاه نتنياهو، لكن بتقديره هو يضخّم بقدر ما النقد كونه يستخدم عبارة "إعادة تقييم" التي تعني مسّاً بتوريد السلاح الأميركي إلى إسرائيل، مثلما كانت عليه الحال في العام 1975.
وفقاً لغلبواع، في هذه المرحلة من شأن الاستياء الأميركي أن يجد تعبيراً أقل في العلاقات العسكرية والأمنية وأكثر في المجالات السياسية، وبالأساس في مجال الدفاع عن إسرائيل في المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة ووكالاتها. ويخلص إلى القول إن كل المواقف الأميركية الأخيرة تشكل إشارات إلى نتنياهو بأن عليه أن يغيّر سياسته وإلا فإن الأزمة سوف تحتدّ أكثر فأكثر.
من غلبواع سننتقل إلى ما نشرته الكاتبة الصحافية ليلاك سيغان من صحيفة "معاريف"، التي تتابع منذ أكثر من عام ونصف عام شكل التغطية التي تحظى بها إسرائيل وسياستها وممارساتها إزاء الفلسطينيين والإقليم في صفحات صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، كي تخلص منها إلى استنتاجات تتعلق بقائمة الفجوات بين إسرائيل والولايات المتحدة التي وصفناها بأنها تطول وتطول.
تقول سيغان في سياق آخر مقال نشرته في صحيفة "معاريف" (14/7/2023): إذا كنا راغبين بأن نوجز في جملة واحدة النتيجة التي ينبغي استخلاصها من مقارنة عملية تغطية إسرائيل على صفحات صحيفة "نيويورك تايمز"، خلال النصف الأول من العام 2023، بعملية تغطيتها في النصف الأول من العام 2022، فإن هذه الجملة ستكون على النحو التالي: حكومة اليمين الكامل سيئة جداً للدعاية الإسرائيلية.
وتضيف: ربما يجدر بنا أن نستبدل كلمة دعاية بتعبير الدبلوماسية العامة. وعندها لا بُد من القول إن الدبلوماسية العامة هي مسألة مصيرية لأن وسائل الإعلام تؤثر في الرأي العام، والرأي العام هو الذي ينتخب المندوبين في الكونغرس ومجلس النواب، ويقرّر هؤلاء المندوبون فيما إذا كان يتعيّن على الولايات المتحدة أن تستمر في دعم إسرائيل سياسياً من خلال منحها غطاء من الشرعية الدولية، والأهم من ذلك دعمها أمنيّاً. وعندما تكون الدبلوماسية العامة من جانب إسرائيل سيئة، ستتراجع الشرعية الدولية التي تحظى بها لا سيما في ما يتعلّق بعملياتها الأمنية والعسكرية. كما أن ذلك يؤثر في قدرة إسرائيل على التأثير في العالم إزاء قضايا مهمة وتعتبرها مصيرية على غرار المشروع النووي الإيراني.
وبموجب متابعة سيغان، في الربع الأول من العام 2023 كانت تغطية إسرائيل في صفحات "نيويورك تايمز" هي الأسوأ، وبلغت الذروة في شهر آذار الفائت الذي نشر فيه 82 تقريراً وتعليقاً حول إسرائيل اتسم 66 بالمئة منها بموقف سلبي حيالها.
وإجمالاً نُشر في "نيويورك تايمز" خلال الربع الأول من العام الحالي 148 تقريراً وتعليقاً حول إسرائيل، اتسمت 67 بالمئة منها بأنها سلبية، وفقط 4.7 بالمئة منها بأنها إيجابية، والبقية (28.3 بالمئة) اتسمت بأنها حيادية. أما في الربع الثاني من العام 2023، والذي تمّ فيه تعليق تشريعات ما يعرف باسم "خطة الإصلاح القضائي" وبدأت المحادثات بين الائتلاف والمعارضة في مقر رئاسة الدولة الإسرائيلية في القدس، فقد انخفض النشر حول إسرائيل إلى 89 تقريراً وتعليقاً، اتسمت 57 بالمئة منها بأنها سلبية، و8 بالمئة بأنها إيجابية، والبقية (35 بالمئة) اتسمت بأنها حياديّة.
ولدى المقارنة مع النصف الأول من العام 2022 يمكن ملاحظة أن نسبة "التغطية السلبية" لإسرائيل ارتفعت خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 75 بالمئة، في المقابل انخفضت "التغطية الإيجابيّة" في الفترة نفسها بنسبة 40 بالمئة.
لا شكّ في أن مثل هذه التحليلات التي تتناول حاضر العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في ظل وجود حكومة إسرائيلية تعتبر الأكثر تطرفاً قومياً ودينياً، تنطوي على ضرب من التحدّي بالنسبة لمتابع مثلنا يتوخّى تصنيفها فكريّاً سعياً لبناء قراءة ملائمة. وهنا لا بُدّ من أن ننوّه بأن كلّ تحليل سياسيّ يتضمن من المكوّنات والخصائص ما يكون له دور حاسم ليس فقط في وصف الوقائع وتمييزها واستقرائها، وإنما أيضاً في تحديد طبيعة القراءة التي يتوخاها الكاتب. ومع ذلك فإن هذه التحليلات لا تكفّ عن توليد أسئلة إشكالية، وتعرض زوايا يجدر بنا التطرّق إليها وإن بأسلوب يكتفي بنقل الوقائع حرفيّاً انتظاراً لما قد تكشف عنه أو تفضي إليه التطوّرات المقبلة.