المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في الوقت الذي دافع فيه المقربون من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن عملية "درع الشمال" العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي منذ نحو أسبوعين ضد الأنفاق الهجومية لمنظمة حزب الله، أبدت أصوات من المعارضة دهشتها من توقيت هذه العملية، وتساءلت فيما إذا كان الهدف الرئيسي منها هو توفير درع لرئيس الحكومة لحمايته من الانتقادات الموجهة إليه على خلفية تراجعه أمام حركة "حماس" في قطاع غزة؟، وبالتزامن مع نشر توصيات جديدة للشرطة بمقاضاته في قضايا فساد.

وقال اللواء احتياط يعقوب عميدرور، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، في نهاية الأسبوع الفائت، إن عملية "درع الشمال" تحققت بفضل إنجاز تكنولوجي جنباً إلى جنب مع جمع معلومات استخباراتية تفصيلية، جرى بواسطتها حلّ لغز الأنفاق على مهل، وبعد أن عرضت الجهات العسكرية خطة فُهم منها أنها إذا نُفذت كما يجب ستحقق النتيجة المنتظرة. وكان الهدف اقتلاع "المكون الإضافي" الذي بناه حزب الله استعداداً لقتال ضد إسرائيل، وكان من المفترض أن يشكل مفاجأة كبيرة في الحرب، وهو قدرة الهجوم على الجبهة الخلفية لقوات الجيش الإسرائيلي.

وبرأي عميدرور فإن نية حزب الله كانت مزدوجة: السيطرة على مناطق مشرفة لإثارة فوضى كبيرة داخل أراضي إسرائيل - كي تضطر قوات الجيش الإسرائيلي التي تقاتل في مواجهة المنظومات المعقدة التي بناها حزب الله إلى التوجه إلى الخلف. وما لا يقل أهمية بالنسبة إلى الحزب السيطرة على مستوطنة وخطف أكبر عدد ممكن من المواطنين. هكذا في نهاية القتال سيبقى الفشل مخيماً فترة طويلة، لأن مفاوضات إطلاق المخطوفين ستستغرق وقتاً طويلاً وستجعل إسرائيل تركع.

وأكد أن العملية التي تجري في الشمال ستزيل هذا الخطر. وسيضطر حزب الله إلى دراسة خطواته من دون خدعة يخرجها من جعبته. ومع أن الصواريخ الكثيرة (بعضها دقيق) ما تزال تشكل التهديد المركزي من ناحيته، وقدرته على الدفاع عن الجنوب اللبناني لم تتضاءل، لكن من دون الورقة الرابحة التي كان من المفترض أن تكون مفتاحاً لتحقيق نجاح على مستوى مختلف، فإن حزب الله هو في وضع أدنى بكثير. وبذلك ازداد احتمال أن يصبح أكثر حذراً، وتقلّص احتمال نشوب حرب بمبادرة منه في المستقبل القريب.

وأشار إلى أن عملية "درع الشمال" تطرح أسئلة معقدة تتعلق بمبادرة إسرائيل واستعدادها لخوض "حرب وقائية" لمواجهة الخطر الجاري بناؤه أمام أعينها. ورأى أنه في المجال النووي كانت هناك وجهة نظر معروفة في إسرائيل مسماة "عقيدة بيغن"، وهي التي استخدمها رئيس الحكومة السابق مناحيم بيغن في هجومه على المفاعل النووي في العراق. كما استخدم رئيس الحكومة إيهود أولمرت وجهة النظر هذه (2007) عندما قرر مهاجمة المفاعل في سورية. وفي مواجهة قوة تقليدية خاضت إسرائيل مرة واحدة "حرباً وقائية" هي عملية قادش (1956) التي بادر إليها رئيس الأركان موشيه دايان قبل أن تتخطى قوة الجيش المصري قدرات الجيش الإسرائيلي. وهذه المعركة الناجحة منحت إسرائيل 11 عاماً من الهدوء النسبي، في فترة صعبة ركزت فيها الدولة جهودها على استيعاب الهجرة الكبرى التي وصلت قبل العملية، وفي بناء بنيتها التحتية الاقتصادية والعسكرية.

ولفت عميدرور إلى أن إسرائيل سمحت لحزب الله بأن يتعاظم إلى ما لا نهاية، وأن يحصل على أفضل الصواريخ من إنتاج إيران وسورية، وحتى من إنتاج روسيا، ونشرها. ومع أن إسرائيل تحدثت بصوت عال جداً بعد الانسحاب الأحادي الجانب من لبنان (أيار 2000) وبعد حرب لبنان الثانية في 2006، لكنها لم تفعل شيئاً لوقف تسلّح حزب الله في لبنان. وفقط عندما نقلت سورية وإيران تحت غطاء فوضى الحرب الداخلية في سورية، التي بدأت في 2011، سلاحاً متطوراً إلى التنظيم الإرهابي، قررت إسرائيل منع ذلك بالقوة، لكن سياسة عدم التدخل في لبنان استمرت.

وختم هذا المسؤول العسكري السابق: هل هذه العملية التي تتركز في مراحلها الأولى داخل أراضي إسرائيل، يمكن أن تؤدي إلى تدهور عابر للحدود؟ بالتأكيد، سواء عن قصد أو عن طريق الخطأ. لكن أيضاً حتى لو بقيت الأعمال داخل أراضي إسرائيل، إذا استمرت العملية وألحقت ضرراً بأرصدة كبيرة تابعة للحزب، وبكرامة الحزب، فإنها يمكن أن تؤدي إلى رد عنيف من جانبه. صحيح أن احتمالات ذلك ليست كبيرة حتى الآن، لكن هذا يجب أن يشكل فرضية عمل الجيش الإسرائيلي وأن يحدد درجة جهوزيته. ويطرح هذا الوضع السؤال التالي: إلى أي مدى الجيش مستعد لأن يذهب للمسّ بقدرة حزب الله، وهل "هجوم وقائي"، أي عملية كبيرة في لبنان، يمكن أن تُطرح على جدول الأعمال بعد نجاح تحييد الأنفاق؟.

ورأى المقدّم مئير إيندور أن ما أسماه "هروب إسرائيل من جنوب لبنان" هو الذي خلق تهديداً استراتيجياً متواصلاً برعاية إيرانية في الجبهة الشمالية.

وكتب إيندور أمس: صدق معارضو الانسحاب من لبنان حين حذروا من أن الفراغ الذي سيخلّفه الجيش الإسرائيلي وراءه هناك سرعان ما سيمتلئ بقوات حزب الله. لكن حتى هؤلاء لم يكونوا يتوقعون هذه الكميات الهائلة من الصواريخ طويلة المدى والقذائف قصيرة المدى التي ستملأ كل منطقة "الحزام الأمني". فقد أصبح هذا الحزام منطقة تجميع وانتظام وانطلاق بالنسبة لمخرّبي حزب الله، كمبعوثين للإيرانيين، في طريقهم إلى "احتلال تل أبيب"، على حد تعبيرهم، وشمال الجليل. ولم يتوقع هؤلاء، بالتأكيد، هذه الأنفاق الذكية التي أعدّت لنقل قوات الكوماندوز التابعة لحزب الله إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. وحتى عندما انكب إيهود باراك ويوسي بيلين، مهندسا الانسحاب من جنوب لبنان، على التخطيط له، لم يتوقع حتى المعارضون لهما أن يضع حزب الله خططا لاحتلال أجزاء من إسرائيل. وأقصى ما كان في تقديرات هؤلاء هو استئناف عمليات القصف على مدينة كريات شمونه ومنطقة شمال الجليل.

وبرأيه فإن إسرائيل على عتبة مرحلة أخرى، وعليها أن تفهم أنها بحاجة ماسة إلى "أحزمة أمنية" ثابتة ودائمة عند حدودها المرشحة للانفجار على الدوام. وشدّد على أنه "بدلاً من تحصين أنفسنا بجدران من الإسمنت، تحت الأرض وفوقها، ينبغي علينا العودة إلى سياسة السيطرة على حزام أمني في الشمال، كي نطرد من هناك عشرات آلاف منصات إطلاق الصواريخ التي تهدد شمال إسرائيل ووسطها".

أحزاب المعارضة: درع واق لنتنياهو!

مع أن أحزاب المعارضة الإسرائيلية أعربت عن تأييدها لعملية "درع الشمال" العسكرية إلا إنه سُمعت بينها أصوات أبدت دهشتها من توقيت هذه العملية، وتساءلت فيما إذا كان الهدف الرئيسي منها هو توفير درع لرئيس الحكومة نتنياهو لحمايته من الانتقادات الموجهة إليه على خلفية تراجعه أمام حركة "حماس" في قطاع غزة؟.

كما يواجه نتنياهو مشكلات قانونية، إذ أوصت الشرطة بتوجيه تهم فساد له ولزوجته سارة. ويؤكد البعض أنه اختار تدمير الأنفاق الآن لصرف الأنظار عن هذه التهم أيضاً.

واتهمت زعيمة المعارضة الإسرائيلية عضو الكنيست تسيبي ليفني ("المعسكر الصهيوني") رئيس الحكومة بالتهويل في قضية اكتشاف الأنفاق. وقالت إنها في حين تثمّن اكتشاف الجيش الأنفاق وتدميرها، فإنه يجب إبقاء العملية ضمن حجمها الحقيقي.

وقالت "نحن لسنا في وضع يتواجد فيه جنودنا خلف خطوط العدو. نحن نتحدث عن نشاط هندسي على أرض ضمن سيادة دولة إسرائيل"، واتهمت نتنياهو بتضخيم حجم حدث يتصل بالهندسة الدفاعية إلى عملية عسكرية دراماتيكية، وأكدت أن ذلك تم لسببين: إما أن رئيس الحكومة يشعر بالهلع، أو أنه يريد أن ينشر الذعر لتبرير تصرفاته، أي تأخير الانتخابات، والتخلي عن سكان جنوب إسرائيل.

ووجه رئيس كتلة "المعسكر الصهيوني" البرلمانية عضو الكنيست يوئيل حسون رسالة إلى رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية عضو الكنيست آفي ديختر (الليكود) كتب فيها: "إن المعارضة تطلب أجوبة، هل هذه عملية درع الشمال أم عملية درع واق لنتنياهو؟". وأضاف حسون: "هل توقيت هذه العملية أتى من قبيل المصادفة، أم أنه توقيت مشبوه يهدف إلى صرف الأنظار عن الملف 4000 من أجل تعزيز صورة نتنياهو بصفته حامي حمى أمن إسرائيل وسكانها؟".

وقال رئيس كتلة "يوجد مستقبل" البرلمانية عضو الكنيست عوفر شيلح إن نتنياهو يحاول أن يزرع الخوف في أوساط الرأي العام الإسرائيلي كي يصرف الأنظار عن شبهات الفساد التي تحوم حول رئيس الحكومة.

وأكد عضو الكنيست عومر بار- ليف ("المعسكر الصهيوني")، رئيس اللجنة البرلمانية الفرعية لشؤون جهوزية الجيش الإسرائيلي للحرب، أن عملية "درع الشمال" مهمة للغاية، لكنه في الوقت عينه أشار إلى أنها تشكل بالنسبة إلى نتنياهو حجة لتبرير تراجعه أمام حركة "حماس" قبل عدة أسابيع.

أما عضو الكنيست حاييم يلين ("يوجد مستقبل")، الذي أشغل في السابق منصب رئيس المجلس الإقليمي أشكول المحاذي لقطاع غزة، فقال إنه لا يجوز إطلاق اسم عملية عسكرية على "درع الشمال"، غير أن إطلاق مثل هذا الاسم عليها جاء للتغطية على تلكؤ الحكومة في القيام بأي عملية عسكرية ردّاً على إطلاق 1000 صاروخ من القطاع باتجاه الأراضي الإسرائيلية.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات