المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تبين في الأيام الأخيرة أن الرئيس السابق لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس (59 عاما) قد شرع في بلورة حزبه الجديد، الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام كثيرا في السنة الأخيرة، وحتى أنه بات لاعبا افتراضيا في غالبية الاستطلاعات التي ظهرت في الأشهر الأخيرة، وتبين أن حزبه قد يكون القوة الثانية في الكنيست بعد الليكود. لكن بين هذه الاستطلاعات الافتراضية والواقع الذي سيكون في فجر اليوم التالي للانتخابات، ثمة بون شاسع، حسبما علّمت التجربة. كما أن بريق الجنرالات في الشارع الإسرائيلي لم يعد كما كان في سنوات خلت، حينما كان يدخل إلى الحلبة السياسية جنرالات قادوا حروبا استراتيجية وتوسعية. وقد عرفت الانتخابات في العقود الثلاثة الماضية عدة قوائم انتخابية قادها جنرالات، لكن قوتها لم تكن كما تم التوقع لها من قبل.

وقد كشف النقاب، في الأيام الأخيرة، عن أن رئيس الأركان السابق بيني غانتس استكمل تعبئة النماذج وضمان الوثائق المطلوبة، لتقديمها إلى مسجل الأحزاب؛ والإعلان تاليا عن حزب جديد؛ وبحسب ما أوردته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، فإن غانتس عمل بهدوء وبعيدا عن الأضواء، على جمع 130 شخصا كمؤسسين للحزب الجديد، من دون تحديد اسمه بعد. لكن من الناحية الرسمية، فهو ما يزال ليس حزبا، إلا حين يقدم الأوراق رسميا إلى مسجل الأحزاب، ويحصل على موافقته القانونية.

ومنذ قرابة عام بدأ الحديث عن انخراط غانتس في الحلبة السياسية، وعن أنه سيخوض الانتخابات بهذا الشكل أو ذاك. وتحدثت الفرضيات أن غانتس سيخوض الانتخابات بقائمة مستقلة، أو يترأس تحالف "المعسكر الصهيوني"، الذي يضم حزب العمل وحزب "الحركة" الذي تتزعمه تسيبي ليفني. وقد منحت استطلاعات الرأي حزب غانتس ما بين 12 إلى 17 مقعدا، من أصل 120 مقعدا، بحسب استطلاعات مختلفة. في حين قالت استطلاعات أخرى إنه إذا ما ترأس غانتس تحالف "المعسكر الصهيوني" فإنه سيبقيه على قوته الحالية 24 مقعدا، إذ أن كل الاستطلاعات تشير إلى أن هذا التحالف سيخسر حتى نصف مقاعده الحالية، في حال خاض الانتخابات بذات التركيبة الحزبية الحالية. إلا أن التجربة علمت أن القوة الحقيقية لأحزاب جديدة لا يمكن معرفتها، إلا حين تتكشف تركيبتها الكلية، وقائمة مرشحيها للانتخابات.

بريق الجنرالات

في كل واحدة من الانتخابات البرلمانية التي جرت في العقود الثلاثة الأخيرة على وجه الخصوص، كنا نشهد نجما انتخابيا يقود قائمة انتخابية تدخل البرلمان لدورة أو اثنتين ولربما أكثر، قبل أن تختفي عن الحلبة السياسية. وهذه قوائم تجرف أساسا من الأصوات العائمة، التي لا تجد لها عناوين سياسية من بين الأطر القديمة تلائم توجهاتها، أو أنها يئست من الأحزاب القائمة.

واليأس ينتشر أساسا لدى الجمهور الذي يصوت عادة لأحزاب ما يسمى "اليسار الصهيوني"، بحسب المفاهيم الصهيونية الإسرائيلية "لليسار"، الذي يدرج فيه حزب العمل وحزب ميرتس. لكن في حال شارك غانتس في الانتخابات المقبلة، فإنه سيكون في مسار من سبقه من جنرالات جدد، قرروا اختبار قوتهم السياسية.

وعلى مدى السنين سعت الأحزاب الكبرى لتعزيز قائمتها الانتخابية البرلمانية بجنرالات وضباط كبار بارزين سابقين في الجيش، من باب جلب أصوات أكثر. ولكون حزب مباي، ولاحقا حزب العمل، انفرد تقريبا في الحكم في السنوات الـ 29 الأولى، فإنه كان طيلة تلك السنوات وفي العقدين التاليين العنوان الأفضل للجنرالات، الذين يقررون خوض السياسة، فور خلع بزاتهم العسكرية، ولربما أبرزهم رئيس الأركان يتسحاق رابين، ولاحقا إيهود باراك، كمن توليا أيضا رئاسة الحزب.

وكان غيرهما العشرات من ذوي الرتب العسكرية الأعلى وجدوا لهم مقاعد برلمانية من خلال قائمة حزب العمل، الذي أطلق عليه في مرحلة ما "حزب الجنرالات". لكن ليس هذا الحزب وحده، بل أيضا الحزب المنافس الليكود، لجأ اليه جنرالات كبار، لربما أبرزهم أريئيل شارون.

كذلك رأينا جنرالات ورؤساء هيئة أركان اختاروا تشكيل قوائم وأحزاب خاصة بهم، مثل موشيه دايان، ويغئال يادين، ورفائيل إيتان. وفي العامين الأخيرين سمعنا أيضا أن رئيس هيئة الأركان الأسبق، الذي خلعه بنيامين نتنياهو في العام 2016 عن حقيبة الدفاع، موشيه يعلون، أعلن عزمه على خوض الانتخابات بقائمة مستقلة. وعلى مدى أشهر طويلة بعد خروجه من الوزارة في منتصف العام 2016، منحته استطلاعات الرأي ما بين 6 إلى 12 مقعدا، حتى اختفى في الأشهر الأخيرة عن هذه الاستطلاعات.

وبالإمكان القول إنه كان للجنرالات بريق خاص في الشارع الإسرائيلي، وفي حال دخلوا الحلبة السياسية كانت لهم مكانة خاصة. لكن كل هذا البريق والمكانة تراجعا بشكل كبير في العقدين الأخيرين. ولربما أن آخر الجنرالات الذين حظوا بهالة خاصة كان رئيس الأركان الأسبق ولاحقا رئيس الوزراء إيهود باراك، الذي بُعيْد خلعه البزة العسكرية في منتصف سنوات التسعين، تم انتخابه رئيسا لحزب العمل في العام 1997، وبعد ذلك بعام ونصف العام قاد حزبه لانتصار والعودة إلى الحكم، وهي عودة لم تدم أكثر من 20 شهرا.

وهناك سلسلة من العوامل، التي يمكن القول إنها ساهمت في خلق الهالة للجنرالات، وأبرزها أن هؤلاء شاركوا في الحروب الاستراتيجية الأولى لإسرائيل، الحروب التوسعية. وتُضاف لهذا مسألة عسكرة المجتمع الإسرائيلي، المستمرة كأجواء عامة. لكن لم نعد نرى أمثال أولئك الجنرالات، وهذا تشهد عليه السنوات العشرون الأخيرة، إذ لم ينضم أي من الجنرالات، أو من رؤساء أجهزة المخابرات، ولم يحتل أية مكانة في أي من الحكومات الأخيرة.

ونذكر من هؤلاء رئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" آفي ديختر، الذي تنقل بين حزبي
كديما" والليكود، وسلفه يعقوب بيري، الذي دخل الكنيست ضمن حزب "يوجد مستقبل"، واستقال من الكنيست قبل أقل من عام. وحتى موشيه يعلون، الذي دخل الكنيست في العام 2013، لم يحظ مباشرة بحقيبة رفيعة، كما كانت حال ديختر وبيري، بل حصل لمدة عام واحد في الولاية البرلمانية الحالية على حقيبة الدفاع، حتى أطاح به نتنياهو لسلسلة خلافات شخصية.

وحينما غادر يعلون حكومة نتنياهو غاضبا أعلن عزمه، كما ذكر، على خوض الانتخابات البرلمانية بقائمة مستقلة، ومنحته استطلاعات الرأي ما بين 6 إلى 12 مقعدا، وهذا لم يكن من باب نجومية زائدة لشخص يعلون، وإنما كردة فعل في استطلاعات الرأي متأثرة من الضجة الإعلامية التي رافقت خروجه من الحكومة. أما اليوم فلا يوجد ذكر ليعلون في الاستطلاعات.

اليوم تتحدث الاستطلاعات، كما ذكر، عن احتمال أن تحصل قائمة مستقلة يقودها بيني غانتس على مثل هذه القوة، إلا أنه لا يوجد ما يضمن أن هذه القوة يحصل عليها بفعل مكانته العسكرية، فهو لم يكن نجما خاصا في الجيش، وأيضا حينما تولى رئاسة الأركان. كذلك فإن غانتس لم يكشف بعد عن أجندته السياسية، إلا أنه على الأغلب سيكون في اتجاه اليمين التقليدي مع ضوابط، كما أنه من دعاة الحل مع الجانب الفلسطيني، وإقامة كيان مستقل لهم، لكن ليس واضحا بأي مضمون، حتى الآن. وبحسب تقديرات، فإن غانتس سيسعى لإبعاد ذاته عن اليمين الاستيطاني المتطرف، الذي يقوده شخص بنيامين نتنياهو، كرئيس لحزب الليكود.

النتيجة الحقيقية ما تزال بعيدة

علمت التجربة أنه من السابق لأوانه تحديد قوة حزب بيني غانتس الذي سيخوض الانتخابات. ففي العام 1999، مثلا، تحالف عدد من الجنرالات البارزين حتى تلك الفترة، وشكلوا حزب "المركز"، ومن شخصياته البارزة نائب رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع الأسبق إسحاق مردخاي، ورئيس الأركان الأسبق أمنون ليبكين- شاحك، ومعهما شخصيات سياسية بارزة ذات وزن من بينها دان مريدور، وكانت التقديرات تتحدث عن احتلال هذا الحزب المركز الثالث من بين الأحزاب، لكن في نهاية المطاف حصل على 7 مقاعد، وانحل الحزب في الانتخابات البرلمانية التالية في العام 2003.

ونضيف إلى هذا أنه على خانة الأصوات العائمة ستتنافس في الانتخابات المقبلة قائمة أخرى، تترأسها النائبة المنشقة عن حزب "إسرائيل بيتنا" أورلي ليفي- أبكسيس، وتتنبأ لها الاستطلاعات، حتى الآن، الحصول بالمعدل على 6 مقاعد. كما أنه ليس واضحا القرار الأخير الذي سيتخذه يعلون، برغم ضعف فرصه للدخول إلى الكنيست، وفق ما ترويه استطلاعات الرأي.

بالمجمل، من الممكن القول إن غانتس مهما كانت نتيجته، ووفق كل استطلاعات الرأي، لن يحقق تحولا في موازين القوى، وإنما سيزيد من شرذمة التركيبة البرلمانية، ويجعلها أكثر تعقيدا. فالاستطلاعات كلها تظهر أن حزب الليكود سيحافظ تقريبا على قوته الحالية المؤلفة من 30 مقعدا، وأن الحزب التالي من بعده قد لا يصل إلى حاجز 18 مقعدا. وهذا يقول إن نتنياهو، وفي حال بقي على رأس حزبه، سيشكل الحكومة المقبلة، وقد يضطر إلى إشراك عدد أكبر من الأحزاب، مما هو قائم اليوم. وكلما كثر عدد الكتل البرلمانية التي تشكل الحكومة زادت تعقيداتها وخلافاتها الداخلية وتأججت أزماتها.

وبالنسبة إلى نتنياهو، يُشار إلى أنه للمرّة الثانية في حياته السياسية يقود حكومة صمدت لمدة أربع سنوات. وفي العقود الثلاثة الأخيرة كانت هناك ثلاث حكومات كهذه، اثنتان برئاسة نتنياهو، وقبلهما حكومة إسحاق رابين، التي تمم عامها الرابع شمعون بيريس بعد الاغتيال. وبموجب ما نشر، في شهر تموز المقبل، إذا ما بقي نتنياهو رئيسا للحكومة، يكون قد سجل الفترة الأطوال كرئيس حكومة، من بين كل رؤساء حكومات إسرائيل، وبضمنهم دافيد بن غوريون.

لكن الانطباع السائد هو أنه حتى لو ترأس نتنياهو الحكومة المقبلة بعد الانتخابات، فإن نهايته السياسية باتت قريبة، على ضوء سلسلة قضايا الفساد التي تلاحقه، لكن ما هو ليس أقل أهمية أن حلقة المعارضين لنتنياهو في حزبه ومعسكر اليمين الاستيطاني باتت أكبر من ذي قبل.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات