تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 29
  • المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)
  • تصفح الملف

مقدمة

يمثل إسقاط نظام الأسد فصلًا جديدًا في تاريخ سورية ويخلط الأوراق الجيواستراتيجية من جديد، ويرى محلّلون إسرائيليون أن التحولات الجديدة تحمل لإسرائيل مجموعة من الفرص والتحديات الأمنية والاستراتيجية، وتفتح الباب أمام إعادة تشكيل الاصطفافات الإقليمية في الشرق الأوسط. 

في هذه الورقة استعراض للقراءات الإسرائيلية للتحولات في سورية ورؤيتها الاستراتيجية لها. تنقسم الورقة إلى قسمين: 

يستعرض القسم الأول الممارسات الإسرائيلية تجاه سورية بعد 8 كانون الأول 2024، والتي شملت 1) تدمير القدرات الاستراتيجية للجيش العربي السوري، و2) إنهاء اتفاقية فضّ الاشتباك مع النظام السوري والموقعة عام 1974، و3) احتلال ما يقارب 440 كم² من الأراضي السورية، أي ما يعادل ضعف المنطقة العازلة (buffer zone). 

ويقدّم القسم الثاني استعراضًا للقراءات والنقاشات الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية حول مستقبل سورية، ويهدف إلى إلقاء الضوء على طبيعة التوجهات الإسرائيلية طويلة الأمد وكيفية تعاطيها مع التحولات في سورية مع التركيز على ما تراه من فرص وتحديات من منظور الأمن القومي الإسرائيلي.

القسم الأول: تحولات الموقف الإسرائيلي من سورية خلال الحرب 

نشر عميت يغور، ضابط استخبارات إسرائيلي متقاعد ومحلل عسكري استراتيجي، مقالًا تناول فيه الرؤية الأمنية الإسرائيلية تجاه نظام الأسد، وذلك قبيل اغتيال حسن نصر الله. يعكس توقيت المقال، الذي نُشر في آب 2024، التحولات في الرؤية الإسرائيلية تجاه سورية خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي امتدت لتشمل "محور المقاومة" (إيران-العراق-سورية-لبنان). اعتبر يغور أن سورية تمثل حلقة أساسية في هذا المحور باعتبارها قاعدة مركزية لنفوذ إيران وحزب الله في المنطقة. وأكد أن التعامل مع سورية لم يعد خيارًا، بل بات ضرورة لإعادة تشكيل الواقع في الجبهة الشمالية، ودعا إلى تقويض نظام الأسد، وإخراج سورية من "المحور".[1]

تاريخيًا، يمكن وصف العلاقة بين إسرائيل ونظام الأسد قبل 7 أكتوبر 2023 بأنها علاقة مستقرة دون صراع مباشر، رغم العداء التاريخي بسبب الصراع العربي-الإسرائيلي، خاصة في ما يتعلق بالجولان المحتل. منذ حرب 1973 وتوقيع اتفاق فصل القوات عام 1974، حافظ الطرفان على "هدوء غير معلن" على الحدود. عكَس هذا الاستقرار النسبي نوعًا من "التفاهم الضمني"، حيث تجنبت إسرائيل ونظام الأسد التصعيد المباشر، بينما استمرت المواجهة بينهما عبر أطراف وسيطة كإيران وحزب الله.

إلا أن تطورات الحرب منذ 7 أكتوبر 2023 دفعت إسرائيل إلى الانتقال من مبدأ "ردع" محور إيران-العراق-سورية-حزب الله مع مراقبة قدراته، إلى مبدأ "تفكيك" هذا المحور عبر "تدخلات جراحية" اعتمدت على قدراتها العسكرية والاستخباراتية. بدأت هذه الاستراتيجية باغتيال حسن نصر الله، ثم توجيه ضربات موجعة لحزب الله، وصولًا إلى اتفاق وقف إطلاق نار بتاريخ 27 تشرين الثاني 2024 سمح لإسرائيل باستمرار التواجد في المناطق التي احتلتها في جنوب لبنان لمدة 60 يومًا (حسب الاتفاق). تخلل هذه الفترة المفصلية في علاقة إسرائيل بـ "محور المقاومة"، أو ما يسمى أحيانًا بـ "الهلال الشيعي" (إيران-الحشد الشعبي العراقي-النظام السوري-حزب الله) هجوم إسرائيلي على إيران في 26 أكتوبر 2024، مما أسفر عن تدمير أنظمة الدفاع الجوي ومرافق عسكرية، بما في ذلك مواقع لإنتاج الصواريخ والطائرات المسيّرة. 

على خلفية هذه التطورات التي عكست تفوق إسرائيل أمام المحور، شنت هيئة تحرير الشام في سورية هجومًا واسعًا، ومفاجئًا، انتهى بالإطاحة بنظام الأسد في 8 كانون الأول 2024. ترى إسرائيل أن انهيار نظام الأسد يمثل تحولًا استراتيجيًا يخرج سورية من المحور مما يعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية. 

وعليه، قامت إسرائيل بثلاثة تدخلات: 

1.    تدمير الجيش العربي السوري

في الفترة بين 8-9 كانون الأول 2024، شنّت إسرائيل هجومًا عسكريًا غير مسبوق في نطاقه في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي لتدمير القدرات العسكرية للجيش العربي السوري. نفذت القوات الجوية الإسرائيلية أكثر من 320 غارة باستخدام 350 طائرة حربية، استهدفت مواقع عسكرية رئيسة في دمشق، طرطوس، ميناء اللاذقية، إضافة إلى حمص، الرقة، والحسكة. أسفرت هذه الهجمات عن تدمير ما يقدر بحوالى 80% من القدرات العسكرية الاستراتيجية السورية، بما في ذلك الطائرات، أنظمة الدفاع الجوي، السفن الحربية، ومخازن الأسلحة الاستراتيجية، فضلًا عن تدمير مركز أبحاث علمية في دمشق.

يمثل تدمير قدرات الجيش العربي السوري وانهيار حزب البعث الاشتراكي تحوّلًا استراتيجيًا في موازين القوى بين إسرائيل ودول الطوق. منذ تأسيسه، خاض الجيش السوري حروبًا متكررة مع إسرائيل (في الأعوام 1948، 1967، 1973، 1982) وأدى أدوارًا إقليمية بارزة (أهمها "الوصاية" على لبنان 1976-2005). إلا أن فترة حكم بشار الأسد شهدت تدهورًا كبيرًا في هيكلية الجيش بسبب استنزاف موارده منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، وتزايد النفوذ الأجنبي داخل سورية. استغلت إسرائيل هذه التحولات لتعزيز نفوذها العسكري عبر هجمات جوية استراتيجية، مستفيدة من التفوق الاستخباراتي والجوي، مما رسّخ مكانتها كلاعب رئيس في الساحة السورية. 

وقد رأت مراكز أبحاث إسرائيلية عدّة أن هذه العوامل ساهمت في وضع إسرائيل في مكانة متفوقة على الجيش السوري من حيث التقدم العسكري، والجهوزية، والحافز. ومع انهيار نظام الأسد، تمكنت إسرائيل من القضاء على القدرات الاستراتيجية للجيش السوري. ويلخص أحد الضباط الإسرائيليين المختصين في علاقة إسرائيل بالشرق الأوسط[2] تبعات هذا الهجوم على أنه يمنح إسرائيل ثلاث أفضليات استراتيجية:

1.   القضاء على الجيش السوري وسيطرة هيئة تحرير الشام على معظم أراضي سورية قد يفكك الطرق اللوجستية التي تربط إيران مع حزب الله، والتي تشكل فيها الأراضي السورية محطة وصل رئيسة. خصوصًا وأن هيئة تحرير الشام تعتبر إيران وحزب الله من ألد أعدائها. 

2.   تدمير القدرات الدفاعية الجوية السورية يفتح الطريق أمام سلاح الجو الإسرائيلي لمناورة أكثر "أمانًا" في حال قررت الحكومة الإسرائيلية توجيه ضربة جوية للمشروع النووي الإيراني.

3.   مع إعلان إسرائيل تدمير معظم القدرات العسكرية للجيش السوري وحزب الله، تصبح قضايا التسلح في لبنان وسورية مدخلًا لمد النفوذ الإسرائيلي على المنطقة. إن إعلان إسرائيل تدمير حوالى 80٪ من قدرات حزب الله، والجيش العربي السوري التابع لنظام الأسد، تبعه تصريح لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي: "أي نظام يسير على نهج نظام الأسد سيواجه مصيرًا مشابهًا للجيش السوري".[3]

2.   إلغاء اتفاقية فك الاشتباك 1974

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أعلنت إسرائيل إلغاء اتفاقية فض الاشتباك الموقعة مع سورية عام 1974، والتي نظمت وقف إطلاق النار عقب حرب أكتوبر. نصت الاتفاقية على إنشاء منطقة عازلة بإشراف الأمم المتحدة (قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك UNDOF)، وإعادة بعض الأراضي المحتلة، أبرزها بلدة القنيطرة، إلى السيادة السورية، مع التزامات متبادلة بتقليص الوجود العسكري قرب الحدود. 

بررت إسرائيل هذا الإلغاء بانهيار النظام السوري وتخلي قواته عن مواقعها في المنطقة العازلة، واعتبرت ذلك فرصة لإعادة صياغة العلاقات الحدودية. وفي هذا السياق، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجيش بالسيطرة على المنطقة العازلة، مشيرًا إلى أن الاتفاقية "انهارت"، ومؤكدًا أن إسرائيل لن تسمح لأي قوة معادية بالتمركز على حدودها.[4] من جانبها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء هذه التطورات، معتبرة أن التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة يمثل انتهاكًا لاتفاقية 1974. وقرر مجلس الأمن الدولي بالإجماع تمديد ولاية قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) في الجولان حتى 30 حزيران 2025، مطالبًا بتوفير الموارد اللازمة لضمان أداء مهامها بأمان.[5]

إلغاء الاتفاقية يعني أن على سورية، عند تشكيل حكومة وجيش جديدين، التفاوض مع إسرائيل حول الحدود بينهما، وهو تفاوض ستدخل فيه سورية من موقع أضعف بكثير. علاوة على ذلك، يعيد إلغاء الاتفاقية طرح مسألة السيادة على مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وضمتها عام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، على الرغم من إعلان إدارة ترامب السابقة اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل في 2019.

ومع غياب طرف سوري قوي، قد تسعى إسرائيل إلى تعزيز وربما توسيع سيطرتها على هذه المنطقة الاستراتيجية. في هذا السياق، وبعد انهيار نظام الأسد واحتلال إسرائيل للمنطقة العازلة صادقت الحكومية الإسرائيلية برئاسة نتنياهو على خطة بقيمة 40 مليون شيكل لتوسيع الاستيطان في الجولان السوري المحتل، بهدف مضاعفة السكان.[6]

3.   احتلال الأراضي السورية

مع سقوط نظام الأسد، استغل الجيش الإسرائيلي الفراغ الأمني ليتوغل داخل الأراضي السورية، حيث احتلّ مساحة تقدر بحوالى 440 كم² (من ضمنها، تشكل المنطقة العازلة حسب اتفاق فض الاشتباك من العام 1974 حوالى 235 كم² فقط).[7] تضمنت المناطق التي سيطرت عليها إسرائيل قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، والتي تُعد من أهم المرتفعات المطلة على دمشق، لبنان، إسرائيل، والأردن. تجدر الإشارة إلى أن أعلى قمة في جبل الشيخ كانت تحت سيطرة إسرائيل منذ احتلالها لهضبة الجولان عام 1967، ويبلغ ارتفاعها حوالى 2200 متر. إلا أن القمة الجديدة التي سيطرت عليها القوات الإسرائيلية بعد سقوط النظام السوري، وتقع على بعد 14 كم داخل الأراضي السورية، يصل ارتفاعها إلى 2800 متر، وهي أعلى نقطة في جبل الشيخ الواقع ضمن المثلث الحدودي بين إسرائيل، سورية، ولبنان.

وقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن هذه التوغلات تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة: السيطرة الكاملة على المنطقة العازلة وتوسيعها، منع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى لبنان، وضمان عدم وصول "أطراف إرهابية معادية إلى الحدود مع إسرائيل".[8] رغم إعلان الجيش الإسرائيلي أن وجوده في هذه المناطق مؤقت و"دفاعي"، فإن تحركاته أظهرت استراتيجية أوسع. شملت هذه التحركات فرض حظر تجوال على بعض القرى السورية مثل القنيطرة، وتوغلات في المناطق السكنية مع تفتيش المنازل.[9] كما أدت العمليات العسكرية إلى تهجير سكان قرى عدة، منها حضر، الحميدية، وأم بطنة. في الوقت ذاته، عقد الجيش الإسرائيلي اجتماعات مع سكان المناطق التي سيطر عليها، وفرض شروطًا تضمنت تسليم الأسلحة.[10]

وحسب الصحافة الإسرائيلية، فقد تم إبرام اتفاق في درعا بين القوات الإسرائيلية ولجنة محلية يسمح للسكان بمواصلة أنشطتهم الزراعية دون تدخل. ورغم تأكيد إسرائيل على أن وجودها مؤقت، فإن السكان السوريين أعربوا عن مخاوفهم من تأثير هذا الوجود على استقرار النسيج الاجتماعي، خاصة في ظل غياب جدول زمني واضح لانسحاب القوات الإسرائيلية. في هذا السياق، أشارت تقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي قام أنشأ 7 مواقع تمركز عسكرية على الأقل داخل الأراضي السورية التي احتلها.[11]

*******************

القسم الثاني: الرؤية الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية لسورية ما بعد الأسد

مثّل سقوط نظام الأسد في سورية نقطة تحول في السياسة الإسرائيلية. بالنسبة لإسرائيل، عكس هذا التحول "ثقة" إسرائيلية بالذات على ضوء ما اعتبرته إسرائيل بالإنجازات العسكرية والسياسية خلال حربها مع "المحور"، لكنه أيضا عكس الخشية الإسرائيلية من المجهول الذي قد ينشأ عن تغير موازين القوى الإقليمية (أنظر/ي الجدول 1). وبينما تسعى إسرائيل إلى استثمار هذه اللحظة لتقويض محور المقاومة، تظل التحديات الناتجة عن الفراغ الأمني والمواقف الدولية عوامل قد تقيد هامش المناورة الإسرائيلي في المستقبل. وقد أشار رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، إلى أن إسرائيل باتت تخوض معارك على أربع جبهات: الضفة الغربية، قطاع غزة، لبنان، وسورية (بعد توغل القوات الإسرائيلية في أعقاب سقوط نظام الأسد).[12]

الجدول (1): الفرص والتحديات التي قد تشكل علاقات إسرائيل مع سورية في فترة ما بعد نظام الأسد 

(ملخص التقديرات الصادرة عن مراكز تفكير استراتيجي إسرائيلية)[13]

 

الفرص أمام إسرائيل

التحديات أمام إسرائيل

تعطيل الإمدادات الإيرانية لحزب الله وتقويض قدراته العسكرية

تخوف إسرائيل من صعود جماعات جهادية قريبة من هضبة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل

المؤشرات: 

انسحاب معظم القوات الإيرانية ومجموعات حزب الله من سورية، بالإضافة الى معادة هيئة تحرير الشام لنفوذ "الشيعي" في سورية ورفضهم اعتبار سورية ممرًا لأسلحة إيران باتجاه لبنان

المؤشرات:

تعتبر إسرائيل أن "المتمردين" في سورية، والذي ينتمون إلى خلفيات ومجموعات مختلفة، قد يشكلون أرضية خصبة لنمو جماعات تشتبك مع إسرائيل عسكريًا أو تساهم في تنشيط أعمال "مقاومة" تنطلق من الأراضي السورية تجاه إسرائيل 

تعزيز حرية الحركة العسكرية الإسرائيلية في سورية

تهديد استقرار الأردن مما قد يهدد أمن الحدود الشرقية لإسرائيل

المؤشرات: 

إسرائيل دمرت الأسلحة الاستراتيجية للجيش العربي السوري، بينما تنسحب روسيا من سورية وتقوم بتفكيك قواعدها العسكرية

المؤشرات:

سقوط نظام الأسد من شأنه أن يزيد عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات من سورية إلى الأردن، خصوصًا وأن إسرائيل تقدر أن إيران قد تحاول زعزعة الاستقرار في الأردن لتعويض خسارتها في سورية

فتح فرص لتحسين الترتيبات الأمنية على الحدود مع سورية

احتمالية استمرار النفوذ الإيراني من خلال تحالفات مع بعض الفصائل المنتصرة

المؤشرات:

إسرائيل تحتل حوالى 440 كم من الأراضي السورية، بينما يُجبر إلغاء إسرائيل لاتفاقية فض الاشتباك سورية "الجديدة" على التفاوض من جديد حول حدودها وعلاقتها مع إسرائيل

المؤشرات: 

على الرغم من العلاقة العدائية بين هيئة تحرير الشام والمحور الإيراني في المنطقة، فإن إسرائيل لا تتوقع أن تستغني إيران عن الأراضي السورية باعتبارها حلقة أساسية في الحفاظ على حزب الله بعد توجيه إسرائيل ضربات قوية له خلال أيلول-تشرين الأول 2024

وقد اعتبرت القيادة الإسرائيلية، وعلى رأسها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن الضربات العسكرية المتواصلة ضد إيران وحزب الله كانت العامل الحاسم في انهيار نظام الأسد. وأكد نتنياهو أن السقوط "نتيجة مباشرة للضربات التي أنزلتها إسرائيل"، مما يعكس رغبة إسرائيل في تعزيز صورتها كقوة إقليمية قادرة على تغيير المعادلات.[14]

وتُظهر التقديرات الإسرائيلية أن نتنياهو يسعى لاستغلال اللحظة الحالية لإقناع الولايات المتحدة، سواء إدارة بايدن أو الإدارة المقبلة بقيادة ترامب، بتوجيه ضربة حاسمة لإيران وبرنامجها النووي. ورغم ذلك، لم يتضح بعد موقف الإدارة الأميركية الجديدة من هذا المسعى.

من المهم الإشارة إلى أن سقوط نظام الأسد جاء في خضم الحرب الإسرائيلية المفتوحة منذ 7 أكتوبر، وبالتالي هيمنت أهداف الحرب الأوسع (أي المتعلقة بالشرق الأوسط والمحور الإيراني) على تقييمات الحكومة الإسرائيلية وطرق تعاملها مع سورية، يضاف إليها وجود إسرائيل في حالة طوارئ بفعل الحرب، الأمر الذي مكنها من اتخاذ خطوات عسكرية فورية (مثل احتلال أراض سورية ومهاجمة الأسلحة الاستراتيجية للنظام السابق) ما كانت لتقوم بها بهذه السرعة في حال لم تكن إسرائيل في حالة جهوزية حربية عالية. 

وفي ما يخص استراتيجيات إسرائيل المستقبلية، فقد أشار آساف آريون، وهو عميد متقاعد وعادة ما يضع تصورات استراتيجية تتعلق برؤية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من شؤون الشرق الأوسط إلى عدة استراتيجيات قد تكون أقرب إلى الكيفية التي تفكر فيها الحكومة الإسرائيلية الحالية.[15] ومع أن هذه الاستراتيجيات صادرة عن ضابط كبير مطّلع على آليات عمل الجيش الإسرائيلي، إلا أنها تضل أفكارًا غير رسمية حتى الآن، وحسب آريون:

1.   بناء قنوات اتصال مع الحكومة السورية الجديدة

قد تسعى إسرائيل لبناء قنوات اتصال مع الحكومة السورية الجديدة تحت مسوغات ضمان أمن حدود إسرائيل ومنع "الفراغ الأمني" الذي تشكل بعد تفكك الجيش العربي السوري. وقد تستغل إسرائيل حاجة الحكومة السورية الجديدة لتحديث أو تجديد اتفاق فض الاشتباك الذي ألغته إسرائيل، بيد أن هناك تخوفات إسرائيلية من أن يقوم لاعبون إقليميون (خصوصًا إيران وتركيا) بالتأثير على أي مسار افتراضي لفتح قنوات اتصال إسرائيلية مع الحكومة السورية الجديدة، ومآلات هذه الاتصالات. 

ولا تعتبر الحكومة السورية الجديدة الطرف الوحيد الذي تهتم إسرائيل بفتح قنوات اتصال معه. فقد أشار بعض المحللين الإسرائيليين إلى سعيها للتواصل أيضا مع أطراف سورية أخرى مثل الأكراد والدروز لبناء "تحالفات" تساهم في تحقيق الأمن القومي لإسرائيل، واستمرار حالة الانقسام الإداري والأمني داخل سورية. [16]

2.   الحفاظ على حرية الحركة الإسرائيلية العسكرية في المجال الجوي السوري 

قد تعمل إسرائيل على الحفاظ على حرية الحركة في المجال الجوي السوري فترةً طويلة تحت مسوغ منع عودة النفوذ الإيراني، ومنع إنشاء قواعد إيرانية أو إعادة تسليح حزب الله. في ظل غياب الوجود العسكري الروسي داخل سورية، فإن حرية العمل هذه قد تحتاج إلى ترتيبات جديدة تشمل التنسيق مع الولايات المتحدة أو دول إقليمية وخليجية، بيد أنها تتطلب أيضا تبريرات مستمرة أمام المجتمع الدولي خصوصًا في حال وصلت الأعمال الحربية الإسرائيلية على الجبهة الشمالية إلى نهاية. في قضية حرية العمل الإسرائيلية في سورية، قد تتلاقى مصالح إسرائيل مع الأردن، خصوصًا وأن شبكات تهريب السلاح والمخدرات (تحديدًا الكبتاغون)[17] التي تعتبر جزءًا من البنية التحتية لتمويل الجماعات المسلحة المرتبطة بمحور إيران-حزب الله (والتي تسعى إسرائيل إلى تجفيفها)، تتخذ من الأردن سوقا لها أو ممرًا لعمليات التهريب (وهذا ما يشكل تهديدًا للأردن).[18]

 

[1] عميت ياغور، "إنشاء محور فيلدلفي شمالي: المفتاح لشل إيران وحزب الله موجود في سورية"، في معاريف، بتاريخ 17 آب 2024. انظر/ي: https://www.maariv.co.il/news/military/article-1125518

[2] Assaf Orion, “Prompt military action is helping Israel counter the immediate security risks of Syria’s sudden upheaval, but additional efforts will be needed to seize the broader opportunities of this new era”, in Washington Post, December 18, 2024. See: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/israel-and-fall-assad-rejoice-repel-reach-out

[3] الجيش الإسرائيلي، "رئيس الأركان في تقدير موقف من هضبة الجولان"، الموقع الرسمي للجيش الإسرائيلي، بتاريخ 14 كانون الأول 2024. انظر/ي: https://short-link.me/NepP

[4] نفس المصدر. 

[5] UN, “Security Council Extends Mandate of United Nations Observer Force in Golan for Six Months through Resolution 2766 (2024) amid Reports of Israel Incursion”, 9826TH MEETING, SC/15951, 20 December 2024. See: https://press.un.org/en/2024/sc15951.doc.htm

[6] MEM, “Israel approves plan to expand settlements in occupied Syrian Golan Heights”, in Middle East Monitor, December 16, 2024. See: https://www.middleeastmonitor.com/20241216-israel-approves-plan-to-expand-settlements-in-occupied-syrian-golan-heights/

[7] JDN, “Reports: Israel has occupied about 440 square kilometers of Syrian territory”, in JDN news, December 18, 2024: see: https://www.jdn.co.il/news/2320638/

[8] الجيش الإسرائيلي، "رئيس الأركان في تقدير موقف من هضبة الجولان"، مصدر سابق.

[9] قناة أور بيالكوف على التلغرام. بتاريخ 23 كانون الأول 2024. انظر/ي:  https://t.me/orfialkov/6943

[10] يوآف زيتون، "توثيق خاص: ضباط الجيش الإسرائيلي يجتمعون لأول مرة مع وجهاء في القرى السورية"، في واي نت، بتاريخ 15 كانون الأول 2024. انظر/ي: https://www.ynet.co.il/news/article/yokra14186629

[11] ليؤر بن أوري، "إسرائيل مررت رسالة الى النظام الجديد: لن نتسامح مع نزول الجهاديين الى المنطقة الجنوبية في سورية"، في واي نت، بتاريخ 23 كانون الأول 2024. انظر/ي: https://www.ynet.co.il/news/article/s1uovdhbkl

[12] IPF, “What does Assad’s Fall mean for Israel”, Israeli Policy Forum, December 9, 2024. See: https://israelpolicyforum.org/wp-content/uploads/2024/12/PDF-Syria-Explainer-1.pdf

[13] Carmit Valensi, “The Fall of Assad’s Regime: Between Risks and Opportunities”, in INSS, 8th Dec 2024. See: https://www.inss.org.il/social_media/assad/; Assaf Orion, “Prompt military action is helping Israel counter the immediate..”.

[14] أنطوان شلحت، "حول ردة فعل إسرائيل على إسقاط نظام الأسد: الانتقال إلى منع إعادة بناء قدرات حزب الله والقضاء على البرنامج النووي الإيراني"، في ملحق المشهد الإسرائيلي، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، بتاريخ 9 كانون الأول 2024. أنظر/ي: https://short-link.me/PEvM

[15] Assaf Orion, “Prompt military action is helping Israel counter the immediate..” 

[16] Carmit Valensi, “The Fall of Assad’s Regime: Between Risks and Opportunities” 

[17] فاضل خانجي، "من التسوية إلى الكابتاغون: كيف تحوَّل المشهد الأمني في درعا جنوب سورية؟"، ورقة تقدير موقف، معهد السياسية والمجتمع، بتاريخ 13 كانون الأول 2024. انظر/ي الرابط التالي: wp.me/pdSIuF-1Pd  

[18] Assaf Orion, “Prompt military action is helping Israel counter the immediate..”