عرضت إسرائيل، من خلال تصريحات مسؤوليها ووسائل إعلامها، صورة قاتمة لنتائج الانتخابات الرئاسية المصرية. فقد تحدثت وسائل الإعلام بصورة متوترة وبتوجس وقلق عن احتمال فوز مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، بالرئاسة على منافسه الذي ترأس آخر حكومة في عهد النظام السابق، أحمد شفيق. ودعم مسؤولون إسرائيليون هذا التوجه من خلال تلميحات غير مباشرة. وربط الإسرائيليون بين احتمال فوز مرسي وجولة التصعيد الحاصلة، الآن، في جنوب إسرائيل وقطاع غزة المتمثلة في تراشق النيران.
أصدر مراقب الدولة الإسرائيلية، القاضي المتقاعد ميخا ليندنشتراوس، يوم الأربعاء - 13.6.2012، تقريرا وجه فيه انتقادات شديدة إلى كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك، على أدائهما في مواجهة أسطول الحرية التركي لكسر الحصار عن غزة والأحداث الدامية التي رافقته في نهاية أيار 2010.
ولخصت الصحف الإسرائيلية، في اليوم التالي، بأن "تقرير مراقب الدولة حول إخفاق الأسطول يكشف واقعا مخيفا: نتنياهو وباراك اتخذا قرارات أمنية حساسة من دون مداولات منظمة، ولم يشركا خبراء وتجاهلا مجلس الأمن القومي الذي يلزم القانون بإشراكه في المشاورات".
بدا الوضع في إسرائيل، خلال الأسبوع الفائت، كما لو أن أزمة شديدة حاصلة في اليمين الإسرائيلي، وأن هناك انقساما في حزب الليكود الحاكم، وذلك بعد إعلان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن معارضته لمشروع "قانون التسوية" الذي كان من شأن سنّه في الكنيست أن يمنع إخلاء وهدم خمسة مبان في الحي الاستيطاني "غفعات هأولبناه" التابع لمستوطنة "بيت إيل". وبدا كأن نتنياهو يقف ضد وزراء حكومته ونواب تحالفه في الكنيست، الذين أعلنوا عن تأييدهم لمشروع القانون. لكن تبين في النهاية أن هدف هذا الأداء من جانب نتنياهو هو التراجع خطوة إلى الوراء ليتقدم عشرات الخطوات إلى الأمام في المشروع الاستيطاني، لدرجة أن أحد وزرائه تمنى لو تصدر قرارات قضائية عديدة مثل قرار هدم خمسة مبان تحتوي على ثلاثين شقة في "غفعات هأولبناه" كي تقرر الحكومة بناء 851 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، مؤكدا على أن "المستوطنين حصلوا على صفقة جميلة".
يتابع الإسرائيليون الانتخابات الرئاسية في مصر بتوجس وترقب، بعد أن وجهت ثورة "25 يناير"، في بداية العام الماضي، صفعة لم يتوقعوها وأدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، الذي اعتبروه أقرب سياسي في الشرق الأوسط من إسرائيل وحليف قادتهم الاستراتيجي. وسبق أن جاهرت إسرائيل أن خسارتها مبارك كانت كبيرة للغاية، إلى درجة أنها انتقدت بشدة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، معتبرة أنه تخلى عن حليفه بمجرد بدء الثورة المصرية.
وبعد أن انضم الإخوان المسلمون إلى ثورة "25 يناير" في نهايتها وقبل يوم واحد من رحيل مبارك عن الحكم، تنفس الإسرائيليون الصعداء، معتبرين أنه ثبتت توقعاتهم بأن "الربيع العربي" ليس إلا "خريفا إسلاميا" سيصعد الإسلاميون على أمواجه إلى سدة الحكم في مصر، على غرار ما حصل في أقطار عربية أخرى.
تفجرت قضية اللاجئين الأفارقة بقوة في الشارع الإسرائيلي، الأسبوع الماضي. فقد اندلعت أعمال عنف ونهب ضد الأفارقة والمحال التجارية التي يشترون طعامهم واحتياجاتهم منها في حي "هتيكفا" في جنوب تل أبيب، وذلك في نهاية مظاهرة شارك فيها نحو ألف مواطن إسرائيلي، ومهرجان خطابي قاده نواب من أحزاب اليمين واليمين المتطرف، الذين، حسبما أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية، حرضوا المتظاهرين على اللاجئين. وبالمناسبة، فإن نواب اليمين هؤلاء هم نفسهم النواب الذين يحرضون ضد الفلسطينيين واليسار في إسرائيل ويدعمون المستوطنين والاستيطان ويطرحون القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية.
تركز اهتمام الإسرائيليين في ذكرى النكبة في العام الماضي- 2011- على الحدود، وذلك عندما تظاهر مئات الشبان في الجانب السوري من الحدود في هضبة الجولان، والآلاف في الجانب اللبناني من الحدود مع إسرائيل. وحاول قسم من المتظاهرين، وكانت غالبيتهم من مخيمات اللاجئين في سورية ولبنان، تخطي الحدود والدخول إلى إسرائيل، في تظاهرة رمزية لتطبيق حق العودة. وردت قوات الجيش الإسرائيلي على ذلك بإطلاق النيران العشوائية وقتلت عشرات المتظاهرين وأصابت مئات آخرين بجروح. وتكرر هذا المشهد بعد ثلاثة أسابيع، في يوم ذكرى النكسة. حينذاك، لم ينزعج الإسرائيليون من مشاهد القتل الجماعي على الحدود، بل اعتبروا أن جيشهم يحمي دولتهم من مسيرات "اللاجئين العائدين".
الصفحة 54 من 61