تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

بدا الوضع في إسرائيل، خلال الأسبوع الفائت، كما لو أن أزمة شديدة حاصلة في اليمين الإسرائيلي، وأن هناك انقساما في حزب الليكود الحاكم، وذلك بعد إعلان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن معارضته لمشروع "قانون التسوية" الذي كان من شأن سنّه في الكنيست أن يمنع إخلاء وهدم خمسة مبان في الحي الاستيطاني "غفعات هأولبناه" التابع لمستوطنة "بيت إيل". وبدا كأن نتنياهو يقف ضد وزراء حكومته ونواب تحالفه في الكنيست، الذين أعلنوا عن تأييدهم لمشروع القانون. لكن تبين في النهاية أن هدف هذا الأداء من جانب نتنياهو هو التراجع خطوة إلى الوراء ليتقدم عشرات الخطوات إلى الأمام في المشروع الاستيطاني، لدرجة أن أحد وزرائه تمنى لو تصدر قرارات قضائية عديدة مثل قرار هدم خمسة مبان تحتوي على ثلاثين شقة في "غفعات هأولبناه" كي تقرر الحكومة بناء 851 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، مؤكدا على أن "المستوطنين حصلوا على صفقة جميلة".


فقد قال وزير الإسكان الإسرائيلي أريئيل أتياس، يوم الخميس الماضي، إن المستوطنين حصلوا على صفقة جيدة بعد إسقاط "قانون التسوية" في الكنيست وقرار نتنياهو بناء 851 وحدة سكنية جديدة بدلا من الثلاثين وحدة التي سيتم هدمها في البؤرة الاستيطانية "غفعات هأولبناه". وقال أتياس لموقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني إن "هذه صفقة جميلة. فهذا أمر مُجزٍ بالنسبة للمستوطنين أن يهدموا عدة بيوت ويحصلوا على عدد أكبر".

وقرر نتنياهو طرح مناقصات فورية لبناء 551 وحدة سكنية استيطانية جديدة في مستوطنات في الضفة الغربية إضافة إلى 300 وحدة استيطانية جديدة تعهد ببنائها في محيط مستوطنة "بيت إيل". وبموجب قرار نتنياهو فإنه سيتم بناء 114 وحدة سكنية في مستوطنة "إفرات"، و144 وحدة في مستوطنة "آدم"، و92 وحدة في مستوطنة "معاليه أدوميم"، و117 وحدة في مستوطنة "أريئيل"، و84 وحدة في مستوطنة "كريات أربع".

وقال أتياس إن مقاولي البناء سيحصلون على الأرض خلال شهر، وإن بناء هذه الوحدات السكنية الـ 551 سينتهي بعد سنة ونصف السنة. واعتبر أن المسألة الأهم في هذا الموضوع هو "مجرد حقيقة أننا نبني" في المستوطنات. واعترف أتياس أنه "يوجد في هذا القرار عنصر سياسي، لكن بالنسبة لنا هذه 500 وحدة سكنية أخرى للمجهود (الاستيطاني) لأنه لا يمكن اليوم أن نبني كمشيئتنا. ونبني فقط عندما تكون هناك نافذة فرص، وهذه هي الطريقة، فحتى هذا الحدث (إسقاط "قانون التسوية") لم نبن هناك والآن سنبني".

وقال أتياس إن "على رئيس الحكومة أن يمنح شعورا بأنه لا يهدم فقط وإنما يبني أيضا"، وأن "لدينا أمورا ليست أقل أهمية من خمسة بيوت هأولبناه. هدموا 30 وبنوا 850، ولا يمكننا أن نتذمر أبدا". وأضاف أن قرار نتنياهو بمعارضة "قانون التسوية" وتهديد الوزراء الذين يؤيدونه بالإقالة أحرج هؤلاء الوزراء ولذلك فإنه بإقرار بناء 851 وحدة سكنية استيطانية جديدة "وفرنا لهم سلما لينزلوا عليه على شكل الوحدات السكنية الجديدة".

وأشار أتياس إلى وجود إشكالية قانونية تتعلق باقتراح نتنياهو بنقل المباني الخمسة من "غفعات هأولبناه" إلى منطقة قريبة في محيط مستوطنة "بيت إيل" تمت مصادرتها من مواطنين فلسطينيين في سنوات السبعين لأغراض عسكرية، ولكن القانون الدولي يمنع استخدامها لأغراض مدنية لدولة الاحتلال. وقال إنه "من ناحية القانون الدولي توجد مشكلة في مصادرة منطقة عسكرية لأغراض مدنية".



قرار المحكمة العليا بإخلاء وهدم المباني الخمسة

وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت، في 7 أيار الماضي، قرارا رفضت فيه طلب الدولة إعادة النظر في التماس "غفعات هأولبناه"، وأمرت بإخلاء المباني الخمسة التي تم بناؤها على أرض بملكية فلسطينية خاصة، حتى موعد أقصاه الأول من تموز المقبل. وجاء قرار المحكمة في إطار التماس أصحاب الأراضي الفلسطينيين، من سكان قرية دورا القرع، الذين طالبوا بتطبيق أوامر الهدم الصادرة ضد المباني وإعادة الأراضي لأصحابها الحقيقيين. وقد تم تقديم هذا الالتماس بمساعدة منظمة حقوق الانسان الإسرائيلية "يش دين".

وصدر قرار الحكم في أعقاب طلب غير مسبوق تقدمت به الدولة للمحكمة العليا بتاريخ 27 نيسان الماضي لإعادة إجراء مداولة قضائية في القضية. وقد تم تقديم الطلب خلال أيام قليلة قبل الموعد الذي كان من المفترض أن تطبق فيه الدولة أوامر الهدم، وهو الموعد الذي التزمت به الدولة قبل عام تقريبا وتم تقنينه في قرار حكم نهائي صدر عن المحكمة بتاريخ 21 أيلول الماضي. وطلبت الدولة مهلة 90 يوما يتم خلالها اجراء نقاش وتقديم موقف معدل يعبر عن التغيير في السياسة وفقا لما يقرره المستوى السياسي.

وفي أعقاب طلب الدولة تم عقد مداولة خاصة في المحكمة العليا بتاريخ 6 أيار الفائت، شهدت تراشقا شديدا بين ممثلة نيابة الدولة ومديرة قسم الالتماسات للمحكمة العليا، المحامية أسنات مندل، وبين القاضيين عوزي فوغلمان وسليم جبران من أعضاء الهيئة القضائية الى جانب رئيس محكمة العدل العليا، القاضي آشر غرونيس. وقال القاضي فوغلمان خلال المداولة إنه "عندما تأتي الدولة وتطلب شيئا نكون واثقين من أنها ستقوم به، وثمة احترام متبادل بين السلطات ولهذا لم نصدر أمرا باتا".

أما المحامي ميخائيل سفارد، المستشار القانوني لمنظمة "يش دين"، ووكيل الملتمسين أصحاب الأراضي، فقد قال خلال المداولة "مع الأسف الشديد، فإن النيابة تقاتل ضد المصلحة العامة، ضد سيادة القانون.... هذا انهيار تام لجميع أجهزة سيادة القانون. ماذا ستقول النيابة لمتهم تراجع عن صفقة ادعاء؟ كيف ستكون مصداقيتها الأخلاقية؟ ما كان ينبغي تقديم هذا الطلب، وكان ينبغي على المستشار القانوني للحكومة (يهودا فاينشتاين) أن يستقيل من أجل الدفاع بجسده عن سيادة القانون.... حالة الدولة تشبه حالة المُقامر المدمن الذي يُمدد الوقت ويزيد من مبلغ القمار".

وبتاريخ 7 أيار الفائت صدر قرار المحكمة بوجوب تنفيذ قرارها السابق بحذافيره، وأمرت المحكمة الدولة بتنفيذ أوامر الهدم ضد البيوت الخمسة لغاية 1 تموز. وقد كتب القاضي غرونيس في حيثيات قرار الحكم أنه "بالذات في الإجراءات المتداولة أمام محكمة العدل العليا هناك أهمية خاصة لوفاء الدولة بتعهداتها والحفاظ على مبدأ نهائية التداول. إن قبول موقف الدولة، القائم على أن الرغبة في فحص السياسة من جديد تشكل ذريعة لفتح الإجراء الذي انتهى، قد تقود الى نتائج قاسية. السياسة، بطبيعة الحال، ليست شأنا ثابتا. هل في كل مرة يتم فيها فحص أي سياسة من جديد ستطلب الدولة فتح الإجراءات التي انتهت من خلال قرار حكم؟! بالفعل، إن تغيير السياسة بحد ذاته ليس سببا للانحراف عن قاعدة نهائية التداول".



الكنيست يسقط "قانون التسوية"

صرح نتنياهو عدة مرات، خلال الأسابيع الماضية، أنه سيعمل من أجل وضع حل لقضية "غفعات هأولبناه" من دون إخلاء وهدم المباني الخمسة. وتلقى نتنياهو دعما واسعا من وزرائه بهذا الخصوص. لكن بعد مداولات مع مستشاريه، وفي مقدمتهم المستشار القانوني، يهودا فايدنشتاين، تبين له أن ثمة إشكالية في تطبيق تصريحاته. وهذه الإشكالية هي قانونية بشكل خاص، وتتمثل في إمكانية أن يتوجه مالكو الأرض الفلسطينيون إلى المحكمة الدولية في لاهاي ضد حكومة إسرائيل، خاصة وأن الأخيرة لم تطبق قرارا صادرا عن المحكمة العليا الإسرائيلية.

لكن في هذه الاثناء كان نتنياهو قد بدأ مفاوضات مع المستوطنين في بؤرة "غفعات هأولبناه" وقادة المستوطنين حول حل القضية، وكلف وزير الدولة، بيني بيغن، بإجراء هذه المفاوضات، التي يتم خلالها التوصل إلى اتفاق في نهاية المطاف.

واعتبر المستوطنون وأعضاء كنيست من اليمين المتطرف أن بالإمكان حل هذه القضية من خلال سن قانون في الكنيست، بات يعرف بـ "قانون التسوية"، وغايته الالتفاف على قرارات المحكمة العليا الصادرة بشأن إخلاء وهدم بؤر استيطانية عشوائية أقيمت على أراض بملكية فلسطينية خاصة.

وبادر عضو الكنيست زبولون أورليف، من كتلة "البيت اليهودي" الشريكة في التحالف الحكومي، إلى طرح "قانون التسوية" في الكنيست لتصوت عليه الهيئة العامة للكنيست يوم الأربعاء الماضي. ونص مشروع القانون هذا على أنه في حال مضت أربع سنوات على إقامة مشروع استيطاني في أرض بملكية فلسطينية خاصة من دون أن يتوجه مالك الأرض الفلسطيني إلى القضاء الإسرائيلي، فإنه لا يتم هدم مباني أو منشآت مقامة في الأرض.

والجدير بالذكر أن اليمين الإسرائيلي والمستوطنين يلوحون بهذا القانون منذ فترة طويلة. لكن فاينشتاين وكبار المسؤولين في النيابة العامة الإسرائيلية حذروا من أن قانونا كهذا يتناقض مع القانون الدولي والشرائع الدولية. ودفعت هذه التقديرات نتنياهو إلى عدم تأييد "قانون التسوية" ومطالبة وزرائه بمعارضته. وبعد أن تبين أن أغلبية الوزراء تؤيد مشروع القانون هدد نتنياهو بأنه سيقيل أي وزير ونائب وزير سيصوت إلى جانب "قانون التسوية". لكن قبل ذلك أوضح لوزرائه أنه مقابل إخلاء "غفعات هأولبناه" سيتم بناء عشرة أضعاف هذه البيوت.

وتمكن نتنياهو من إقناع وزرائه بمعارضة مشروع القانون وأسقطت الهيئة العامة للكنيست، يوم الأربعاء الماضي، "قانون التسوية". وعارض مشروع القانون 69 عضو كنيست فيما أيده 22 عضو كنيست، في جلسة عاصفة تخللها إخراج عضو الكنيست اليميني المتطرف ميخائيل بن أري من قاعة الكنيست.

ورحبت رئيسة المعارضة شيلي يحيموفيتش بقرار الكنيست وقالت إن "نتنياهو أحسن صنعًا عندما وضع كل ثقله في التصويت ضد القانون". وفي بداية جلسة الكنيست تم إسقاط مشروع قانون طرحه حزب ميرتس، ردا على "قانون التسوية"، ويقضي بدفع تعويضات للمستوطنين الذين يغادرون المستوطنات طواعية ويعودون إلى السكن داخل إسرائيل.



نتنياهو يتعهد بردع المنظمات الحقوقية!

تعمد نتنياهو خلال اجتماع وزراء حزب الليكود، في 3 حزيران الحالي، أن يوضح موقفه الداعم للاستيطان. وبعد إسقاط "قانون التسوية" أوضح هذا الموقف بشكل أكبر، وسعى خلال ذلك إلى إرسال تهديدات لمنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية.

وقال نتنياهو خلال اجتماع وزراء حزبه إن "سياستنا تقضي بتعزيز الاستيطان من خلال الحفاظ على القانون. وبالإمكان دائما الذهب إلى حل من خلال سن قوانين (مثل "قانون التسوية") لكن يوجد لهذا الأمر أثمان وبضمن ذلك في الحلبة الدولية".

وأضاف أنه من أجل الامتناع عن سن قوانين تلتف على قرارات المحكمة العليا ثمة حاجة لأن تتوفر ثلاثة أمور وهي نقل المباني الخمسة، وتوسيع البناء الاستيطاني، وتوفير حماية قانونية من دعاوى مستقبلية، "وإذا حصلت هذه النقاط الثلاثة على التصاريح المطلوبة في الأيام القريبة فسنكون في وضع جيد".

وأوضح نتنياهو أنه بانتظار رد المستشار القانوني للحكومة يهودا فاينشتاين على هذه النقاط "وهذا يوفر ردا للتعقيدات القانونية وللسكان ولمستوطنة بيت إيل وللدعاوى القضائية ومحاولات استخدام القانون بهذه الطريقة".

وقال نتنياهو إنه يسعى لحل قضية "غفعات هأولبناه" من خلال نقل المباني الخمسة إلى منطقة قريبة كان الجيش الإسرائيلي قد صادرها من مواطنين فلسطينيين في سنوات السبعين لغرض إقامة قاعدة عسكرية فيها.

وهدد نتنياهو المنظمات الحقوقية بالقول إن "تعزيز الاستيطان وردع دعاوى قضائية سيتم من خلال بناء عشرات الوحدات السكنية مقابل كل وحدة سكنية يتم إخلاؤها. والحديث يدور على إضافة أكثر من ألف مستوطن لبيت إيل، وهذا عنصر أساس ضد أولئك الذين يريدون هدم المباني".

من جانبه قال الوزير دان مريدور لإذاعة الجيش الإسرائيلي إنه "ينبغي العمل انطلاقا من الحقيقة بأنه يستحيل سن قانون لأن القانون الدولي والقانون المحلي لا يسمحان بذلك". لكنه أضاف أنه "يجب البناء داخل الكتل (الاستيطانية)".

وفي أعقاب إسقاط "قانون التسوية" عقد نتنياهو مؤتمر صحافيا قال فيه "أقول لأولئك الذين يعتقدون أنهم سيستخدمون القضاء للمساس بالاستيطان، إن من يعتقد ذلك مخطئ لأنه عملياً يحدث العكس التام، فبدلا من تصغير حجم بيت ايل، فان بيت ايل تتوسع وبدلاً من المساس بالاستيطان فإن الاستيطان يتقوّى ويتعزّز".

وأضاف نتنياهو "إننا لسنا غرباء في بيت إيل ولسنا غرباء في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) وهذه أرض أجدادنا وفي هذا المكان تبلورت هويتنا. وأقول ذلك هنا في القدس عاصمة اسرائيل وفي أي مكان في العالم". وتابع أن "اسرائيل هي دولة ديمقراطية حيث الانصياع للقانون هي قاعدة أساسية في حياتنا الحرة، ودولة اسرائيل هي ديمقراطية تحافظ على القانون وبصفتي رئيساً للوزراء فإنني ملتزم بالحفاظ على القانون وأنا ملتزم أيضاً بالحفاظ على الاستيطان وأقول لكم إنه لا يوجد أي تناقض بين هذين الأمرين".

وتطرق نتنياهو إلى "قانون التسوية" قائلا إن "القانون الذي شُطب اليوم في الكنيست كان يمس بالاستيطان بينما الصيغة التي قررتها، وهي عبارة عن توسيع المستوطنة ونقل البيوت والدفاع القضائي لمنع ترسيخ هذه السابقة، تقوي الاستيطان، ومع ذلك يجب القول إن هذا ليس يوماً بسيطاً أو سهلا". وأردف أن "نقل البيوت من مكانها، حتى لو كان الأمر يدور حول 5 بيوت فقط، ليس عملا كانت هذه الحكومة سعيدة بتنفيذه، لكن المحكمة حسمت ما حسمته ونحن نحترم قرارات المحكمة".

وقال نتنياهو إنه "في موازاة ذلك يتم توسيع بلدة (مستوطنة) بيت ايل، والعائلات الـ 30 ستبقى في بيت ايل وستنضم إليها 300 عائلة جديدة. إضافة لذلك قررت تشكيل لجنة وزارية لشؤون الاستيطان لنضمن تطبيق سياسة الحكومة التي تتعلق بتعزيز الاستيطان، وأود أن أشكر شركائي في التحالف من رؤساء الأحزاب، شاؤول موفاز وايهود باراك ويعقوب ليتسمان وأود أن أشكر وزير الخارجية ليبرمان على المسؤولية التي أبداها". وتبين أن "اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان" ستحصل على صلاحيات وزير الدفاع، ايهود باراك، كمسؤولة عن إصدار قرارات تتعلق بالاستيطان، وبذلك يستجيب نتنياهو لمطالب اليمين والمستوطنين بسحب هذه الصلاحيات من باراك، بعد أن أيد إخلاء "غفعات هأولبناه" في مطلع أيار الفائت بموجب قرار المحكمة العليا الأول في هذه القضية، الصادر في العام الماضي.

وخلص نتنياهو إلى ما يلي: "أود قول بعض الكلمات إلى إخوتي وأخواتي من جمهور المستوطنين: أفهم آلامكم وأشاركها وأقول ما قلت لهم وهو أنه لا توجد حكومة تدعم الاستيطان أكثر من حكومتي ولا حكومة واجهت ضغوطات أكبر من حكومتي كان باستطاعتها المساس بالاستيطان. ويجب الفهم بأننا نعمل في بيئة معقدة جداً من الناحية السياسية والدولية والقضائية، ورغم ذلك سنستمر بتعزيز الاستيطان".

وفي مساء اليوم ذاته، الأربعاء الماضي، قرر نتنياهو بالاتفاق مع وزير الإسكان، أريئيل أتياس، من حزب شاس، طرح مناقصات فورية لبناء 551 وحدة سكنية استيطانية جديدة في مستوطنات في الضفة الغربية إضافة إلى 300 وحدة استيطانية جديدة تعهد ببنائها.



"الملك" انتصر على "أسياد البلاد"

"الملك" هو نتنياهو، بعد أن توجته مجلة "تايم" الأميركية بلقب "الملك بيبي"، مؤخرا. و"أسياد البلاد" هي صفة يطلقها الإسرائيليون على المستوطنين، لأنهم يتحكمون بسياسة إسرائيل ومصيرها ويستولون على قسم كبير من مواردها.

واعتبرت محللة الشؤون الحزبية في "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، في مقالها يوم الخميس الماضي، أن "انتصار نتنياهو في التصويت على قانون التسوية ليس انتصارا عدديا فقط. إنه انتصار أخلاقي، لأن (هذا الانتصار) علم المستوطنين درسا هاما حول حدود القوة. وفي الصراع بين الملك وأسياد البلاد، حقق الملك انتصارا كبيرا".

ورأت كدمون أن نتنياهو أعاد لنفسه القوة التي فقدها لصالح جناح المستوطنين لدى افتتاح مؤتمر الليكود، بمنعه من ترأس المؤتمر. وكتبت المحللة أن "إنجاز نتنياهو لم يكن بنجاحه في منع تمرير قانون إشكالي فقط، وإنما في هذا التصويت وضع المستوطنين في مكانهم. وقد أعاد لنفسه القوة التي سُلبت منه في مؤتمر الليكود الأخير من جانب الفايغلينيين" في إشارة إلى زعيم الجناح الاستيطاني المتطرف في الليكود، موشيه فايغلين.

وأضافت أن "هزيمة رئيس الحكومة في ذلك المؤتمر على أيدي مجموعة وقحة، منفلتة وتستخف به وبقراراته، كانت صدمة بالنسبة له، والسبب الأساس لضم حزب كاديما إلى التحالف. وأدرك نتنياهو أنه إذا لم يقلل من قوة اليمين في الليكود، فإن هذه ستكون نهايته. ومن خلال التصويت على قانون التسوية تمت العودة إلى التناسبية: ربما اليمين يسيطر على مؤتمر الليكود، لكن في الهيئة العامة للكنيست وفي كتلة الليكود يوجد حاكم واحد فقط، وهذا ليس فايغلين، إنه نتنياهو".

وأنهت كدمون مقالها بأن "انعدام الثقة بالنفس وغريزة البقاء في الحكم، التي كانت السبب وراء كل خطوات نتنياهو، تم استبدالها بالثقة والشعور بالقوة. وانضمام كاديما للتحالف حسم من الذي يمسك بزمام الأمور. والتصويت على قانون التسوية، الذي انتهى بانتصار كبير لموقف نتنياهو، إنما يعزز الادعاء بأن كل ما ينبغي إظهاره هو قدرة على القيادة".

من جانبها، أنشأت صحيفة "هآرتس" افتتاحية، الخميس الماضي، قالت فيها إن "نتنياهو اثبت أنه عندما يريد القيام بخطوة فإنه قادر على الصمود أمام ضغوط اليمين المتطرف عليه وعلى وزرائه. وضم كاديما إلى الحكومة وفّر له الظهير البرلماني ليبين أنه لا يخاف من موشيه فايغلين وأتباعه في الليكود، كما أن شركاءه اليمينيين في التحالف خشوا من المواجهة والبقاء في المعارضة".

واضافت الصحيفة أن "تظاهرة القوة من جانب نتنياهو في قاعة الهيئة العامة للكنيست رافقتها رزمة إغراءات للمستوطنين من خارج الكنيست. سيتم نقل المباني الخمسة في غفعات هأولبناه، ولن تُهدم. وصلاحيات وزير الدفاع بالمصادقة على البناء في المستوطنات ستصادر منه لصالح لجنة وزارية يسيطر عليها الليكود، وسيتم بناء 300 وحدة سكنية جديدة في بيت إيل. وستتم إقامة جهاز قانوني ’للدفاع أمام دعاوى مستقبلية’ وهو تعبير مغسول لتشريع سرقة أراض فلسطينية".

وحذرت "هآرتس" من أنه "إذا تم تنفيذ هذه الوعود، فإن المستوطنين ومؤيديهم سيحصلون على مرادهم من دون سن قوانين خاصة. وسلب الأراضي سيستمر، والمستوطنات ستتسع، وحل الدولتين سيتم إحباطه. وبدا نتنياهو كمن أظهر قدرة قيادية، لكنه في الوقت نفسه دفع أتاوة لليمين المتطرف. وتعهده العلني ’بتعزيز الاستيطان’ وبرد الصاع صاعين على اليساريين ’الذين يعتقدون أنهم يستخدمون الجهاز القضائي للمساس بالاستيطان’ يضعان نتنياهو إلى جانب فايغلين وبن أري".







هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي



"مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعكس آراء الاتحاد الاوروبي".