لا تزال الحكومة الإسرائيلية تصرّ على عدم تقديم أية رؤية سياسية لفترة ما بعد حرب الإبادة والتدمير الشامل التي تشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ أوائل تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وللشهر العاشر على التوالي، مغلِّبَةً اعتباراتها ومصالحها السياسية ـ الحزبية الداخلية على أية اعتبارات ومصالح استراتيجية ـ سياسية خارجية، إلى جانب استمرارها في تفضيل الحرب على أية صفقة لتحرير المخطوفين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أحياءً كانوا أم أمواتاً. وتستغل إسرائيل استمرار الحرب في قطاع غزة غطاءً لمواصلة وتعميق مساعيها وإجراءاتها العملية على أرض الواقع لضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية فعلياً ليصبح هذا الضم حقيقة واقعة في حكم الواقع. وهي تفعل ذلك بروح "السباق مع الزمن" من منطلق رغبتها، ورغبة ائتلافها البرلماني الحاكم، في "استغلال الفرصة التاريخية" التي تتيحها لها تشكيلتها الائتلافية و"إنجاز هذه المهمة القومية العليا" قبل انفراط عقد هذا الائتلاف البرلماني، لأنه قد يكون انفراطّا نهائياً بغير رجعة، في المدى المنظور على الأقل. وهي تفعل ذلك، أيضاً، من خلال العمل الحثيث على إضعاف السلطة الفلسطينية، وخاصة من الناحية الاقتصادية بوقف تحويل أموال المقاصة، بموازاة تكثيف الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وشرعنة المزيد من البؤر لاستيطانية "غير القانونية"(!) مقابل تهجير المزيد من التجمعات الفلسطينية من أراضيها وبيوتها، إلى جانب توفير الدعم والغطاء لممارسات المستوطنين الإرهابية ضد الفلسطينيين في قراهم، أحيائهم ومنازلهم في مختلف أنحاء الضفة الغربية، معتمدةً ليس فقط على الجيش وحكمه العسكري هناك، بل على "الإدارة المدنية" أيضاً، التي أوكلت المسؤولية عنها إلى "الوزير في وزارة الدفاع"، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
قدم مراقب الدولة الإسرائيلية تقرير رقابة أجراها على الحكم المحلي في 2023 - 2024. وهو ينوّه بأنه بالرغم من قيامه بإجراء رقابة شاملة ستتناول عدة مواضيع تتعلق بالسابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023 وحرب "السيوف الحديدية" فإن "هناك واجبا عاما وأخلاقيا لإجراء الرقابة التي من شأنها أن تفحص أداء جميع المستويات في يوم المذبحة، في الفترة التي سبقتها وفي الفترة التي تلتها"، كما جاء في مقدمته.
وفقاً لآخر القراءات الإسرائيلية حول المحطة الراهنة التي وصلت إليها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما يمكن أن تؤول إليه في قادم الأيام، يمكن ملاحظة ما يلي:
أولاً، هناك اتفاق واسع على أن سلوك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ناجم قبل أي شيء عن مصلحته الشخصية والسياسية الضيقة من جهة، وعلى أن هذه المصلحة منفصلة تماماً عن حاجات إسرائيل في الواقع، من جهة أخرى. ولعلّ أكثر ما دفع في اتجاه هذا الاتفاق الواسع في أوساط المحللين الإسرائيليين هو موضوع صفقة التبادل التي من شأنها أن تؤدي إلى وقف الحرب، ولكنها ما زالت متعثرة، فقط بسبب الشروط التي يضعها نتنياهو، وكان آخرها ضرورة استمرار سيطرة إسرائيل على كل من معبر رفح ومحور فيلادلفيا في منطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر.
عبّر محافظ بنك إسرائيل المركزي، أمير يارون، الأسبوع الماضي، عن نظرة تشاؤمية حيال مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، استنادا إلى سلسلة معطيات في الاقتصاد، ومعها أداء الحكومة في إدارة الميزانية، وشكل إعداد ميزانية العام المقبل. وأعلن عن إبقاء الفائدة البنكية على حالها، وهي تُعد عالية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، ملمحا إلى أنها قد تبقى عند مستواها الحالي فترة طويلة. ويأتي هذا القرار، في ظل استفحال غلاء المعيشة، رغم ما يظهر من لجم لوتيرة التضخم في الشهرين الماضيين، فالأسعار ترتفع بنسب أعلى من نسب التضخم في المواد والبضائع الحياتية الأساسية، من أغذية وغيرها. إلى ذلك، فقد نشرت معطيات جديدة بشأن الكلفة العسكرية للحرب الدائرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إذ بلغت حتى الآن 30 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل حتى نهاية العام الجاري إلى أكثر من 35 مليار دولار، وهذا لا يشمل الكلفة المدنية للحرب.
الصفحة 20 من 859