تشهد دولة إسرائيل، منذ سنوات غير قليلة، ازدهاراً كبيراً ومتواصلاً لما يُسمى "اقتصاد الاعتمادات المالية" الذي يوازيه، أيضاً، "ازدهار" ـ ازديادٌ مُطَّرد ومتواصل في حجم الديون التي تتراكم على الاقتصادات الأسَريّة. لكنّ أحد الجوانب الكارثية في أزمة هذه الديون هو كونها محكومة، أيضاً، بمعادلة "انعدام المساواة"، أو التمييز القومي بتعبير أصحّ؛ فالمواطنون العرب في إسرائيل أكثر عرضة، بكثير، للضائقة الاقتصادية وانعكاساتها المختلفة على شتى مجالات الحياة، مقارنة بالمواطنين اليهود، إلى جانب كونهم يعانون أيضاً من التمييز في "سوق الاعتمادات المالية المؤسساتية"، الأمر الذي يضطرهم إلى الاقتراض من "السوق السوداء"، التي لم يعد خطرها ينحصر في الجانب الاقتصادي وفي تأزيم ضائقتهم الاقتصادية ـ المالية فحسب، بل أصبح يتعدّاه ليصل إلى أمان المواطنين العرب وأمنهم، الاجتماعي والنفسي والجسدي أيضاً. ويشكل هذا المجال أحد التفسيرات الأساسية لتفشي واستفحال ما يسمى بـ "الجريمة المنظمة" في المجتمع العربي في داخل إسرائيل وكونه أحد المصادر الأساسية التي تغذي الحروب المنفلتة بين عصابات الجريمة هذه وما أوقعته من ضحايا، تُعدّ بالآلاف حتى الآن.
هذا هو القسم الثاني من استعراض تقرير العمل السنوي عن العام 2023، الذي أصدرته وزارة العمل الإسرائيلية، ويتناول تأثّر شرائح مختلفة في سوق العمل من تداعيات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والحرب الاحتلالية على قطاع غزة. وهو يقول في فصل أفرده لهذه المسألة بأنه حتى اندلاع الحرب، استمر الاتجاه التصاعدي في معدلات التشغيل الذي ميز السنوات القليلة الماضية منذ العام 2020 لدى معظم الفئات السكانية. فعشية الحرب، ارتفع معدل تشغيل الرجال العرب بنسبة 3.8% مقارنة بالعام 2022، ووصل إلى ذروته عند 77.9%. كما استمرت الزيادة في معدل تشغيل النساء العربيات، حيث وصلت إلى 44.8%، أي بزيادة قدرها 3% تقريباً مقارنة بالعام 2022.
لكن مع اندلاع الحرب، يتابع التقرير، انخفضت معدلات التشغيل بشكل كبير بسبب غياب عدد كبير من العمال عن أماكن عملهم. وكان الغياب لعدة أسباب: الالتحاق بالخدمة العسكرية من جنود الاحتياط؛ إغلاق المؤسسات التعليمية لفترة طويلة، مما اضطر الأهل إلى البقاء في المنزل مع أبنائهم؛ القيود الأمنية التي فرضتها قيادة الجبهة الداخلية؛ تقليل الطلب على العمال. ويشدد تقرير وزارة العمل: رغم أن الحرب طاولت جميع فئات السكان، إلا أن هناك اختلافات كبيرة في تأثيرها على المجموعات المختلفة، وذلك لاختلاف تأثير أسباب الغياب على كل فئة.
بحسب معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية كان معروفاً سلفاً أن سفرة رئيسي جهازي الموساد والأمن العام ("الشاباك") ديفيد برنياع ورونين بار إلى القاهرة في نهاية الأسبوع الفائت، لغاية استئناف محادثات صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة حماس، عقيمة ولن تحمل أي بشائر جديدة.
وفي نهاية الأسبوع نشرت وسائل إعلام إسرائيلية عن اندلاع صدام حادّ بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورؤساء المؤسسة الأمنيّة على خلفية رفض توصيتهم بالمضي قدماً نحو المفاوضات. ومع ذلك فإن رؤساء المؤسسة الأمنيّة لا يخرجون علناً ضد نتنياهو، باستثناء تلميحات بسيطة بهذا الخصوص يدلي بها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي يبدو أن مواقفه منسجمة مع ما تتبنّاه المؤسسة الأمنيّة.
"لقد كان نتنياهو يُدير كابينيت الحرب بدكتاتورية، وهو لا يستمع إلّا للوزير ديرمر..."- هكذا علّق عضو كابينيت الحرب السابق غادي آيزنكوت عن "المعسكر الرسمي" على طريقة إدارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لكابينيت الحرب في مقابلة أجراها مع إذاعة "ريشت بيت". تنضم هذه التصريحات لجملة طويلة من التصريحات الناقدة لسلوك نتنياهو في إدارة الحرب التي اتهمته بتعطيل الصفقة والسعي لإطالة أمد الحرب أطولَ فترة ممكنة. قد تبدو هذه التصريحات مشابهة لسابقاتها الناقدة لنتنياهو، لكنها في الحقيقة تُثير تساؤلات حول شخصية وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر الذي يبرز دوره في كثير من المحطات، حيث يعتمد عليه نتنياهو في الكثير من الأزمات من أهمها العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. تُسلّط هذه المساهمة الضوء على شخصية ديرمر، وتحاول الوقوف على تاريخه السياسي وأهم الأدوار التي قام بها في إسرائيل، وذلك في إطار محاولة فهم النفوذ والدور الكبيرين اللذين يتمتّع بهما.
الصفحة 17 من 859