للشهر الثاني على التوالي، تشير نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" إلى ارتفاع ملحوظ في مستوى التفاؤل لدى الجمهور الإسرائيلي تجاه مستقبل الأمن ومستقبل الديمقراطية في إسرائيل. وبالإمكان ملاحظة ما يمكن وصفه باتحاد هذين المتغيرين، تحديداً، وهو ما يجسد ظاهرة معروفة من أماكن أخرى في العالم أيضاً في أوقات الحروب، ثمة من يسميها ظاهرة "الالتفاف حول العَلَم"، تسمح للدولة المعنية بعرض ما تعتبره نجاحات وإنجازات في ساحة القتال، في مقابل عدد قليل، نسبياً، من الضحايا في صفوف جنودها. ويصح هذا الكلام، بصورة خاصة، عن الفترة التي أجري فيها استطلاعا الشهرين الأخيرين؛ أي، قبل أن يبدأ الجيش الإسرائيلي بدفع أثمان يومية بأرواح جنوده وضباطه الذين يسقطون في معارك قطاع غزة، وخاصة خلال الأسبوعين الأخيرين اللذين أعقبا إجراء الاستطلاع الأخير، في الفترة الواقعة بين 27 و30 من تشرين الثاني الأخير ونشرت نتائجه يوم 5 كانون الأول الجاري.
مع استئناف الحرب الإسرائيلية على غزة، التي بدأت في إثر الهجوم الذي قامت به حركة حماس ضد مواقع عسكرية وضد السكان في ما يعرف باسم "غلاف غزة" في المنطقة الجنوبيّة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتوقفت لمدة أسبوع بين 24 تشرين الثاني الفائت والفاتح من كانون الأول الحالي من أجل تنفيذ صفقات تبادل أسرى، بدأت تتبدّد شيئاً فشيئاً بعض سحب الضباب التي تلوح فوقها تحت وطأة التعتيم الصارم الذي فرضته إسرائيل عليها واستهدف من ضمن أمور أخرى التغطية على ما تقوم به من جرائم حرب وإبادة جماعيّة من جهة، وممارسة أكبر قدر من التضليل الإعلامي من جهة أخرى.
على الرغم من فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد مشروع القرار المطالب بوقف إطلاق النار الفوري والإنساني في غزة، بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو"، فإن التحركات الشعبية والاحتجاجات في عدة عواصم خلال الفترة الأخيرة ألحقت أضراراً بصورة إسرائيل في المجتمع الدولي سيما في المجال الفني والثقافي العالمي، الذي أثارت فيه الحرب تساؤلات حول مدى التزام الاسرائيليين في هذا المجال بقيم حرية التعبير والمساواة والعدالة.
وتخشى إسرائيل أن تواجه مشاركتها في المهرجانات الدولية وضعاً مماثلاً للذي تواجهه روسيا حالياً، وذلك إذا استمرت الضغوط الشعبية في التأثير سلباً على مشاركة الإسرائيليين في هذه الفعاليات ذات الأهمية الدولية.
تعيد الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة إلى الصدارة قضية "معاقي الجيش الإسرائيلي"، والامتيازات الممنوحة لهم، ودور الدولة في رعايتهم مدى الحياة، والقوانين المتعلقة بهذه القضية. قبل اندلاع الحرب بأشهر، كانت الحكومة الإسرائيلية قد رصدت ميزانية قيمتها حوالى 150 مليون شيكل لتغطية الامتيازات التي يحصل عليها معاقو الجيش، وهي امتيازات مفضلة على من تم تصنيفهم كمعاقين لأسباب مدنية أخرى. ونجم عن الحرب الحالية (التي لم تنته بعد)، وصول إصابات عديدة إلى المستشفيات الإسرائيلية، وبالتالي ستشهد إسرائيل في السنوات القادمة صراعات قانونية واقتصادية، ستحدد من يحق له الحصول على تصنيف "جندي معاق" وبالتالي الحصول على هذه الامتيازات.
الصفحة 58 من 859